في عام 1991، وبعد موجة جرائم اغتصاب قام بها رجلين، هزت إسبانيا قبل الأولمبياد، اعتقل مغربيين للاشتباه بهما. هما "عبد الرزاق منيب"، الذي عاش في برشلونة منذ عام 1977 وعمل بائعًا متجولًا، و"أحمد الطموحي"، الذي ينحذر من الناظور، وكان قد انتقل إلى كاطالونيا ليعمل في البناء بعقد عمل محدد في 6 أشهر. لم يكونا يعرفان بعضهما البعض، ولكن جمعت بينهما تهمة اغتصاب اسبانيات. وكان الطموحي قد اعتقل في 11 نونبر 1991، من منزله في "تيراسا"، على بعد نصف ساعة من برشلونة، لأنه كان قصير القامة وممتلئ الجسم، وهي المواصفات المتطابقة مع ما أدلى به الضحايا، وهو ما جعل الضحايا يتهمونه خلال عرض صوره عليهن. بعدها بيومين، تم القبض على عبد الرزاق منيب في برشلونة، الضحية الأولى أشارت إلى صورته باعتباره شريك المجرم، فيما بعد صرحت أنها أثناء عرض الصور عليها، قال لها أحد رجال الأمن : "يمكنك أن تري في وجهه إنه هو المجرم"، و هو ما جعلها تتهمه. جرت محاكمتهما على امتداد أربع سنوات، ورغم تنصيص محاضر الشرطة المنجزة لهما خلال الاستنطاق، أن المتهمين لم يكونا على معرفة سابقة ببعضهما، قبل الاعتقال، لكن تمت إدانتهما في يناير 1995. وبعد شهرين من تاريخ الزج بهما في السجن، وقعت سلسلة من عمليات الاغتصاب المماثلة في مدن "جيرونا و برشلونة وتاراغونا". وهذه المرة كان المغربيين معتقلين. ليتم اعتقال الاسبانيين : "جار ساباديل" و "أنطونيو غارسيا كاربونيل"، وبعد مجريات التحقيق مع المجرمين الاسبانيين، تم حل نصف اللغز. فالمجرم الاسباني "كاربونيل" يشبه المغربي الطموحي حد التطابق من ناحية البنية الجسدية والملامح، ليعترف أنه كان أيضًا أحد مرتكبي جرائم الاغتصاب سنة 1991، وأنه كان مرافقا بمغتصب آخر، الذي ليس سوى أحد أقاربه، وهو ما أكدته نتائج تحاليل الحمض النووي، لكن المجرم الثاني لم يتم التعرف عليه ليومنا هذا ! في حين اعترف المجرم "أنطونيو غارسيا كاربونيل"، عن نفسه وأدين، لتتأكد هيأة الحكم أن الضحايا أخطئن، بالنظر لتشابه ملامح وجه الاسباني كاربونيل مع وجه المغربي طموحي. كان أحمد الطموحي وعبد الرزاق منيب قد أدينا قبل سنوات، لكن نتائج التحقيق وتحليل الحمض النووي، دفعت المحكمة العليا الاسبانية إلى الاعتراف بالخطأ. إلا أن سنوات السجن ظلما قلبت حياة المغربيين رأسا على عقب، لدرجة أن أحدهما مات في الزنزانة، بعد ثلاث سنوات من الاعتقال، و الآخر قضى كامل العقوبة، أي 15 عامًا. وبعد دخول الصحافة الإسبانية على الخط ونشر تحقيق صحفي بعنوان "مذنب زائف" في 15 يونيو 1997، تم الافراج عن طموحي بعدما قضى 15 سنة في السجن. والى يومنا هذا لا تزال العدالة الاسبانية لا تعترف بتعمدها إدانة المغربيين بدون أدلة دامغة، من قبيل أن أحمد الطموحي أدين في قضية اغتصاب، على الرغم من أن نتيجة تحليل السائل المنوي برأته. وهو ما دفع الطموحي للتصريح لإحدى الصحف الاسبانية بعد 30 عاما من اعتقاله : "أنا مجرم بلا جريمة". أحمد الطموحي يبلغ من العمر الآن 70 سنة، يعيش وحيدًا في كوخ على مشارف مدينة "مارتوريل" باسبانيا، بلا أوراق ولا نقود ولا اعتراف. لا يريد العودة إلى المغرب و قول إنه سيعود إلى المغرب "في ثابوت مثل منيب". فقد توفي "عبد الرزاق منيب" في سجن "كان بريانز" في أبريل 2000، عن عمر يناهز 47 عامًا، ودفن في فاس. ولا تزال أرملته تعيش في برشلونة، حيث لم تحصل أبدًا على تعويض عن حكم زوجها بالخطأ. أما زوجة الطموحي فتعيش بمفردها في المنزل الذي بدأ ببنائه في الناظور عندما هاجر إلى كاتالونيا في عام 1991. واحدة من حفيدات الطموحي "فردوس" وتبلغ من العمر 20 سنة، ولدت في برشلونة وهناك نشأت وهي تتساءل لماذا يعيش أجدادها منفصلين. أما الابنة الكبرى لمنيب "إلهام"، كانت في التاسعة من عمرها عندما سُجن والدها. ونشأت من دون أصدقاء، أو زملاء في المدرسة، بدون جيران في الحي. صرحت للصحافة في برشلونة: "لا أحد يريد أن يكون مع ابنة مغتصب". وأضافت : "لا حكومة إسبانيا ولا المملكة المغربية فعلت شيئًا من أجل والدي الذي مات مظلوما ومغبونا".