إنك لا تحتاج أن تكون متخصصاً لتر بأم عينيك وتدرك حجم المأساة، وخطب الوضع فيكفي أن تتسكع في شوارعنا وتلج إداراتنا وتدخل مستشفياتنا....لتشهد حجم الفساد الإداري والمالي الذي بلغ مبلغ من الفحش ورائحته باتت تزكم الأنوف و حدا لا يطاق. أوضاعنا المتردية والتي تسير من سيئ إلى أسوأ، بفعل معالجاتنا الخاطئة وإصلاحنا الذي هو الآخر يحتاج للترميم والتغيير في جميع القطاعات التي تعيش حالة من الفساد منقطع النظير والعشوائية في التسيير والتدبير فتارة نغير القوانين ونحتفظ بالمفسدين وتارة أخرى نغير المفسدين بفاسدين جدد ونحتفظ بقانون يحمي العابثين بمقدرات البلاد والانتهازيين ،حتى أصبحنا نتفنن في التلاعب بالقوانين الرثة والتي لا تعيق التطور والتقدم فحسب بل أضحت أكبر معرقل للاستثمار ،....عوض أن تنظم تعرقل وبدل أن تسرع تجعلنا نتراجع خطوات للوراء وذلك بداعي التحديث والتطوير. فأحوالنا ان تمعنا فيها ورجعنا بأنفسنا للخلف فسنرى ونفهم لمذا العامل يغش والمهندس يتجاوز والطبيب يخون والمسؤول يستبد ويفسد والمقاول يسرق والغني يطغى والطالب يتهاون ويدلس والناخب يكذب ويفتري والمنتخب يخون ويعتدي والقاضي يجور ويرتشي ....فلا الحملات التي اعتادت الدولة القيام بها أصبحت تنفع ولا اللجان التي على كثرتها وفي جميع القطاعات صارت لها جدوى ولا الرقابة التي تحتاج هي الأخرى للرقابة لها مغزى ولو افترضنا أن نضع مراقب لكل مسؤول وصاحب قرار وإلى كل مدير ،رئس مصلحة قاضي ،،طبيب ،أستاذ ، إطار لاحتجنا لشعب آخر ومؤسسات أخرى ..ولما حدث التغيير المنشود .فالغش عرفناه منذ الصبا في المدارس والإعداديات فشبنا عليه وأصبح من طبعنا وثقافتنا لذا يستحيل ان نحاربه بحملة من هنا أو لجنة مراقبة من هناك ..والأكثر من ذلك فالغش أصبح يتعدى التلميذ المتهاون، بل تطور وصرنا نسمع عن تسريب للامتحانات كما حدث في ثانوية مولاي محمد عبد الله بالعرائش ،وكذا في معاهد ومدارس عليا ،فبالله عليك ماذا ننتظر من غشاش أو مدلس أن يكون متقنا لعمله ،نزيها في معاملته ومحبا لوطنه وهكذا دواليك بالنسبة لغالبية المواطنين ناخبين ومنتخبين،حاكمين أو محكومين ،مدراء وعاملين ،بل نلحظ أن المصالح الفئوية والذاتية أضحت تعلو على التقدير الوطني . هل اختيارنا لبرلمانيينا ومسئولينا وقضاتنا وحماة المال العام ...بمنطق الأعلم والأورع والأكفأ كما صنفوها غالبية الراسخون في العلم أم ذلك عندنا بمعيار ومنطق" لعطا كثار "المصلحة الذاتية والمحسوبية والزبونية . كم هو مخزي حالنا ونحن نشهد شهادة الزور باختيارنا هذا ومن تم نلعن الظلام ولا نوقد شمعة ،شمعة العدل ونزاهة في الاختيار ووميض الأمل لعل الغد يكون أفضل ،لا أن نكون شهود زور على الفساد المستشري والدعارة السياسية والاغتيال الثقافي والانحطاط الأخلاقي،أو كعبيد للطبقة الفاسدة والمفسدة . وهكذا بالنسبة للغش ولباقي الآفات التي نخرت جسد الوطن برمته فصارت ثقافة الفكر النفعي والانتهازي هي المسيطرة والتلاعب بالقوانين هي الشائعة والترامي على أملاك الغير المنتشرة ،والربح السريع وبأية الوسائل هي الرائجة فمشاكلنا المركبة بنيوية مع الأسف وما الإصلاحات القائمة سوى مجرد مساحيق تنكشف وتتعرى مع هبوب أولى قطرات المطر . مشكلتنا ليست في الحفر والتي حولت شوارعنا لملاعب الغولف ،وليست في البناء العشوائي الذي انتشر كالهشيم ،وليست في السرقة والاحتيال الذي أبدعنا فيه وصرنا نضاهي أفلام الهوليود وما البنوك المنهوبة ووكالات الاقتراض المسلوبة أشهر من علم رغم الكتمان الذي تتبعه البنوك حفاظا على ماء وجهها وخوفا على سمعتها ،وكذلك ليست المشكلة في العطالة المعضلة الكبرى والطاقات المهدورة ،وليست في الاقتصاد ولا في السياسة .....