«مول البيكالة» اسم صار رديفا للرعب في نفوس كل النساء خاصة قاطنات تزنيت ونواحيها حيث كان يستهدف مؤخرات النساء بآلة حادة. ورغم مرور أكثر من شهر من آخر «اعتداءاته» فمازال عصيا على رجال الأمن. .لماذا لم يفلح هؤلاء من إيقافه رغم كل إمكاناتهم؟، وكيف استطاع «مول البيكالة» أن يظل بعيدا عن أيدي الأمن كل هذه المدة؟ «الصدفة وحدها الكفيلة بالسماح للأمن بإلقاء القبض على «مول البيكالة». تلكم هي الخلاصة التي خرج بها المسؤولون الأمنيون الذين حققوا في قضية الاعتداءات على مؤخرات الفتيات، التي عرفتها مدينة تيزنيت قبل أيام قليلة من شهر رمضان. لقد أسالت القضية الكثير من المداد على صفحات وسائل الإعلام، وتناسلت الإشاعات بخصوصها، وتعدت القضية محيطها المحلي لتشغل بال الرأي العام الوطني، لعدة أسباب، منها غرابتها وعدم وضوح الرؤية لدى الجميع سواء السلطات الأمنية أو المواطنين أو المحللين الاجتماعيين وتبيان الدوافع والأسباب وراء لجوء شخص ما إلى اختيار الاعتداء على مؤخرات الفتيات بآلة أو نصل حاد، دون توجيه أدنى كلمة لهن. وتزداد الغرابة باعتماد المعتدي على «البيكالة» كوسيلة نقل لتنفيذ اعتداءاته، والاعتماد عليها أيضا للفرار بجلده. وهو ما فسره البعض بأمرين، إما أن إمكانيات المعتدي محدودة ولم يستطع توفير وسيلة آخرى غير دراجة هوائية، أو أنه متأكد من نجاح خطته ويريد الإمعان في الاستهزاء برجال الأمن والمواطنين على حد سواء. ورغم مرور حوالي شهرين من تاريخ أول اعتداء، إلا أن المصالح الأمنية، بمختلف أصنافها، من شرطة قضائية وتقنية وعلمية واستعلامات ومخابرات وسلطة محلية بأعوانها، خرجت بخفي حنين من معركة البحث عن المعتدي وفشلت في إلقاء القبض عليه. ظاهريا، تبدو هذه المعركة غير متكافئة وغير متوازنة وتميل كفتها لفائدة مصالح الأمن. إلا أنها، تقول مصادر أمنية مسؤولة، تبدو في العمق أعقد من ذلك، بل وترجح كفتها لصالح المعتدي، لأسباب عديدة، هي التي تقف وراء الفشل في اعتقال «مول البيكالة». وحسب ذات المصادر، فقد وصلت مصالح الأمن إلى عدة خلاصات وقناعات، يعتقدون أنها تشكل أسباب فشل رجال الأمن في القبض على المعتدي. أولا: إخفاء الملامح أولى هذه الخلاصات، تقول المصادر، تتمثل في لجوء «مول البيكالة» إلى تنفيذ اعتداءاته في أوقات وأماكن لا تسمح بتبيان ملامحه بشكل جيد. إذ يختار دائما تنفيذ اعتداءاته بعد مغيب الشمس وينتظر دقائق حتى يرخي الليل سدوله، ويتربص في مكان مظلم حتى تظهر الضحية. لينفذ ضربته بسرعة قبل أن ينسحب بالسرعة التي تسمح بها درجته الهوائية. ثانيا: اللباس والمفاجئة من خلف والخلاصة الثانية، تتجلى في كون «مول البيكالة» يهاجم ضحاياه دائما من الخلف وذلك كشكل من أشكال الاحتياط، حتى لا تتعرف إحداهن على ملامح وجهه. وهو الاحتياط الذي يدعمه تغييره لملابسه في كل مرة، كما يعمد إلى ارتداء ملابس عادية تستعمل بكثرة في أوساط الشباب، ويرتدي بالخصوص دائما لباسا يتوفر على قلنسوة يستعين بها لتغطية وجهه وإخفاء رأسه. ثالثا: الصمت المطبق أما السبب الثالث لصعوبة التعرف عليه فهو عدم توجيهه أي كلمة للضحايا، سواء تهديدية أو إنذارية، إما خوفا من التعرف على صوته أو رغبة منه في عدم الكشف عن الأسباب التي تدفعه إلى الاعتداء. إذ حسب ذات المصادر الأمنية، هناك العديد من الجرائم التي استطاعت الأجهزة الأمنية حل لغزها بالاعتماد على صوت الضحية، وقد تكون كلمة واحدة كافية للقبض على طرف الخيط الذي يؤدي عادة إلى اعتقال المجرم. رابعا: عدم وجود رابط بين الضحايا ويكمن السبب الرابع في عدم سقوط «مول البيكالة» في اختياره العشوائي لضحاياه الثمانية. إذ لا يوجد أي رابط بينهن، باستثناء حالة واحدة، وقد يكون للصدفة علاقة بهذه الحالة. فلو ثبت لرجال الأمن، حسب المصادر الأمنية ذاتها، وجود علاقة بين الضحايا، لكان أمر اعتقاله المنفذ أقل صعوبة بكثير.
