أإذا فسدت الخضر والفواكه ترميها في حاوية القمامة وإذا فسد المسؤولون تفعل فعل النعامة؟ ألا بئس الفعل فعلنا أنا وأنت وشعب النعامة. ويحكى أن العصفورة قالت يوما للأولاد: أحبوا لشعبكم ما تحبون لأنفسكم. وكبر الأولاد وأحبوا أنفسهم وتركوا شعبهم يبيع الجوارب والملابس الداخلية في الشارع العمومي، ويسلب المارة هواتفهم ونقودهم في الشارع العمومي، ويتبول على الجدران نكاية بقانون حظر التبول في الشارع العمومي، وتسفح دماؤه وتتفتّت عظامه على أسفلت الشارع العمومي. وإذا كنت تصطاد الأخطبوط في أعالي البحار، فأنا أصطاد البلابل في أعالي الجبال.. فتعال أعطيك بلبلا مغرّدا وتعطيني أخطبوطا لذيذا أطعم به تلاميذي الجوعى. فأنا معلم أقيم في حجرة دراسية مكيّفة رغم أني لا أدخن ولا أشرب، لكن لدي استعداد للتكيف.. أرجوك أبعد دخان سيجارتك عني. زوجتي تملك جهاز كشف نسبة الكحول والنيكوتين في الدم. كل مساء، وقبل أن آوي إلى غرفتي، أمر على مكتب السيد زوجتي، فتخضعني لفحص شامل، تفحص فمي وتفتش جيوبي وعندما لا يرن الجهاز بسبب جفاف جيوبي، تشتمني وتشتم كل فقرة في عمودي الفقري وتلعن سلالة الفقراء المعدمين التي أنحدر منها وتمطرني بأسئلة بوليسية «متى دخنت آخر سيجارة؟» - «هل عندما تشرب.. تقطع بالزيتون أم بالحلزون؟»- «هل عندما يأتي الفساد يجدك نائما أم يجدك نادما على ماذا بالضبط ؟» ينبغي أن تعرف جيدا من يتحدث إليك الآن.. فأنا معلم أربي الأجيال والأجيال تربيني.. أضربهم ويضربونني. أشتمهم ويشتمونني. أمنحهم نقطا ضعيفة فيمنحونني خبزا حافيا. أرجع عن غيّي وأمنحهم نقطا ممتازة فيغدقون علي خبزا مدهونا. ولعلمك فأنا أحسن من طبّق شعار انفتاح المدرسة على محيطها لأنني أشتغل داخل مدرسة بلا نوافذ، تستقبل تيارات غربية باردة وتيارات شرقية ساخنة.. وكثيرا ما يشتد الصراع بين التيارات داخل المدرسة.. فهذا تيار يدعو إلى تبريد الأجواء ثم تصقيعها ولتتجمد عظامي وعظام تلاميذي وعظام مديري، وذاك تيار يريد تسخين الأجواء ثم تجحيمها وإلى الجحيم أنا ومديري وتلاميذي.. وبارد وسخون يا هوى بارد وسخون ..غنّي معي ..غنّي معي.. واحذر أن يضبطنا المدير ونحن نغني أمام الأجيال.. فربما يتهمنا بتشجيع الأجيال على المجون واستهلاك المعجون.. من فضلك أعطني كأس شاي وملعقة معجون وشاركنا فرحة استقبال أعضاء لجنة محاربة الرشوة.. سيعلّموننا كيف نغسل أيدينا بالماء والصابون لمنع انتشار العدوى بفيروس الرشوة. لله درّنا ما أسعدنا بقدوم اللجنة.. مديري يرقص وتلاميذي يطبّلون وأنا وخالتي حليمة نزغرد..فبالله عليك ماذا تنتظر؟ هيا قم..قم للفساد وفّه التبجيلا.. كاد الفساد أن يكون رسولا.. وكم أتمنى أن يجعلني من آله وصحبه المرفّهين المرفّحين.. قل آمين. سيداتي سادتي.. ها هو مديري يتقدم الآن إلى رئيس اللجنة ليطلب منه أن يخطب فينا، وها هو السيد الرئيس الجائع يقسم الآن بأغلظ إيمانه أن لا يخطب إلا بعد أن يفطر هو وزملاؤه فطورا يليق بجوعهم.. وها هم أعضاء اللجنة الجائعون يفطرون ويفطرون ويتجشّؤون.. وها هم تلاميذي الرائعون يتفرجون ويصفقون ويتلمّظون. ولأنني جائع ورائع وجّهت إلى سيدي الرئيس الجائع طلبا للحصول على قطعة أرض، فردّ علي بعض محتويات بطنه قائلا إن طلبي مرفوض بحجة عدم احترام التسلسل الإداري، فمنحني قطعة خبز. طلع لي الدم إلى قنة الرأس، فطلعت إلى قمة الجبل، وصرخت بعلوّ صوتي« أنا الذي سأخطب». أطلقت خالتي حليمة زغرودة مدويّة ثم انصرفت مسرعة لتزف البشرى إلى ابنتها العانس. بدأت أخطب وأخ..«مدرستي منزوعة النوافذ (تصفيقات تلاميذي) وأنا أقول إن النوافذ مخبأة في منزل مديري(تكشيرات مديري) ومديري يقول إن النوافذ مخبأة في منزل مديره (تهديدات الرئيس الجائع) ومديره يقول إن النوافذ مخبأة في منزل خالتي حليمة (زغروووودة) فيا سيدي الرئيس الجائع أشبع الله بطنك وما دونها.. بلّغوا حكومتنا المعتصمة بالله أننا سنؤسس جمعية للممتنعين عن التعاطي للرشوة .. (تصفيقات) وسنناضل لدفع حكومتنا إلى الاعتراف بحقوقنا كأقلية مضطهدة في المجتمع..(تصرفيقات)..أقول قولي هذا وألقي بنفسي من أعلى الجبل» عمود # بلا فلسفة # لكاتبه عبد الفتاح بن الضو، ينشر كل سبت في الصفحة الأخيرة / جريدة الأخبار