بل المشكلة الأساسية والرئيسية في الإنسان نفسه في المغربي بعينه .ولو منحنا الشرطي 6000درهم او كان الحد الأدنى للأجور 2400درهم التي لم تر النور بعد لن توقف الرشوة ولن تحقق الحد الأدنى للعيش الكريم ولو وضعنا مدونة الأسرة أو السير اوأو.. لن تنظم النسل ولن تنظم السير لأن التأهيل للفرد منعدم وتوعية المجتمع تكاد تكون وتنميته كشعار هو المحقق...ولأننا للأسف لم نحارب الثقافة الاستهلاكية والإتكالية ولم نشجع ونشيع ثقافة الإنتاج والعمل" للأعلم الأورع الأكفأ" أو كما قال أحد العلماء لو عمل كل في اختصاصه وأتقن عمله لتحسن حالنا وتطورنا للأفضل بدل أن نهدر أموال الشعب في اصلاح الإصلاح وتكوين اللجان تلو اللجان.بل حاربنا السكن العشوائي وفشلنا ،وحاربنا الفقر فانتصر علينا ،وحاربنا الأمية فهزمتنا،وحاربنا الرشوة فسحقتنا وحاربنا وحاربنا ...أتعلم لمذا نلق الهزيمة تلو الهزيمة لأننا وببساطة نكون محاربين ومقاتلين شرسين في اللهو و اللعب فقط ولاعبين في المعارك الحقيقية ... فلو كنا نحرص على أداء واجبنا وممارسة كافة حقوقنا المكفولة قانونا واستغلال الانفراج السياسي والحرية المتاحة في الصالح العام لكان حالنا أفضل . لو حرصنا على معرفة حقوقنا أولاوكشف الحيف والتجني علينا بالاعتراض ،الإحتجاج أو تقديم شكاية أو تفعيل مجلس الحي أو التحرك داخل جمعية تعني بحقوق الإنسان او البيئة أو أية منظمة كانت لإيصال صوت الامتعاض وليس التخلي عن ما تبقى من كرامتنا التي تهدر يوميا والتعسف الحاصل من شركات الكهرباء والاتصالات والمواصلات والتسيب الحاصل في أغلب الإدارات العمومية وشركات النظافة ....إلخ فلا يعقل ان يكون ثمن أداء الضريبة على النظافة روائح تزكم الأنوف ومزابل في أرقى الأحياء ولا يعقل ان تكون مكاتب الشكايات خاوية على عروشها ولا يزورها أحد ولا يعقل أن يطول صمتنا على مستشفياتنا المفتقدة لأبسط وسائل الراحة والعناية المطلوبين ولا يعقل ان يكون ثمن الهجرة القروية إلى الحواضر 70متر في حين لا نهتم بالبادية ومساعدة الفلاحين الصغار ولا يعقل أن تظل مناهجنا التعليمية مستهلكة ولا تنتج سوى متعلم غير قادر على الإنتاج والخلق والإبداع ،ناهيك عن قلة الاهتمام بالبنية التحتية للتعليم المادية منها والتي لا تتلاءم مع حجم الرواتب" 60 % من مجموع الموظفين رجال تعليم يتقاضون سوى 26% من نفقات الميزانية"حيث كيف يعقل أن يأخذ التعليم ربع الميزانية بينما بنياته التحتية متردية ولا تسد الخصاص الحاصل وندعي محاربة الأمية. ناهيك عن تهالك الجامعات وضعف الرواتب للأطر المشرفة وتخصيص أضعف الميزانيات في العالم للبحث العلمي وعدم الكفاءة في التسيير والتدريس، لذا وجب إعادة النظر في تأهيل الملقن وإعادة الهيكلة في الإدارة أين المجتمع المدني الحقيقي والفعال والدي هو قطب الرحى في عملية التغيير المنشود ودوره الجوهري في مراقبة المؤسسات وحماية المال العام...،بل الشراكة الحقيقية والفاعلة مع الدولة ليست سوى شعارات إنشائية وخطابات رنانة طنانة ... فالمفهوم الإيجابي للعمل الجمعوي الذي كنا نعول عليه لخلق حالة من التناغم والتواصل والتبادل الفكري و في تحقيق ثقافة محلية منتجة ومؤمنة بقيم المشاركة والعدالة وحرية التعبير ومن تم ينبثق منها فكر مرن متحضر واعي ومنتج قادرة على الوقوف أمام أعداء التغيير والمدعوم ببعض المثقفين ،الإعلاميين والنخب السياسية...