لا تخلو مدينة أو قرية حيثما قبعت في المغرب من منتدبين وممثلين للمواطن المغلوب على حاله لدى السلطات التي تدبر الشأن العام ؛ في ما يصطلح عليه سياسيا بالمستشار الانتخابي ؛ وقد سمي مستشارا لأنه يشبه المسمار الذي يوضع بين المطرقة و السندان ؛ لتظل المطرقة هي الدولة ممثلة من أصغر عون " المقدم " حتى القائد و يبقى السندان هي مجموع المنتخبين القاطنين بدائرته ؛ سواء الحضرية أو القروية ....هل يحابي المطرقة و يغازلها لكي لا تهوي عليه بضرباتها القاسية على الجمجمة ؛ و من تم يعاكس مطالب منتخبيه التي لا حصر لها ؛ أم يحابي مواطني الدائرة و من تم الانضمام مباشرة للائحة السوداء المرفوعة إلى علاة المقام . يتكون المجلس إذن من مجموع المستشارين المحترمين الذين ينتدبهم مواطنوهم عبر صناديق الاقتراع لتمثيلهم أمام السلطات ؛ ليصبحوا في عرف الدولة و المواطن صلة الوصل التي تبنى عليها أحلام ذلك المواطن الذي لا حول و لا قوة له نحو عوالم و فضاءات الإصلاح و التغيير؛ ومن تم نيل الحقوق المدنية و الشرعية التي تؤهل حياته الاجتماعية و الاقتصادية للاستقرار...فتصبح الفترة الانتخابية المنتظرة أضغاث انتظار لأحلام قد تأتي و لكنها دوما لا تأتي.....ويصبح المواطن كتلة لحم لا فائدة ترجى من وراءه ينتظر السراب .... الفصل في هذا المقال إذن هو عبارة عن الداخل لصحراء العرب ؛ أمفقود هو أم مولود ؟ فالمتاهات التي تحاصر المواطن يوميا في دروب و سراديب الإدارة التي ينتمي لها ترابيا لا حصر لها ؛ من رشوة تمارس عليه من طرف موظفين محسوبين على خزينة الدولة التي تدفع رواتبهم من جيوب هؤلاء المواطنين ؛ لا ضمير مهني لهم ؛ و لا عرف اجتماعي يؤنبهم ؛ و لا تحضر في مخيلاتهم الضعيفة ؛ البيئة و الإطار و المحيط المجتمعي الذي يجمعهم بالسكان ..... الرشوة التي حقق منها هؤلاء المستفيدون – الموظفون أو لنقل أشباه موظفين ؛ مزايا كبيرة من سيارات فاخرة و دور للسكن و دكاكين للكراء ؛ يتحدث عنها الخاص و العام ؛ في عالم لا توجد فيه نار بدون دخان ..... وبما أن النار لا توجد بلا دخان ؛ فقد تفوح الروائح الكريهة للفساد الأخلاقي و الإداري من محسوبية و رشوة من هنا و هناك . الرشوة ؛ تلك السوسة التي تنخر شجرة الإدارة المغربية منذ تعاقب الحكومات المسماة إدارية على وزارات الدولة ؛ حتى وصول حكومة التناوب و بعدها الحكومة الحالية للتحالف المشكوك في أمره ؛ إإذ ليس في القنافيد من هو أملس؛ الرشوة لم تبرح مكانها ؛ لازالت تعشش في عقلية الموظفين ؛ و للأسف أصبحت عرفا و قانونا عند الكثير من المواطنين . المجالس القروية و البلدية في واد و المواطن في واد ؛ لا اتصال بينهما ؛ الانفصال هو سيد الموقف ؛ مواطن فقد الثقة في إدارة كادت بتلاعبات موظفيها الفاسدين ؛ أن تفقده ثقته في نفسه ؛ و تدمجه في قوانين رشوية من قبيل : " قهيوة " و " هدية " و " مارلبورو " و " سيدي علي " ...الخ . حتى أصبح من لا يحسن هذه التعاملات في عرف الناس و أصحاب الحال بليدا ..... المجالس هنا هم من يشكلون رؤساء كل الإدارات المخزنية و المنتخبة التي يحسب لها ممارسة إدارة القرب و السياسة التشاركية لتدبير شؤون البلاد و العباد ؛ التي لا تتشارك في واقع الحال إلا مع المرتشين ؛ ضاربة عرض الحائط المحاسبة أمام الوطن و القانون و الدستور و التاريخ . المجالس التي تسمى مجازا منتخبة - حتى لا نعود للشفافية و المصداقية التي أوصلت تلك المجالس للكراسي اللولبية التي تحتلها اليوم - مجالس أغلب أعضاءها ( خصوصا في العالم القروي ) منتخبون أميون من محبي حزب اللون " البرقوقي" ( النسبة هنا للبرقوق ) ؛ هؤلاء لا يفكون حرفا في خطاب ؛ فبالأحرى فك البيانات السياسية و النقابية و المناشير و التقارير و المحاضر ....الأمية بهذا الصدد في بعض تلك المجالس تصل ل 80 في المائة ؛ فكيف ننتظر منها التخطيط و التنمية و التقدم لقرانا و لبنياتنا التحتية من طرق و ماء و كهرباء و تشجير و ترميم للمدارس و إصلاح للمستشفيات و بناء لدور الشباب و الملاعب و لملاعب الأحياء وأخرى بالقرى .....