في الوقت الذي تتوالى نداءات مثقفين وعلماء، من المنطقة العربية وغيرها، تطالب بتخفيف حدة الخلافات بين المغرب والجزائر، بلدان يجمعهما الجوار والتاريخ والمصير، من خلال الكف عن لغة الهجوم وتغليب أسلوب الحوار والحكمة، عادت القيادة الجزائرية لتؤكد تشبثها بمنطق الهجوم والتهديد المتواصل على المغرب، من خلال استغلال أي موضوع أو فرصة. فبعد أيام فقط على هجوم وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، عمار بلحمير، على الرباط بسبب قرارا استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، عادت الجزائر لاتهام المغرب بالوقوف وراء "مخططات" تستهدف ما سمته "الوطن وجبهتة الداخلية"، من خلال إدعاء العمل مع أطراف فرنسية وإسرائيلية لتنفيذ مشاريع هدفها الضرر بالجزائر وبمواطنيها. ويبدو أن التصريحات التي أدلى بها رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، يوم السبت المنصرم، والتي أكد فيها خلال لقاء لحزبه العدالة والتنمية أن أطرافا لا تتوانى في "نشر إشاعات لا أساس لها من الصحة" و"الأخبار الزائفة" عن الوضعية في الصحراء المغربية "في إطار حملة ممنهجة"، قد لقيت صدى كبيرا وسط صالونات حكام المرادية. فقد عاد وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة نفسه للتأكيد على تشبث القيادة الجزائرية بأسطوانة "استهداف المغرب للجزائر"، ولو باستغلال موضوع آخر للوصول إلى نفس الهدف. فقد علق الوزير الجزائري على موضوع حجب موقع فايسبوك لحسابات قيل إنها تهاجم دولا منها الجزائر، بالقول أن ذلك "يؤكد صحة وصدق المعلومات التي تحوزها الدولة والتي تتقاسمها مع المواطنين من أجل توعيتهم بأن المخاطر المحدقة بالجزائر هي مخاطر حقيقية ومؤكدة وأنها تندرج في سياق مخطط أجنبي ضبط بإحكام على أعلى المستويات للمساس بالجزائر". ولم يفوت بلحمير الفرصة لتوجيه أصابع الاتهام مباشرة للمغرب، دون الاستناد إلى أي دليل أو مصدر، حيث قال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بأن "انخراط أطراف فرنسية ومخابرات الكيان الصهيوني والمخزن في تنفيذ هذا المخطط الدنيء مدعاة لمضاعفة اليقظة وتعزيز الجبهة الداخلية والوقوف صفا واحدا لحماية وطننا من أي سوء مهما كانت طبيعته ومصدره وحجم". وجاءت تصريحات بلحمير أياما بعدما شن هجوما مماثلا على المغرب، على خلفية اتفاق إعادة العلاقات بين تل آبيب والرباط، حيث نقل عنه نفس المصدر يوم الخميس الماضي قوله بأن "مخاطره التطبيع الأولى والأخيرة هي ضد المغرب"، مشيدا في الوقت نفسه بموقف من وصفهم ب"المغاربة الأحرار المناهضين للتطبيع". وفي الوقت الذي تتوالى التقرير حول شدة الاحتقان الاجتماعي الذي تشهده البلاد والانتقادات الموجهة للحكومة الجزائرية بالتقصير، حتى رئيس البلاد نفسه أقر بذلك، في الاضطلاع بمهامها وتلبية حاجيات وتطلعات المواطنين الجزائريين، لم يجد الوزير الجزائري الناطق بلسان الحكومة سوى مهاجمة المغرب للهروب من أسئلة واقع الجزائريين، وفق تأكيدات عدد من المتتبعين. فقد علق بلحمير على موضوع وجود "صراع على السلطة في الجزائر"، بقوله أن "السلطة تصارع الأعداء، وتسابق الزمن لبناء جزائر جديدة نوفمبرية الهوى، وديمقراطية الخطى"، على حد تعبيره. كما انتقد بشدة من سماهم "الذين يسعون إلى تمرير أكذوبة هذا الصراع المزعوم"، موضحا أنهم "يدركون أن الشعب الجزائري، الذي انتخب رئيسه بطريقة ديمقراطية وشفافة، منح له الشرعية التي كان يفتقدها النظام السابق"، وفق قوله.