لا حديث بالمغرب في الآونة الأخيرة، إلا عن عملية التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد، والذي اجتاح البلاد منذ الثاني من شهر مارس من السنة الفارطة. لقد تأخر اللقاح، وتبين زيف شعارات وزير الصحة الذي وعد المغاربة بتلقيح آمن في أقرب وقت، إلى درجة أنه تحدث في وقت مبكر عن بلوغ المغاربة المناعة الجماعية في مطلع شهر ماي 2021 ! القصر تحدث عن الأسابيع المقبلة ووزير الصحة حدد بدايات دجنبر ! ففي نونبر من السنة الفارطة، أعطى العاهل المغربي محمد السادس توجيهاته "لإطلاق عملية مكثفة للتلقيح" ضد فيروس كورونا المستجد "في الأسابيع المقبلة"، تهدف إلى "تأمين تغطية للساكنة بلقاح كوسيلة ملائمة للتحصين ضد الفيروس والتحكم في انتشاره"، ولم يذكر البيان الصادر عن الديوان الملكي، اللقاح الذي سيتم اعتماده، مشيرا إلى أن المملكة تمكنت "من احتلال مرتبة متقدمة في التزود باللقاح ضد كوفيد-19″ و"المشاركة الناجحة في التجارب السريرية". بعد هذا البلاغ الذي اعتبره المغاربة ب"تاريخي"، أطل وزير الصحة خالد ايت الطالب على المغاربة من بوابة مجلس النواب، ليؤكد على أن المغرب يتوفر على ضمانات قوية ستمكنه من تلقيح المواطنين في بدايات شهر دجنبر، مشددا على أن وزارته تقوم بكل ما بوسعها للإعداد المادي واللوجستيكي لهذه العملية. انتظر المغاربة بدايات شهر دجنبر بفارغ الصبر، وولى شهر دجنبر، وحل شهر يناير من السنة الجديدة، دون أن يصل اللقاح، ودون أن تكشف وزارة الصحة من موقعها كمسؤول أول عن القطاع، عن أي جديد، بل دون أي تواصل أو توضيح، ما عدا بعض البلاغات التكذيبية، التي لا تزيد الوضع الا غموضا. وأمام انطلاق عملية التلقيح في العديد من الدول العالمية، والافريقية على وجه الخصوص، بات عدم توصل المغرب بجرعات اللقاح، سواء من شركة "سينوفارم" الصينية، أو شركة "فايزر" الأمريكية، محط تساؤلات عديدة من الرأي العام الوطني. فمن كذب على المغاربة بخصوص التلقيح؟ ومن حاول توريط المؤسسة الملكية في الاعلان المبكر عن عملية التلقيح دون ضمانات مسبقة؟ ومن باع وروج لوهم "تلقيح المغاربة؟ ومن المستفيد من الوضع الحالي؟ وكيف سيتم تجاوزه؟ أسئلة كثيرة تناسلت بسبب الغموض والضبابية التي تلف اللقاح المعلق، الذي رهن صحة المواطنين، واستهان بأرواحهم، تاركا إياهم يواجهون مصيرهم المحتوم أمام فيروس استعصت مواجهته على أكبر المنظومات الصحية في العالم. اليوم، وحسب ما يتضح للجميع، فالمسؤولية عن كل ما يحدث، تقع على عاتق وزير الصحة، لأسباب مختلفة، أهمها غياب الوضوح والشفافية في التعاطي مع ملف طرح العديد من علامات الاستفهام في أذهان المغاربة، ولا أثر لها على أرض الواقع. غالي: هنا يكمن الخطأ الذي ارتكبه المغرب ! في هذا السياق، أكد البروفيسور عزيز غالي، المستشار السابق لمنظمة الصحة العالمية، في تصريح ل "فبراير"، أن "الوقت الذي أعلن فيه عن تلقيح المغاربة لم يكن مناسبا، خصوصا أن المعطيات لم تكن متوفرة في تلك الفترة، وكان من اللازم على وزارة الصحة التريث في اتخاذ أي قرار". وأضاف الخبير غالي، إنه كان على "جميع الفاعلين السياسيين الابتعاد عن نقاش عملية التلقيح، لأنها خاضعة لمتغيرات يومية"، مبرزا أن "وكالة الادوية في أمريكا على سبيل المثال، منعت على جميع الفاعلين السياسيين الخوض في نقاش التلقيح". وشدد المتحدث ذاته، على أن "الفاعل العلمي بالمغرب لا يستطيع القيام بأي شيء، لأنه لا يتوفر على المعطيات الكافية"، متسائلا "من المسؤول المباشر عن عملية التلقيح هل هي وزارة الداخلية أم الجيش؟"، مضيفا "نحن نعلم جيدا أن وزارة الصحة لا تملك أي قوة في هذه الملف". وعن مشكل التأخر في التلقيح، قال الخبير غالي "أعتقد أن السبب الرئيسي هو أن تعاقدنا مع شركة استرا زينكا، كان بناء على تسلم اللقاح من طرف ارفارما، وفي الأخير تخلينا عن شركة ارفارما، وبحثنا عن اللقاح في الهند، مع العلم أن هذه الشركة هي المكلفة بتوزيع لقاح استرا زينكا في شمال افريقيا". وتابع غالي قائلا "جميع المشاكل التي نتخبط فيها الان، سببها إما اشكال بشأن الصفقات المالية موضوع اللقاح، أو وجود وسيط يحاول تغليب كفة جهة ما على جهة أخرى". حمضي: تأخر اللقاح مشكل عالمي لكن على وزير الصحة تحمل مسؤوليته بالنسبة للدكتور الطيب حمضي "ما يجب أن نعلمه فيما يخص لقاح سينوفارم، أن المغرب لم يرخص بعد للاعتماد على هذا اللقاح في المغرب، وحتى الشركة لم تصرح عن كل ما يتعلق باستكمال التجارب المتعلقة بإنتاج اللقاحات". وأضاف حمضي في تصريح ل"فبراير"، أنه "فيما يتعلق بلقاح استرا زينكا، كان من المفروض أن نتوصل به يوم السبت الماضي، لكن للأسف هذا ما لم يحدث، ولحد الساعة لم نتلقى أي توضيح سواء من وزارة الصحة أو الشركة الام". حمضي أكد على أن "التأخر في وصول اللقاحات، مشكل تعاني منه مجموعة من البلدان في العالم في هاته الفترة، وليس المغرب وحده، والواجب الآن أن توضح وزارة الصحة حقيقة ما يجري للمغاربة". وعن توريط المؤسسة الملكية من لدن وزارة الصحة في الإعلان المبكر عن عملية التلقيح، أشار الطيب حمضي، الى أن "بلاغ الديوان الملكي الصادر في 9 نونبر من السنة الماضية، لم يتحدث عن تاريخ التلقيح ولم يحدد كذلك نوع التلقيح الذي سيتم اعتماده". وتابع حمضي، أن "بلاغ الديوان الملكي تحدث عن انطلاق عملية التلقيح في الأسابيع المقبلة، لكن وزارة الصحة هي من تسرعت في الاعلان عن 15 دجنبر 2020 كتاريخ لانطلاق عملية التلقيح"، مؤكدا على أنه "إذا توصلنا باللقاح قبل نهاية الشهر الجاري سنكون دائما في مقدمة الدول التي ستطلق عملية التلقيح". وأشار حمضي الى أن "دول أوروبا بدورها تأخرت في إطلاق عملية التلقيح، وسيزداد هذا التأخر بعد اعلان الشركة عن تأخير التسليم لشهر إضافي، كما أن البرازيل بدورها كانت ستتوصل باللقاح نهاية الأسبوع الماضي، لكن بدورها لم تتوصل بجرعات اللقاح".