سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الرباط والجزائر تؤجلان الفصل في فتح الحدود لفسح المجال أمام تطبيع علاقات البلدين مراقبون يرون أن حل المشكل يمر بالضرورة عبر مناقشة قضية الصحراء في فضاء المغرب العربي
أعادت زيارة سعد الدين العثماني، وزير الخارجية والتعاون في الحكومة الجديدة إلى العاصمة الجزائرية، أياما قليلة على تعيينه على رأس الدبلوماسية المغربية، الحديث عن فتح الحدود البرية الجزائرية المغربية المغلقة منذ عام 1994، بقرار من السلطات الجزائرية بعد اتهام المغرب لها بالتورط في هجوم استهدف فندق «أطلس أسني» بمدينة مراكش. وبالرغم من الآمال الواسعة التي حملها العثماني، وهو يقود أول تحرك دبلوماسي له خارج المملكة، لكسر الجمود الذي طبع العلاقات الدبلوماسية مع الجار الشرقي، فإن ماضي الخلافات وثقل الملفات السياسية العالقة بين البلدين منذ ستينيات القرن الماضي لم تعنه في انتزاع ولو هدية صغيرة من مستضيفه، كانت بعض التحليلات المتفائلة تتوقع حدوثها بإعلان إعادة فتح الحدود المغلقة منذ 18 سنة وتنتظر قرارا جزائريا بفتحها. وبدا واضحا أن وزير الخارجية والتعاون أيقن، بعد المحادثات التي جمعته بالمسؤولين الجزائريين، أن إحداث اختراق في جدار الخلاف المغربي الجزائري صعب التحقق في الوقت الراهن على الأقل. تيقن عكسته بشكل جلي تصريحاته الصحافية، حين أشار إلى أنه تطرق خلال زيارته إلى الجزائر إلى قضيتين مؤثرتين في العلاقات بين البلدين هما: فتح الحدود وقضية الصحراء، لكن بشكل جانبي، لأنها ملفات شائكة ولا يمكن حلها في زيارة واحدة، مؤكدا أن فتح الحدود يحتاج إلى الوقت. ورغم تأكيد وزير الخارجية الجزائري على أن فتح الحدود البرية بين البلدين ليست «خطا أحمر» و«لم يكن أبدا قرارا لا رجعة فيه»، وأن المصالحة مع المغرب ستتعزز مع الحكومة المغربية الجديدة، فإن الواقع السياسي أكد أن فتح الحدود يبقى مؤجلا إلى أجل غير مسمى، بعد أن رفضت السلطات الجزائرية فتحها في وجه المشاركين في الدورة ال23 لطواف المغرب للدراجات المنتظر تنظيمها مابين 23 مارس وفاتح أبريل المقبلين، والتي أدرجت ولاية مغنية ضمن محطاتها وباتفاق مع الفيدرالية الجزائرية للدراجات. ويشكل فتح الحدود بين المغرب والجزائر في رأي الكثير من المراقبين خطوة أولى ضرورية للتطبيع بين الجارين، والذهاب في اتجاه إحياء مغرب عربي مندمج قوي ومنفتح، يسود جو من الثقة دوله ونية صادقة للعمل المشترك. غير أن تحقيق هذا المرام يصطدم بالتوجه والموقف الذي يمكن أن تتخذه المؤسسة العسكرية الماسكة بالكثير من الخيوط في الجزائر، إذ تطرح أسئلة عدة عن إمكانية حدوث تحول بفضل التطورات التي عاشتها منطقة المغرب العربي مع هبوب رياح الربيع العربي وتحديات الإرهاب الدولي، في موقف جنرالات الجزائر المتسم بالتصلب إزاء مشروع فتح الحدود ومشكلة الصحراء، الذي يلقي بظلاله على العلاقات بين البلدين منذ زمن بعيد. ولئن كانت الجزائر قد أبدت طيلة السنوات الماضية عبر تصريحات مختلفة