أعاد "الدفء" الذي سرى أخيرا في أوصال العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر قضية إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين الجارين إلى الواجهة من جديد، حيث توقع مسؤولون رفيعو المستوى، خاصة في الجزائر، إمكانية فتح هذه الحدود المغلقة في وجه مواطني الدولتين في الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة. ويرى مراقبون أن الظروف السياسية داخل الجزائر ستحسم إلى حد كبير في قضية الحدود البرية التي قد تُفتح قبل تنظيم الانتخابات التشريعية القادمة بالجزائر، من أجل كسب بعض الأصوات الانتخابية، كما أن فوز إسلاميي الجزائر وقيادتهم للحكومة المقبلة قد يُيسر التطبيع بين المغرب والجزائر، ويعيد فتح الحدود بينهما. وكانت زيارة وزير الخارجية المغربي في الحكومة الجديدة الدكتور سعد الدين العثماني إلى الجزائر في 23 من يناير المنصرم قد ألقت حجرا في بركة المياه الراكدة تحت جسور البلدين الجارين والشقيقين، الأمر الذي حرك الكثير من الأشياء "المتجمدة" لدى المسؤولين الجزائريين والمغاربة، حيث توالت تصريحاتهم المتفائلة، خصوصا بقرب فتح الحدود البرية المغلقة منذ 1994. وكان دحو ولد قابلية، وزير الداخلية الجزائري، قد أشار في تصريحات صحفية قبل أيام قليلة بإمكانية فتح الحدود بين الجزائر والمغرب، خصوصا بعد التحسن المضطرد في العلاقات الثنائية بين البلدين في الفترة الأخيرة، عقب الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني، وهو الأمر الذي اعتبره الكثيرون مؤشرا هاما نحو تحقيق هذه الخطوة السياسية قريبا، باعتبار أنها المرة الأولى التي يصرح فيها مسؤول جزائري كبير باحتمال إعادة فتح الحدود بين البلدين. وسارت تصريحات العثماني على نفس المنوال، حين قال أول أمس في تصريحات صحفية لوسائل إعلام مغربية بأن مسؤولي البلدين معا اتفقوا على تعميق العلاقات الثنائية في المجالات المُتفق حولها، وترك المجالات المُختلَف فيها لتكون موضوع حوار بين الجارين في المستقبل، وذلك في إشارة إلى قضية الصحراء التي عكرت بشكل كبير ومؤثر صفو الأجواء بين المغرب والجزائر على امتداد 37 عاما. ويعتقد مراقبون أن فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر سيعود بالنفع الكبير اقتصاديا على المغرب خاصة، أكثر من الجزائر التي قد لا تكون لديها مصلحة كبيرة في فتح هذه الحدود، باعتبار أن الاقتصاد المغربي الذي يعتمد على الليبرالية والتنوع سيكون المستفيد الرئيسي من فتح الأسواق الجزائرية أمام الصادرات المغربية، علاوة على نمو عائدات السياحة بالمغرب في حالة فتح الحدود بين الجارين، مما يفسر خلفية الدعوات المتزايدة التي ما فتئ المغاربة يوجهونها إلى الجزائريين من أجل فتح تلك الحدود المغلقة. واعتبر الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أنه بالنسبة للمغرب كان دائما فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر مطلبا شعبيا ورسميا، أما بالنسبة للجزائر فرغم رغبة الشعب الجزائري في فتح الحدود لاعتبارات اجتماعية واقتصادية ملحة، فإن النظام الجزائري هو الذي ظل يستعمل هذه المسألة كورقة ضغط على المغرب، لكن التحولات السياسية الجارية في المنطقة المغاربية جعلت المسئولين الجزائريين يفكرون في تليين مواقفهم من هذه المسألة. وأشار الصديقي في تصريحات للعربية نت إلى أنه رغم أن قضية فتح الحدود لم تكن مطروحة في جدول العمل الرسمي لوزير الخارجية المغربي، كما صرح بذلك المسؤولون الجزائريون، فإن الوزير المغربي أثار هذه المسألة إلى جانب قضية الصحراء في محادثاته مع الرئيس الجزائر، وعقب ذلك صدرت تصريحات من مسئولين جزائريين تؤشر على رغبة في فتح هذه الحدود. وأوضح الخبير في العلاقات الدولية بأن هناك عنصر مهم في هذه الرغبة المعلنة، وتتمثل في التطورات السياسية في الجزائر التي تُقبل على انتخابات تشريعية يُتوقع أن يتصدر الإسلاميون فيها المشهد السياسي الجزائري، مشيرا إلى أن هذا الوضع يفضي إلى طرح احتمالين اثنين. الاحتمال الأول، وفقا لصديقي، هو أن القادة الجزائريين سيعمدون إلى فتح الحدود البرية بين البلدين قبل الانتخابات التشريعية القادمة من أجل كسب بعض الأصوات الانتخابية في هذه الاستحقاقات وسحب هذه الورقة من الإسلاميين، أما الاحتمال الثاني فهو فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية الجزائرية وقيادتهم للحكومة القادمة؛ الأمر الذي سيسهل إلى حد كبير فتح الحدود، والسير نحو تطبيع متقدم للعلاقات بين البلدين. واستطرد الصديقي متحدثا عن المخاطر التي تهدد مثل هذه المبادرات، منها التقلب السريع الذي تشهده المواقف الجزائرية تجاه المغرب، حيث نلاحظ أنه كلما صدرت عن المسؤولين الجزائريين تصريحات إيجابية ومطمئنة بشأن العلاقات المغربية الجزائرية، ومن ضمنها إمكانية فتح الحدود البرية، سرعان ما تصدر عنهم تصريحات أخرى في الاتجاه المعاكس لتعيد مستوى العلاقات إلى المربع الأول. وتابع الخبير "هذا ما يدفع إلى عدم الاطمئنان الكامل للدينامية الجديدة في العلاقة بين البلدين، ما لم يكن هناك حوار واضح وصريح حول أهم القضايا التي تعيق التطبيع الشامل لعلاقاتهما، وعلى رأسها قضية الصحراء"، قبل أن يخلص الصديقي إلى القول بأن التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين رهين بحل قضية الصحراء، التي يبدو أنها هي بدورها رهينة بحدوث تحول سياسي مهم في الجزائر". وجدير بالذكر أن الحدود البرية بين المغرب والجزائر تم إغلاقها بقرار رسمي من الجزائر عام 1994، عقب الهجوم الذي استهدف فندقا في مدينة مراكش، حيث أشار المغرب حينها بأصابع الاتهام إلى الجزائر.