تتالت أمام ناظري حلقات مسلسل غضب الصحافة من اختلالات التسيير كما وقف عليها المجلس الأعلى للحسابات ببلدية سوق السبت أولاد النمة، وحضرتني صور الغضب الشعبي، وجماهير سوق السبت أولاد النمة وهي تهتف في حر الشمس أمام قصر البلدية، مرددة مختلف الشعارات وساردة ما أمكن سرده من اختلالات، وقارنت بين ما يحدث في مجتمعنا الصغير هذا وما حدث قبل عشرات السنين، ببلد صغير اسمه اسكتلندا، وتساءلت أمازلنا رغم مرور كل هده الأعوام لم نلحق بعد بما وصلت إليه دولة صغيرة قبل ثلاثين سنة خلت... فهل تريدون معرفة ما الذي وقع باسكتلندا، انه غضب الصحافة لان وزيرة التربية والتعليم أقامت في فندق ريتز الفخم، واستأجرت سيارة وسائقا خلال وجودها في باريس على رأس وفد يمثل البلاد إلى مؤتمر اليونسكو. الإقامة في فندق فخم، واستئجار سيارة، وسائق، للقيام بمهمة رسمية انتدبت لها من طرف الدولة، هذا ما قامت به معالي الوزيرة، فماذا لو قامت معاليها بإقامة حفلة بدون مناسبة، صرفت عليها أموال الشعب وعبئت لها مختلف المصالح، مع ما يتطلبه ذلك من جهد، وما يهدره من وقت، وماذا لو استعملت سيارة الدولة متى شاءت، وأينما شاءت، وماذا لو فكرت مجرد التفكير، وهي وزيرة الثقافة، في تغيير اسم بلدها.. ما حاول جعله واقعا رئيس المجلس البلدي لسوق السبت أولاد النمة .. هل تعلمون رد فعل الدولة على تصرف الوزيرة، اثر غضب الصحافة، لقد هزت الحملة الصحافية رئيس الوزراء فاستدعى وزيرته من زيارة كانت تقوم بها للشرق الأقصى وخيرها بين الاستقالة أو أن تعيد إلى خزينة الشعب ربع ما أنفقته في باريس. وبكت الوزيرة الشابة وقالت أنها اضطرت للمبيت في فندق ريتز لان فنادق باريس البسيطة كانت مكتظة بالنزلاء وأنها استأجرت سيارة "بيجو" عادية لان المؤتمر استغرق فترة طويلة والمسافة بعيدة بين الفندق ومقر اليونسكو. ولكن رئيس الوزراء لم يقتنع بدموع الوزيرة قال لها إن بلادها لا تستطيع أن تدفع ما يعادل 12 ألف دولار تكاليف إقامتها في باريس. وكفكفت الوزيرة دموعها, وقالت له أنها تعتقد أنها مظلومة وكتبت استقالتها وخرجت من مقاعد الوزارة لتجلس في مقاعد النواب. فهل حدث هذا عندنا، هل ساءل احدهم الرئيس، الذي لم تقف الصحافة وحدها على ما يعرفه تدبيره للشأن المحلي من اختلالات، وإنما تم ذلك بواسطة مؤسسة رسمية، إن المحاسبة، وحدها هي الكفيلة بإعادة الثقة إلى الناخبين في اللعبة الانتخابية، وما عدا ذلك من شعارات لا يفيد في الشعور أن هناك ديمقراطية، ولو لم تكن في الدانمرك ديمقراطية لما غضبت الصحافة , ولو لم تغضب الصحافة لما حاسب رئيس الوزراء انغر جورغنسن وزيرته ريت بجرغارد, ولو لم تكن هناك شجاعة في تحمل المسؤولية لما قدمت الوزيرة استقالتها. إن الديمقراطية ثوب فضفاض ولكنه يسمح للشعوب بأن تتحرك وتتنفس داخله بكرامة وحرية. والصحافة هي صمام الأمان الذي ينبه الحاكم إلى الأخطاء الصغيرة قبل أن تتحول إلى خطايا كبيرة. الأستاذ: