في هذا الحوار المثير، الذي نشرته «أخبار اليوم» على حلقتين، خرج وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، عن تحفظه، ويكشف كواليس متابعة موظفين بوزارة المالية متهمين بكشف وثائق تبادل «البريمات» بين وزير المالية السابق، صلاح الدين مزوار، والخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة. وحول سبب تأخر البحث في مدى قانونية التعويضات، وتأخر استماع الشرطة إلى كل من مزوار وبنسودة، قال الرميد: «من السابق لأوانه القول بأن الملف لا يسير بطريقة طبيعية»، مضيفا أن «من حق النيابة العامة أن تذكر الشرطة القضائية بتسريع البحث في هذا الملف مثل أي ملف آخر، إذا تبين لها أن وتيرة البحث بطيئة». وأهاب الرميد بالمواطنين التبليغ عن الفساد، معتبرا أن القيام بذلك لدى مصالح الأمن يضمن لهم حماية قانونية. { أين وصل الحوار الوطني حول العدالة، وهل لازال لديكم الحماس نفسه، أم بدأت يعتريكم الفتور؟ إن الحوار الوطني حول إصلاح العدالة وفق ما تقرر سيكون بحول الله حوارا عميقا من خلال 9 ندوات جهوية عبر كافة أرجاء المملكة، إضافة إلى مناظرة وطنية، وقد تم تنظيم ثلاث ندوات لحد الآن، وما زالت تنتظرنا سبع. أي أننا لازلنا في البداية. و هو حوار مهم، نظرا لما ينبغي أن يكون عليه من عمق وشمولية. كما أنه يتطلب جهودا كبيرة من الجميع ومتحاورين قادرين على إنتاج أفكار إصلاحية نوعية. وإني لازلت على تفاؤلي وسأظل متفائلا، إلى أن يتم إنتاج الميثاق الوطني لإصلاح العدالة. مع العلم أن هذا الحوار غير المسبوق، ينبغي أن ينتج حلولا غير مسبوقة، وأؤكد أنها لن تحل جميع إشكالات العدالة، نظرا لكون مشاكل العدالة ترتبط بمجموعة من المعطيات، منها ما هو مالي، ومنها ما هو تقني وتدبيري، ومنها ما هو بشري. وإذا كان بإمكاننا أن نتغلب على المشاكل المرتبطة بما هو مالي وتقني وتشريعي رغم كل الصعوبات، فإن ما هو بشري يبقى إصلاحه رهينا بتوفر شروط لا أعتقد أنها ستتوفر في القريب العاجل. { لكن مهمتك على رأس الوزارة هي خمس سنوات، فهل معنى ذلك أن القضاء لن يتم إصلاحه خلال المدة التي تتحملون فيها مسؤولية العدل؟ سنعمل على وضع أسس إصلاحه إن شاء الله خلال عام، وسنحاول تفعيل تلك الأسس خلال ما تبقى من عمر الحكومة، لكن، دعني أقول لك، ودون مصادرة حق الحكومات المقبلة في إصلاح القضاء وفق برامجها، إن ما نجتهد في إطاره اليوم ونعمل على إصلاحه من خلاله، يتجاوز عمر هذه الحكومة. و أؤكد أن الإصلاح الذي نحن بصدده، يمكن أن يتأسس في الدول الديموقراطية على توافق بين الأحزاب، أغلبية ومعارضة، حتى لا تكون العدالة حقل تجارب، وبالتالي فإن ما له علاقة بالإصلاح الجزئي والإجرائي يبقى مجال اجتهاد. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. { لكن المواطن العادي يريد أن يعرف غدا، هل إذا ذهب إلى المحكمة سيقف أمام قاضي لا يتعاطى للرشوة؟ وهل إذا صدر حكم لصالحه سينفذ أم لا؟ الناس ينتظرون أمورا ملموسة. إذا تعلق الأمر بالرشوة، فقد وضعنا أنفسنا رهن إشارة عموم المواطنين، إذ أن أي ابتزاز أو طلب رشوة أو منافع، سيجد وزارة العدل والحريات في شخص النيابة العامة جاهزة، لتلقي الشكاوي بشأنها، والتصدي للانحرافات، لكن، إذا كان هناك مواطن يتواطأ مع قاض على الفساد والانحراف، فكيف يمكن لنا أو لغيرنا أن يضع حدا لهذا النوع من الممارسات المنحرفة؟ أما بخصوص تنفيذ الأحكام، فسنضع لها من الأسس والأدوات، ما يجعل التنفيذ ممكنا وميسرا، إن شاء الله. من جهة أخرى، فإن تحديث الإدارة القضائية، سيمكن من تسريع البث في الملفات، بحيث نجعل لكل ملف عمرا افتراضيا، وعندما يتجاوز الملف تاريخا محددا، فإن مراجعه تشتعل إلكترونيا باللون الأحمر. { ذكرتم أن الباب مفتوح لتلقي شكايات في قضايا الرشوة، وتابعنا كيف تم توقيف قاض في طنجة في حالة تلبس بناء على شكاية، ومع ذلك تم إطلاق سراحه؟ أولا، إن من القواعد الأساسية التي يتمتع بها كل مواطن يحال على المحكمة، أن الأصل هو البراءة حيث يبقى هذا المبدأ مصاحبا للمتهم في كافة مراحل المحاكمة، ثانيا، هناك استقلال القضاء مهما كانت القضية، ومهما كانت صفة المتهم: شخص عادي أم قاض أم وزير. و أذكر هنا أن الذي اعتقل القاضي المعني هو قاض زميل له، وهو قاضي التحقيق، وأن الذي قرر الإفراج عنه هو أيضا قاض مثله. فالمعطيات الأولية أوحت بالاعتقال، ولعل معطيات أخرى أوحت بالإفراج. وبالنسبة للنيابة العامة التي أشرف عليها، فقد طعنت في قرار الإفراج أمام الغرفة الجنحية، غير أن هذه الأخيرة أيدت القرار المتخذ. وبالتالي ليس من حق وزير العدل والحريات أن يعلق على هذا القرار. ودعني أقول لك، إن هناك قاضيا آخر، تم ضبطه مشتبها بارتكاب رشوة من طرف زملائه القضاة والمفتشين. { لكنكم لم تحيلوا هذا القاضي على المحكمة، إنما أحلتموه على المجلس الأعلى للقضاء، هل يتعلق الأمر بالرفق به؟ الرفق أو القسوة لا محل لهما في هذا السياق، ذلك أن الملف لازال ممكنا إحالته على القضاء بعد أن يبث فيه المجلس الأعلى للقضاء، لأننا إذا أحلنا الملف على القضاء، فإنه لا يمكن للمجلس الأعلى للقضاء أن يبث فيه، حسب اجتهاد جار. لهذا، فإن المجلس الأعلى للقضاء سيقرر في المصير المهني لهذا القاضي، وبعد ذلك يمكن أن يحال ملفه على الجهات القضائية المختصة لتقول كلمتها. { لكن هذا امتياز تمنحونه للقاضي، لأنه سيخضع لمسطرة تأديبية، في حين ضبط في حالة تلبس؟ ليس امتيازا، ذلك أن التأديب سيكون مسطرة أولية يمكن أن تليها المسطرة القضائية.