في كتابه «الفلاح مدافعا عن العرش»، يكتب ريمي لوفو قائلا إنه في أقل من خمس سنوات بعد حصول المغرب على استقلاله، تم إبعاد حكومة عبد الله إبراهيم اليسارية عن السلطة. وبالتالي تم التحضير لمواجهة التأثير الذي بدأت تمارسه الأحزاب السياسية. كما تم إبعاد كل من عبّر عن نزعات موالية للأحزاب. فضلا عن أن رؤساء المجالس البلدية، الذين تم انتخابهم في نهاية شهر ماي من سنة 1960، لم تكن لديهم سلطة على الشرطة، ولا سلطة قانونية. كان دورهم مقتصرا، كما يقول لوفو، على«الطابع الاستشاري الذي تتجلى أهدافه في تقديم المساعدة للقيّاد من أجل إعداد ميزانية الجماعة البلدية. لقد كان رجال المخزن الأقوياء بالفعل هم الباشاوات والقيّاد والمقدمون، وبصفة خاصة في البوادي. ورغم الكلام الذي عبر عنه الحسن الثاني، بشأن اختلاف الوضع الجديد عن وضعية الحماية، إلا أنه كان لا يختلف عنها. غير أن إعادة بناء شبكة إدارية محلية مخلصة للمخزن ومستعدة للعمل معه، لم تكن ممكنة التحقق بدون وجود جيش قوي، أو على الأقل جيش رادع. وقد عبر الحسن الثاني عن ذلك بكل وضوح:«منذ سنة 1912، لم يكن ثمة وجود للجيش المغربي. كان جنودنا وضباطنا وقادتنا منخرطين داخل التشكيلتين العسكريتين الإسبانية والفرنسية. وقد كان محمد الخامس أمام نفس المشكل الذي واجهه مولاي إسماعيل (1672-1727)، مؤسس الجيش المغربي ومحرر التراب الوطني. وقد مارستُ بكل وعي ومسؤولية مهمتي كوليّ للعهد، وفي سنة 1949، سوف أُعامل كضابط في البحرية، وسوف أحمل، في الباخرة التي كانت تسمى «جان دارك»، شارة الجيش المغربي على لباسي العسكري، خصوصا وأنني ترعرعت وسط الأسلحة المتطورة والتقنيات الجديدة التي كانت تثير حماسي وإعجابي. وبما أن الملك كان يرغب في أن يرتبط الجيش بالوطن، فقد عيّنني لكي أكون منشئ هذا الجيش، ومنظمه وقائده».ويروي الحسن الثاني، في كتابه «ذاكرة ملك»، كيف أنه توجه بنفسه إلى باريس، خلال سنة 1956، من أجل التفاوض بشأن نقل الرجال والسلاح إلى القوات المسلحة الملكية. وقد جرت هذه المفاوضات بالخصوص مع ألان سافاري، حيث كان رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك، غي مولي، منشغلا كثيرا بالوضعية في الجزائر. غير أنه طلب من مولاي الحسن أن يلتقي به في قصر ماتينيون حيث جرى الحوار السريالي التالي:- غي مولي: جبهة التحرير الوطني منظمة، غير أن حضورها ناقص؟- منظمة نعم، لكن ناقصة لست أدري!- ألا يمكنهم، مثلا، أن يقدموا لي الدليل على أنهم موجودون؟- الحسن الثاني باستغراب: كيف؟- اسمع، يمكن أن نقرر يوما أن تؤخذ دجاجة مذبوحة بيضاء أو سوداء، أو أي رمز آخر من هذا القبيل، ويضعه حزب جبهة التحرير الوطني على رأس قبر كل ميت من الموتى فوق التراب الجزائري. وبهذه الكيفية سوف نرى إلى أي حد بالفعل توجد جبهة التحرير فوق كل التراب الجزائري أم إنها منحصرة فقط في منطقة الأوراس.- لكن، السيد الرئيس، أفكر أولا، في أنه يمكن أن نبحث عن رمز آخر غير الدجاج المذبوح. ثانيا، من ستكون عنده الشجاعة لكي يذهب ويضع الدجاجة على القبر، لأن الجميع سيخاف من أن تلقي عليه الشرطة أو الجيش الفرنسي القبض؟ وبكل صراحة، لا يمكنني أن أنقل إليهم هذا الاقتراح.- طيب، سوف أفكر في الأمر. لكن، إلى ذلك الحين ألا يمكن أن تقترح عليهم القيام بحركة رمزية تعطينا فكرة عن الحجم الحقيقي لهذه الحركة؟بعد ذلك، سوف تتم استعادة المغاربة الذين حاربوا في صفوف الجيش الإسباني والجيش الفرنسي. كما وُجّهت الدعوة إلى عناصر جيش التحرير الوطني، الذي كان قادته مترددين كثيرا، من أجل تسليم السلاح والانخراط في الوحدات الأولى للقوات المسلحة الملكية. بل وقبل الإنشاء الرسمي لهذه القوات، في 15 ماي 1956، توجه محمد الخامس، الذي انتزع من الجنرال فرانكو الاعتراف باستقلال المغرب، إلى مدينة تطوان في السابع من أبريل من أجل إيصال الخبر السعيد. في أثناء ذلك، سوف يقترح حلّ جيش التحرير الوطني وإدماجه في صفوف الجيش الجديد. غير أن أبرز القادة في حزب الاستقلال، وفي مقدمتهم المهدي بن بركة، سيعترضون على ذلك.وفي الصراع القوي الذي سيخوضه مع زعيم اليسار المغربي، سوف يعوّل مولاي الحسن على الدعم الكبير للعسكريين الفرنسيين. غدا: مقتل عباس المسعدي