خامسا: أقوال متضاربة أما العامل الخامس الذي عقد مهمة البحث والتحقيق، حسب ذات المصادر، فتتمثل في تضارب أقوال الضحايا، إذ أدلت كل واحدة منهن بأوصاف مختلفة عما أدلت به الأخريات. وعزت ذات المصادر الأمر إلى عنصر المباغتة الذي لا يترك عادة فرصة لأية ضحية لاستيضاح الرؤية، وانشغالها بآثار الضربة، الهلع الذي يسيطر على الضحية وهي تتفقد جروحها وتبحث عن حل سريع لإيقاف نزيف الدماء ورغبتها في التوجه إلى المستشفى، إضافة إلى إحساسها بالإهانة بعد تعرضها للضربة في مكان حساس من جسمها. وأضافت ذات المصادر أن ما ساهم كذلك في عدم تعرف الضحايا على أوصاف المتهم هو أن العديد من الشباب وأبناء الجيل الحالي لا يولون كبير اهتمام للتفاصيل، على خلاف ما هو معروف عن الأجيال السابقة. سادسا: المرض النفسي ويتجلى العامل السادس لفشل الأمن في توقيف منفذ الهجمات، في كون «مول البيكالة» لا يمكن أن يكون إلا شخصا مريضا نفسيا حسبما يعتقد رجال الأمن، وهاته النوعية من المجرمين يتميزون بالذكاء الحاد، وينتبهون إلى أدق التفاصيل في تنفيذ اعتداءاتهم. وأضافت ذات المصادر أن أمثال هؤلاء يلزم الكثير من الوقت والجهد والموارد البشرية والمادية من أجل إلقاء القبض عليهم. واستدلت على ما يعرفه تاريخ الجريمة في العديد من أنحاء العالم، وحتى في الدول المتقدمة كثيرا في مجال محاربة الجريمة، من جرائم استلزم فك لغزها سنوات طويلة، وهناك حالات دامت أكثر من 30 سنة قبل حل لغزها. الإشاعات تتناسل وتجدر الإشارة إلى أن موضوع «مول البيكالة» مازال حديث الساكنة سواء بمدينة تيزنيت أو بالمدن المجاورة، وما زال الخوف من عودته إلى تنفيذ اعتداءاته سائدا، خاصة في أوساط النساء. وكما كان ظهوره فرصة لتناسل الإشاعات بشكل كبير، وفر اختفاؤه مجالا خصبا لميلاد إشاعات جديدة، وفتح المجال أمام ذوي الخيال الواسع لنسج قصص خيالية، منها ما له بعد ديني، وأخرى لها علاقة بعالم الجن والأساطير. ويعزو العديد من المتتبعين تناسل الإشاعة بذلك الشكل المهول الذي عرفته قضية «مول البيكالة» إلى سبب رئيس يتمثل في عدم تواصل رجال الأمن بشكل جيد مع الرأي العام. ومن بين الإشاعات الكثيرة، تلك التي تقول إن «مول البيكالة» ليس سوى «ولي صالح» أعطى درسا للفتيات حتى يرتدين ملابس محتشمة، ويعدن إلى دينهن. وأخرى تقول إنه «جني»، وأن ضرباته بمثابة وضع علامة على فتيات تم اختيارهن من طرف جني كبير وقوي لتزويجهن إلى أولاده من الجن الصغار. إلا أن أغرب إشاعة تتردد في بعض الأوساط هو ربط البعض الاعتداءات بتنقيل رئيس الأمن الإقليمي السابق وتعيين رئيس الأمن الإقليمي الجديد، والاعتقاد بأن هناك رجال أمن يقفون وراء هذه الاعتداءات، هدفهم هو إثارة الرعب وإظهار رئيس الأمن الإقليمي الجديد بمثابة العاجز عن حل لغز جريمة بطلها يستعين فقط بدراجة هوائية. إلا أن مصادر مسؤولة من الأمن اعتبرت هذه الإشاعة جد مغرضة، ونفت وجود أية إمكانية لضلوع رجال أمن في هذه الاعتداءات. إلا أن الخلاصة التي خرج بها الجميع، خاصة مجموعة من فعاليات المجتمع المدني، هو أن الدرس الذي يجب استنتاجه من قضية «مول البيكالة» هو أن المقاربة الأمنية التي تعتمد عليها مصالح الأمن لم تعد صالحة، وأنه يجب كسر ذلك الحاجز النفسي بين المواطن ومصالح الأمن، الذي يجعل العلاقة بين الطرفين جد متنافرة، وخلق آليات تواصل جديدة بين مصالح الأمن والمواطن، وتقديم إشارات واضحة بتغير العقليات والسلوكيات السائدة لدى بعض رجال الأمن، حتى يغير المواطن أيضا من عقليته ونظرته لرجال الأمن. إذ يقول عدد من المتتبعين للقضية أنه كان من الممكن إلقاء القبض على المعتدي، لو تقدمت أولى الضحايا ومنذ اليوم الأول بشكايات في الموضوع. إذ تبين أن جميع الضحايا لم يتقدمن بأية شكاية، وأن رجال الأمن أخذوا إفادات منهن عند لجوئهن إلى المستشفى.