الخ . الفساد الأخلاقي الذي يستشري ؛ و يحتل بأنياب كلاب الفرائس ؛ في أوساط الموظفين بالجماعات و البلديات تشجعه بالدرجة الأولى نخبة من مقاولين وأشباه مقاولين يشكلون مافيا جديدة للعقار؛ مستفيدة من البقع الأرضية التي يستغلونها دون رادع من قانون العقار و سياسة المدينة ؛ بطرقهم الخسيسة التي تكون الرشوة مطيتها الأولى نحو رؤساء أقسام الإدارات ؛ الذين يزورون المحاضر و البيانات عبر شبكة سوداء من الاتصالات بين الإدارات ؛ تعمل في السر و العلن مستهدفة - عن طريق السماسرة و الوسطاء - حقوق المواطنين الشرعية ؛ تلك النخب المقاولاتية للبناء و الخدمات و التجارة هي التي سممت جسد الإدارة بالفساد و أرخت لعاب و ريق منعدمي الضمائرمن الموظفين لبيع المصلحة العامة للمصلحة الخاصة ؛ فأصبح للأسف الكل يلهث وراء المصالح الضيقة و النفعية ضاربا عرض الحائط نظافة حيه و قرب المستشفى منه و إصلاح مدرسته و تشجير دربه و نقاء هواء بيئته و تقريب الملعب و عوشبته .....الخ ؛ أصبح الكل للأسف يتخبط في مستنقعات بيئة نتنة ؛ يبحث عن المستشفى في أقاصي الأرض و عن المجالات الخضراء ؛ لا يراها إلا بالتلفاز ؛ دون ملاعب و لا دور للشباب تمتص أرقه و تشنجاته النفسية ؛مجالات متكلسة بالإسمنت و التراب لا يعمرها إلا المشردون و التائهون . انعدمت الثقة للأبد ؛ و اختلت الموازين بين الساكنة و المجالس ؛ في وطن يسع الجميع ؛ في وطن كل الأحزاب لا تنتج إلا مقاولات سياسية للنخب التي تسيرها ؛ يهيمون على أنوفهم عبر اتصالات لا تربطها أية صلة وصل مع المواطنين ؛ إلا ما رحم ربك أثناء الحملات الانتخابية المغشوشة ؛ في أغلبها سرا و علنا ؛ فلا هيكلة و لا تجديد يعتري تلك الأحزاب ؛ أحزاب أمناءها لا يجددون و لا يغيرون ؛ بقدرة قادر ؛ حتى الممات ؛ أحزاب لا مقرات لفروعها إلا مقرات المركزيات و الجهات ؛ فأين هي قنوات التواصل مع المواطنين و القرب منهم للتنوير و الإشعاع و التعبئة ضد قنوات الفساد ؛ بهدف تربية سياسية منتجة ؛ لمواطنين صالحين في الزمان و المكان ..... و في هذا الإطار يسجل للكثير من الجمعيات التفافية والرياضية والتنموية و للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية الكثير من الفضل على بعض من حالفهم الحظ في التأطير و التتبع من طرف تلك الجمعيات ؛ جمع تتواصل مع هؤلاء في مجالات متعددة ؛ إذ أن التربية لا تقتصر على المدرسة و وزارة التربية و التعليم و لا على الأسرة ؛ وحدهما ؛ بل تتجاوز ذلك إلى المجتمع ؛ فهو المختبر العلمي لتجريب ما أنتجته الأسرة و المدرسة و الجمعية و الحزب من سلوكيات و معاملات عند المواطنين سلبا و إيجابا ؛ لذلك تعتبر واجبات تلك المؤسسات من تقويم لإدراكات المواطنين و ممارساتهم في المجتمع ؛ حقوقا في عاتقها ؛ نحو الوطن و القانون . ليست تلك الجمعيات وحدها ؛ بل الكل يجب أن يساهم في تطور و تقدم البلاد رؤساء و مرؤوسين ؛ فالموظف الصالح هو الذي لا ينتظرك في المقهى متلهفا لمالك ؛ لقضاء أغراضك ؛ الموظف الذي لا يلج أدراج باب مكتبه حتى العاشرة و يغادره في الثانية عشرة و النصف أو الواحدة للغذاء ؛ ليعود أو لا يعود ؛ غالبا . سلوكيات و أفعال لا ترقى بالإدارة للتقدم كما في البلدان الديمقراطية التي لم تتقدم بالوحي ؛ بل عبر آليات المراقبة و المحاسبة من طرف رؤساء الأقسام في كل مكان ؛ موظفون اغتنوا من الإدارة المغربية بعيدا عن الحسم معهم و محاكمتهم ؛ حالات من كثيرة ستؤدي بالبلاد إلى الهاوية و التخلف و سينتج للمجتمع شبابا يائسا و متشنجا لا يعوزه إلا إعادة إنتاج سلوكيات مضادة و عنيفة سنؤدي جميعا ضريبتها الآن و غدا ؛ كالتشرميل و العنف و اعتراض سبل العباد نهارا و جهارا للسلب و النهب و الاكتساح المسيء للأخلاق و الأعراف و للموروث الثقافي لديننا و دنيانا . الإدارة و فصل المقال في ما بينها و بين المواطن من انفصال غض من فيض ؛ في ما يعتري المجتمع المغربي و إدارته من ممارسات استغلالية لمرافقه و مؤسساته ؛ دون إعمال مساطر الحق و الواجب ؛ ما عثر تقدمه و تطوره ؛ في زمن ينتظر فيه البعض حلا من السماء ؛ بينما البعض الآخر حلا من المريخ الرجوع للضمير المهني الحي و التربية الدينية و الوطنية التي تمتح من القيم النبيلة و الموروث التاريخي للوطن و الأمة . أولاد زمام في : 22 يونيو 2014 م