وبالتالي يكون رافعة حقيقية للإصلاح والتغيير والتنمية المستديمة التي لم تتحقق بعد. إلى متى سيظل مقص الرقيب لا يوجد سوى في مخيلتنا وإلى متى سنتيقن بأن زمن الشطط والاستمناء السياسي، ولى بلا رجعة وإلى متى سترتقي صحافتنا وتكون قاطرة التنمية والتقدم، بدل من أن تسب هذا وتلعن ذاك ،عوض أن تنخرط في الإصلاح وتنتقد وتفضح الفساد وتكون بالفعل السلطة الرابعة إن لم نقل الأولى في توجيه المواطنين وفضح المتلاعبين ،ووضع يدها على مكامن الخلل، لكن للأسف التجأت للوسائل القذرة في تحطيم نفسها بانخراطها في صراعات فردية وفئوية وحماية المفسدين،و إلى متى سيظل المجتمع المدني يتلقى الأوامر ويتغاضى عن الحقوق ويتخلى عن دوره في التوعية والرقابة والشراكة الحقيقية مع الدولة. عجبا لهذه الدولة ننتقد طريقة الحكم التي لا يختلف اثنان على عجزها لتحقيق التنمية الحقيقية و القضاء على مظاهر التخلف و الفساد ،بينما نتوفر على معارضة ضعيفة جدا و ليست بمستوى المرحلة ،و لا تتوفر على نقابة كبيرة تمارس بها ضغطها ولا عن صحيفة في المستوى لسان صوتها،وحتى الصحافة" المسغلة " المستقلة افتضح أمرها وحاد دورها . يبدو أن المرحلة السابقة لا زلنا لم نتخلص منها بعد، ولا زالت معششة في دماغنا و باتت تطارد أحلامنا وأفكارنا وتقوض عقولنا وتضعف من همتنا وتحد قدراتنا وتزرع في نفوسنا الشك وتحبط من عزيمتنا وتجعلنا ننتظر لسنوات أخرى حتى نستبين حقيقة موت المرحلة السالفة ونتخلص منها في النفوس قبل النصوص . مشهد سياسي يشكو من فراغ قاتل رغم بروز حزب أرادوه أن يحرك هذا الجمود ويملأ ذلك الفراغ لكن وكما العادة جا يكحل تلك العيون الباهتة والمترهلة عماها ،ولادة قيسرية غير طبيعية بلا قاعدة وأضحى يقتات من كوادر الأحزاب يمينا وشمالا ووسطا ،فزاد من قتامه الوضع وأصبح بلا طعم ولا رائحة ،وحزب لا يتوفر على مشروع مجتمعي قادر أن يعطي البدائل ويقنع بها شركاءه ،ومواقفه يلفها الغموض في كثير من الأحيان وحتى تحالفاته الانتخابية تجعلنا نتيقن بأن القيم والمبادئ عنده شعارات إنشائية ولأغراض سياسية ليس إلا. هناك جيل جديد وجريء جدا، من الكتاب والصحفيين والمهندسين والأطباء وأطر على أعلى مستوى وفي جميع التخصصات ولذيهم من الشجاعة والجرأة الكبيرة في البناء والتشييد وزرع بوادر التفاؤل والتعبير عما يخالجهم من المشاعر والامتعاض والانتقاد وطرح البدائل بحب وبلا مركبات نقص ودون عصبيات حزبية وقبلية ،وكشف زيف وفساد الطبقة السياسية والنخبة المثقفة المرتهنة والصحافة المتواطئة دون خوف أو وجل من نفوذ هذا أو جور ذاك .لكن وللأسف الشديد يبدو أننا نشكو من فوبيات كثيرة أضيف إليها مؤخرا فوبيا المخالف .مسكين حال شبابنا فلا هو ترك ليعمل ويفرغ كامل طاقاته في الإصلاح والتنمية ومقاومة الباطل وخدامه، ولاهو لقي يد المساعدة والعون للتخلص من رواسب التخلف وأضيف إليه تخلفنا عن التطور العلمي والتكنولوجي لاسيما ونحن في عصرا لعولمة الإعلامية والمعرفية والثورة الرقمية ، وحالة من التشرذم والتفرقة والشرخ الكبير في النفس والانقسام المؤلم في الفكر ،وفي مستنقع الفساد المستشري وبراثين الجهل والحالة الاقتصادية المزرية ،محاولا الخروج من فوهة الزجاجة لعله يواكب عصره وزمانه ،حاملا أثقالا ينوء المواطن تحملها وأحلاما ورؤى يستحيل تحقيقها . هل ننتظر أزلام المرحلة السابقة يسقط الواحد تلو الآخر لتخر العصا التي كان يتكأ عليها العهد السالف ونتأكد وبالملموس أن المرحلة الفارطة انتهت ولا توجد سوى في مخيلتنا والتي صارت عبئا هي الأخرى تزيد الطن بلة .أم إن الثقافة الانهزامية، والإحباط النفسي بلغ مداه والشك والريبة صارت من شيمنا وتكسير المجاديف أضحت من سلوكياتنا المعتادة وكأننا بذلك نكرس لما هو مكرس وحال لساننا يقول أكلنا يوم أكل الثور الأبيض.