بسم الله الرحمن الرحيم إننا في هذه الحياة الدنيا نعيش في سوق كبير ..التجارة فيه إما تجارة مع الله أوتجارة مع الشيطان... السلع معروضة ... ولكل قادم على السوق ما يشاء وما يختار، وكل البضع حاضرة إلا بضاعة القيم !!! ... والرابح في هذه السوق هو الصادق في تجارته مع الله : التجارة التي لا ولن تبور { يآ أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } [1] ويخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقينا بأن الصدق يهدي إلى البر ،والبر يهدي إلى الجنة ، ... ثم يؤكد [ص] أن العبد لا يزال يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ... إن الصادق في حقيقة الأمر هو الإنسان السوي والذي لا يهمه من دنياه إلا رضى : رب سميع مجيب رقيب ، حين أصبح الصدق في زماننا بضاعة نادرة في مجال المعاملات ، إنه قيمة غائبة !!! قال عليه الصلاة والسلام :اضمنوا لي ستا من أنفسكم، أضمن لكم الجنة : أصدقوا إذا حدثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدوا إذا أئتمنتم ،واحفظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم ،ووكفوا أيديكم. [2] فما سر غياب الصدق من حياتنا ؟ ؟ ؟ ما الذي يجعلنا نخالف الصواب في قولنا وفعلنا أحيانا إن الصدق طمأنينة والكذب ريبة [3] كما أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم . عود لسانك الصدق تحظ به *** إن اللسان لما عودته معتاد أصدق أيها المسلم في قولك أصدق أيها المسلم في فعلك أصدق أيها المسلم في أحوالك وما أقبح أن يطلب الكذوب من غيره أن يكون صادقا صدوقا ... فافتح أيها المسلم صفحة الصدق مع الله، وكن صادقا مع نفسك ، وكن صادقا مع الناس ..واترك الكذب ولو كنت مازحا .. قال عليه الصلاة والسلام : أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا [4] هذا هو الربح ، وأي ربح أعظم من جنة عرضها السماوات والأرض ؟ إن الذي يعود نفسه الصدق يكسب ثقة الناس ورضى رب الناس ، ويزرع الله محبته في القلوب على الأرض ويكتب في ديوان الصادقين ... أما الكاذب فإنه يعيش مضطربا يخشى أن يكشف عن حاله أو أن يفتضح أمره واعلموا أيها المسلمون أن أكبر أنواع اللكذب إثما :الكذب لأكل أموال الناس بالباطل...قال عليه الصلاة والسلام :من اقتطع حق امرئ بيمينه بقسم كاذب فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ، فقال رجل :وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ فقال :وإن كان قضيبا من أراك[5] (فاصدقوا أيها المسلمون تفوزوا. اصدقوا مع :الله ، مع أنفسكم ،ومع الناس تنالوا رضى رب الناس) تضاف إلى قيمة الصدق [ قيمة الوفاء [ * وما أجمل الوفاء عندما يعيشه الناس في واقعهم ، وما أحسنه حينما يكون مقرونا بالصدق .. هذا ما تربى عليه جيل القرآن في مدرسة النبي العدنان *** ولنا فيمن سبقوا أروع مثال : ... أتى شابّان إلى عمر [ض] وكان في المجلس، وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمام عمر بن الخطاب قال عمر: ما هذا، قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا قتل أبانا، قال: أقتلت أباهم؟ قال: نعم قتلته، قال كيف قتلتَه؟ قال دخل بجمله في أرضي، فزجرته، فلم ينزجر، فارسلت عليه حجراً، وقع على رأسه فمات. قال عمر: القصاص.. الإعدام.. قرار لم يكتب. وحكم سديد لا يحتاج مناقشة، لم يسأل عمر عن أسرة هذا الرجل، هل هو من قبيلة شريفة؟ هل هو من أسرة قوية؟ ما مركزه في المجتمع؟ كل هذا لا يهم عمر لأنه لا يحابي أحداً في دين الله، ولا يجامل أحداً على حساب شرع الله، ولو كان ابنه القاتل، لاقتص منه، وقد جلد ابناً له في بعض الأمور. قال الرجل: يا أمير المؤمنين: أسألك بالذي قامت به السماوات والأرض، أن تتركني ليلة؛ لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية، فأُخبِرُهم بأنك سوف تقتلني، ثم أعود إليك، والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا، قال عمر: من يكفلك أن تذهب إلى البادية، ثم تعود إليَّ، فسكت الناس جميعاً، إنهم لا يعرفون اسمه، ولا خيمته، ولا داره، ولا قبيلته، ولا منزله، فكيف يكفلونه، وهي كفالة ليست على عشرة دنانير، ولا على أرض، ولا على ناقة، إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف. وقع عمر في حيرة، هل يُقدم فيقتل هذا الرجل، وأطفاله يموتون جوعاً هناك، أو يتركه فيذهب بلا كفالة، فيضيع دم المقتول ، ثم التفت إلى الشابين، أتعفوان عنه؟ قالا: لا، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين، قال عمر: من يكفل هذا أيها الناس، فقال أبو ذر الغفاريّ: يا أمير المؤمنين، أنا أكفله، قال عمر: هو قَتْل، قال: ولو كان قاتلاً، قال: أتعرفه؟ قال: ما أعرفه، قال: كيف تكفله؟ قال: رأيت فيه سِمات المؤمنين، فعلمت أنه لم يكذب، وسيأتي إن شاء الله، قال عمر: يا أبا ذرّ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك ! قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين، فذهب الرجل، وأعطاه عمر ثلاث ليالٍ؛ يُهيئ فيها نفسه، ويُودع أطفاله وأهله. وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد، يَعُدّ الأيام عداً، وفي العصر نادى في المدينة: الصلاة جامعة، فجاء الشابان، واجتمع الناس، وأتى أبو ذر، وجلس أمام عمر، قال عمر: أين الرجل؟ قال: ما أدري يا أمير المؤمنين، وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها، وسكت الصحابة واجمين، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله. صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد، لكن هذه شريعة، لكن هذا منهج، لكن هذه أحكام ربانية، لا يلعب بها اللاعبون،. وقبل الغروب بلحظات، وإذا بالرجل يأتي، فكبّر عمر، وكبّر المسلمون معه، فقال عمر: أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك، ما شعرنا بك، وما عرفنا مكانك، قال يا أمير المؤمنين، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى!! ها أنا يا أمير المؤمنين، تركت أطفالي كفراخ الطير، لا ماء ولا شجر في البادية، وجئتُ لأُقتل، فوقف عمر وقال للشابين: ماذا تريان؟ قالا وهما يبكيان: عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه، قال عمر: الله أكبر، ودموعه تسيل على لحيته. جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما، وجزاك الله خيراً يا أبا ذرّ يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته، وجزاك الله خيراً أيها الرجل لصدقك ووفائك، ونحن نقول :جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين لعدلك ورحمتك [6] **** [1] سورة التوبة : 119 [2] مسند الإمام أحمد ، صحيح ابن حبان ، و المستدرك للحاكم [3] رواه الترمذي [4]مدارج السالكين ، رواية عبد الله بن عمر [5] رواه مسلم [6] من موقع : نسيج ، بتصرف