لمسؤوليها، أنها لا تمانع في فتح الحدود، فإنها ظلت تعلق ذلك الفتح على شرط اعتراف المغرب بالشرعية الدولية في ملف الصحراء من خلال ما تسميه تقرير مصير الشعب الصحراوي، وكذا على شرط التزام التعاون مع الجزائر على محاربة التهريب والمخدرات ومراقبة الحدود أمنيا. وبرأي خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، فإن زيارة العثماني إلى الجزائر، وإن كانت مهمة من الناحية النفسية، إذ كسرت الحواجز التي أقامها النزاع بين البلدين، إلا أنها تشير إلى أن «تعفن» العلاقات المغربية الجزائرية بعد الاستقلال والتصورات النمطية التي تختزنها ذاكرة السلطة بالبلدين، تقتضي وجود أدوات جديدة للتعامل والتوافق في البلدين معا يمكن أن تتجاوز مفهوم «الحكرة» لدى الجزائريين الذي خلفته كل من حرب الرمال وإغلاق الحدود بطريقة اعتبرت مهينة من قبل المسؤولين الجزائريين سنة 1994. ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية على ضرورة السعي نحو تحقيق نمط تشاركي بين الأبعاد الأمنية وعدم اختزالها في مسألة المخدرات التي تخترق الحدود في الاتجاهين معا، مشيرا في تصريحات ل«المساء» إلى أن تفكيك الملفات يمكن أن يمس الجوانب السياسية ولاسيما قضية الصحراء المغربية أما ما عدا ذلك فيجب العمل على التنسيق بين كل الأبعاد. وحسب الشيات، فإن الجزائر تحتاج إلى ضمانات تهم مسألة ترسيم الحدود والمجال الاستراتيجي الأمني في علاقته بالجانب الاقتصادي، وهو ما جعلها تستمر في إستراتيجيتها التقليدية في الهيمنة والريادة، لافتا إلى أن حل قضية الصحراء المغربية حلا سياسيا نهائيا من شأنه أن يسهم في تجاوز باقي الخلافات بما في ذلك قضية الحدود المغلقة. ويرى المصدر ذاته أنه يتعين على السلطات الجزائرية أن تعطي ضمانات للمغرب في مسألة تهديد البوليساريو باستعمال أراضيها من جديد لمهاجمة المغرب وسعيها لامتلاك التقنية النووية، محيلا في هذا الصدد على تجربة إنشاء الاتحاد الأوروبي، والذي جاء ثمرة لاتفاق ألماني فرنسي بشكل رئيس، وللثقة التي أوجدتها اتفاقية الحديد والصلب والأورانيوم الخاصة بالتقنية النووية. وفي المقابل، يذهب أستاذ العلاقات الدولية إلى تحديد مجموعة من الضمانات والإجراءات يرى أن على الرباط منحها للجار الشرقي لتجاوز خلافاتهما وتحقيق التطبيع في علاقتهما. ويأتي في مقدمة تلك الإجراءات إعطاء ضمانات كافية للجزائر بفتح ملف الحدود الشرقية في إطار تفاوضي مرن قد ينتج عنه اعتبارها حدودا نهائية، وتخويل الجزائر امتيازات القرب الجغرافي بين مناطقها الجنوبية والساحل الأطلسي، وسن برنامج للتعاون بين المغرب والجزائر في القضايا الإستراتيجية، وعدم الاقتصار على القضايا الأمنية، خاصة الحوار المشترك مع القوى العظمى في سائر الجوانب لتعزيز الثقة لدى القيادة الفعلية الجزائرية. وبالإضافة إلى تلك الضمانات يؤكد الشيات أن من سبل تجاوز مشكل الحدود المغلقة ضرورة العمل على حل قضية الصحراء في فضاء أوسع هو المغرب العربي وفي إطار أكثر ديمقراطية وكخيار دائم.