حدثنا فلان قال :" اعطيت صافرة الإنطلاق, وبدأ الناس في جمع الأرزاق, والبخل في الإنفاق, وزاد الثقل على الأعناق, و تم ادخار القطع النقدية و الأوراق.فاستغربت من الحال, و طلبت الجواب بالإستعجال, إلا أني لم أجد حلا لسؤالي, و لا اقتراحا في خيالي..فسعيت لتحليل هذه الظاهرة بعين ساهرة و نية طاهرة. بدأت بالتنفيذ و انطلقت إلى درب الغزاونة بالتحديد, وكأني رجل شرطة أو محقق, إلا أني اندهشت مما رأيت حتى كدت لا أصدق : أنواع من باقات الورود, و صور لبعض الممثلين الهنود, والكثير من البطاقات، والصور والملصقات..مسك وروائح, منها ما هو فاسد وصالح، والمصابيح اللامعة، والدمى الضاحكة الدامعة، وبعض أشكال القلوب التي تكشف عن الكثير من العيوب... فشرعت في التخمين، ملتفتا إلى الشمال و اليمين، علني أجد دليلا يكون بحل اللغز كفيلا..إلا أنه لازال غامضا، وأنا أقسمت أن أبقى صامدا. فلفت انتباهي كثرة الأغاني، و تبادل التحيات والتهاني.. فيا ليتني أجد ما أفتقده عساني. توغلت إلى الداخل أبتسم ابتسامة الآمل، لأجد حلويات مختلفة الأذواق، وكعكا عرض على الأطباق..وفجأة سمعت شخصا يتحدث عما يسمى بالهدايا، وما لها من الفوائد والمزايا: تسقط بالقلوب غير أنها تعصف بالجيوب..فحركني الفضول فيما كان يقول.فاللهم وفقني وفي هذا لا ترهقني... دونت ما هو جديد وأنا من ضالتي بعيد, حتى قيل أمامي :"عيد سعيد"،فاندهشت من الأمر كأن حرقت بشيء من الجمر..فما دخل العيد في هذا؟ أأنا مجنون ام ماذا؟ والله إني احترت، ولن أندم، فأنا الذي اخترت..فعن اي عيد يتحدث هؤلاء الناس ؟ يا إلهي..لقد دخلني الوسواس.حتى جاء الفرج, ورفع عني الحرج عندما سمعت مناديا، يطرب بجانبي شاديا : "أ لا هلموا.. ومسكي فشموا، ها قارورة العطر، من الزهر لا من الفطر..تهز الروح وتضمد الجروح..و ها بطاقات الورد التي لا تحتاج للوصف أو السرد، فهي كحل للعين، من الثلاثاء إلى الإثنين، واصلاح لذات البين..وهاذي الكراكيز والدمى، تزيل ما في قلب الحبيب من العمى، فتجعله بك بصيرا ولك معينا نصيرا..وهاذي ساعات مختلفة، رخيصة لا مكلفة، للقلوب مؤلفة, وللود مخلفة..فهلا اشتريتم مني ما لدي ، وأسعدتم بدريهمات يدي ، فسلعتي لكم نفع, وللضر عنكم دفع، ولي أنا شيء من الإعانة،بعدما عشته من الذل و الإهانة..فهيا اقتربوا، ومني لا تغتربوا..وأشفقوا من حالي، وأجيبوا دعوتي وسؤالي". فاقترب منه الكل ودنا-وكنت من جملتهم أنا- إلى أن رآني فانحنى، فإذا به 'بن الحاج'، أشهر سارق للبيض والدجاج..ترى ماكان السبب؟ والله إن هذا لعجب..أيبتغي بيعا حلالا, بعد أن أمضى كل حياته نشالا؟..ربما غير المهنة وتجنب منها المحنة.. سمعنا من ورائنا صوتا مجهورا، فجحظ 'بن الحاج' مبهورا عندما قيل : "أمسكوه أمسكوه , قيدوه ولا تفكوه، إنه لص اللصوص، في كل الأجواء والطقوس، فلا يفلتن من أيديكم، وهدايا العيد أعطيكم". انسل 'بن الحاج'من بين الخلق وقد علقت غصته في الحلق، وفر من شدة المفاجأة وتبعه الناس طمعا في المكافأة.. فما لهذه الهدايا لا تفارقني وطوال التحقيق ترافقني؟؟. أمسكت بيد المسروق، وقد لمست ما جحظ بها من العروق، فسألته قائلا : "مالي أراك للغضب مائلا، والعرق يهبط من جبينك وابلا؟"..فأجابني سائلا : "وما تبتغي في ذلك طائلا ؟" ..فأجبته كاذبا : " ألا حدثني متأدبا، فأنا من رجال التحقيق، ولي حاجة بما تيسر عندك من التعليق"..فأردف راضيا:"ألا كن بالعدل قاضيا، وافصل جزاك الله خيرا، ولن أبتغي بعدك غيرا"..فأجبته : "هيا اقصص ما لديك، وإن شاء الله سآخذ بيديك", ثم قال:"كلما جاء رأس السنة،حل على الناس بالميمنة، وعرف 'بن الحاج'بالهيمنة، فيأتينا نحن تجار التقسيط، ليدشننا بما أعد من التخطيط.."فأمرته أن اسكت كفى، فما قلته قد كفى..فسأبقى لك ذاكرا، وفي صلاتي شاكرا..فقد قمت بحل الأحجية ولو بطريقة همجية، فالمهم أن جزاك الله بالبشرى، ويسر خطاك لليسرى. محمد جبور مدينة أبي الجعد