منذ ما يزيد عن عقد من الزمن ، تنبه بعض العقلاء الغيورين على مستقبل الأجيال الناشئة بأن مفتاح ولوج باب المستقبل هو التسلح بالعلم والمعرفة . لذلك فقد انخرطوا في مشاريع ومبادرات في هذا الاتجاه معولين في إنجاح مسعاهم على تطابق إرادتهم مع إرادة أعلى سلطة في البلاد ،ومع قطاعات واسعة من المجتمع المدني والسياسي أيضا . فتجند من تجند لمحاربة الأمية وإشاعة القراءة وتشجيع الإبداع ،فانخرط إعلاميون ومثقفون لمحو وصمة عار الجهل والأمية عن جبين الإنسان المغربي التواق إلى التحرر والبناء لإيجاد موطئ قدم صلب وسط عالم كتلاطم الأهواء والأزمات. لكن ، هناك من لا يزال بين ظهرانينا من لم تلفحه رياح الوطنية أو الغيرة على أبناء جلدته ، ولا يريد لهم إلا أن يبقوا كائنات هلامية رخوة يطوقها الجهل والحاجة ، بلا بوصلة سوى خدمة التخلف والفساد .. تلكم البحيرة الآسنة حيث يصطاد محترفو الارتزاق السياسي وسماسرة الظلام .. فلول فيروسية ضارية لا تمل ولا تكل من التهام كل شيء من خبز الجياع إلى دواء المرضى إلى أحلام العلماء والمبدعين . وإن كان لهذا الحديث من مناسبة ، فلا غرو أنها لن تكون إلا قطرة في بحر الفساد الذي تمعن أمواجه في تطويق بؤر النزاهة المضيئة المستميتة في إنارة النهج وتعبيد الطريق أمام مغرب متنور غني بأبنائه وبناته العاشقين له .. وهذا ما حدث بالضبط في الحي المحمدي بالدار البيضاء : " في إطار الاحتفالات التي تنظم بمناسبة ميلاد صاحب السمو الأمير مولاي الحسن ، توصلت الجمعية البيضاوية للكتبيين المشرفة على المعرض الوطني للكتبيين بدعوة من طرف مقاطعة الحي المحمدي وبتنسيق مع جمعية كاريان سنطرال للمشاركة في المهرجان الذي سطرته لهذه المناسبة . طلبوا من جمعيتنا إقامة معرض للكتاب المستعمل مدته 10 أيام ( 8- 18 ماي 2014) وقد أكد لنا المسؤولون عن الشأن الثقافي بالحي المحمدي عن توفرهم على موفقة مؤشر عليها من طرف أحد نواب السيد العمدة . وعليه لبت الجمعية الدعوة دون تردد أو تأخير وبجميع منخرطيها الذين يفوق عددهم ثلاثون عارضا من مختلف المدن المغربية . وتحت أعين السلطات المحلية نصبنا الأروقة بالفضاء المخصص لنا وتم تجهيز الرفوف بالكتب وتعليق اللافتات التي تذكر بمناسبة الاحتفال من طرف المقاطعة وجمعية كاريان سنطرال وتزيين المحيط بالأعلام الوطنية ... لكن الذي وقع بعد يومين قامت القيامة وجاؤوا مدججين في جو انقلب من الاحتفال والفرح إلى كابوس من التهديد والترهيب يأمروننا بهدم كل شيء والرحيل لأننا لا نتوفر على ترخيص للاحتفال بهذه الذكرى وبالتالي إقامة المعرض الثقافي والكتبي .. دون أن يحترموا مشاعر الكتبيين الذي صدموا واندهشوا من سلوك غير مقبول ولا يوجد فيه حس بالتضامن والوطنية وتقريب الكتاب بأثمنة زهيدة من الفئات الشعبية . ولم يضر الكتبيين ما تحملوه من خسائر مادية باهظة ، ولكنه الظلم والحكرة التي لحقتهم وهم يشاركون في مناسبة وطنية . وعليه لا يسع الجمعية البيضاوية للكتبيين إلا أن تستنكر رعونة وضيق أفق بعض أعضاء مجلس مقاطعة الحي المحمدي الذين أبانوا بفعلهم هذا أنهم أبعد من أن يفهموا دلالات ومغازي المناسبات والأنشطة في حي مثل الحي المحمدي العريق . والسؤال هنا هو متى احتاج المغاربة إلى ترخيص من أجل الاحتفال بمناسباتهم الوطنية ؟ ومتى كان على جمعية عريقة وذات نفع عام كجمعية كاريان سنطرال أن ترضخ لحسابات سياسوية يحركها مفسدون جاء بهم زمن أغبر غابر إلى مقاعد تمثيل السكان وتسيير شؤونهم ؟ إن منع إقامة معرض للكتاب المستعمل بأثمنة زهيدة وسط القلعة الوطنية والثقافية المسماة الحي المحمدي وتجييش بعض الأقلام المأجورة والمتعودة على ذلك لتصويره كمعرض تجاري من المعارض إياها التي تنعش جيوب المفسيد في صفقات مشبوهة هو لحظة فارقة للبحث عما وراء كل هذا ولماذا وقع ومن يحركه ؟. لقد جاء المنع في صورة انتصار للفساد والجهل ووصمة عار تنضاف إلى سجلهم الثقيل . ولكن الحساب يمهل ولا يهمل . وإنا لراجعون بكتبنا وندواتنا إلى الحي المحمدي ، قلعة الإبداع والفكر والفن ، وإنا للجهل والفساد بالمرصاد إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا