يتحدث الفيلسوف السلوفيني المثير للجدل سلافوي جيجيك في كتاب ألفه في وقت قياسي عن عواقب جائحة كورونا التي بدا وكأنها اختبار للفلسفات المعاصرة والأفكار السائدة بينما تعيش المجتمعات المتأثرة بها في حالة تشبه الصدمة. وبمزيج لا لبس فيه بين الأفكار الماركسية والتحليل النفسي المتأثر بالمحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان، والثقافة الشعبية ومتابعة المسلسلات والأفلام والروايات أصبح سلافوي جيجيك المولود في العاصمة السلوفينية ليوبليانا عام 1949 أحد أكثر الفلاسفة الأوروبيين شعبية في العقود الأخيرة، وكان من المستبعد ألا تكون جائحة كورونا موضوع تفكيره. وفي وقت قياسي ألف كتابا صدر في نسخة إلكترونية بعنوان « فيروس » يستعرض فيه آثار الأزمة على عقولنا وعلى نظام اجتماعي اقتصادي لم يعد فعالا، وتوقع أن تجلب الطوارئ المرتبطة بالجائحة معها حالة استبدادية جديدة حتى لو عززت الروابط المجتمعية. ويشير في الكتاب إلى أن الخروج من الكارثة غير المؤقتة يحتمل أن يمر عبر ما سماها « شيوعية الكارثة » كما تظهر هذه المقتطفات من الكتاب التي نشرتها صحيفة لابانغوارديا الإسبانية. هل سنتعلم شيئا؟ « كتب هيغل أن الشيء الوحيد الذي يمكننا تعلمه من التاريخ هو أننا لا نتعلم شيئا منه، لذلك أشك في أن الوباء سيجعلنا أكثر حكمة، الشيء الوحيد الواضح هو أن الفيروس سوف يدمر أسس حياتنا، مما يسبب ليس فقط معاناة هائلة، ولكن كارثة اقتصادية ربما تكون أسوأ من الركود العظيم، لن تكون هناك عودة إلى الحياة الطبيعية، ويجب أن تكون الحياة الطبيعية الجديدة مبنية على أنقاض حياتنا القديمة (…)، علينا أن نتعلم كيف نتعامل مع حياة أكثر هشاشة ونفهم أننا كائنات حية فقط من بين أشكال أخرى من الحياة ». معنى الوباء « يجب أن نحلل الظروف الاجتماعية التي جعلت الوباء ممكنا، يصطف المشككون المعتادون للاستجواب: العولمة، السوق الرأسمالية، لكن يجب أن نقاوم إغراء معالجة الوباء كما لو كان له أهمية أعمق: العقاب العادل والوحشي للبشرية على الاستغلال المباشر لأشكال أخرى من الحياة على الأرض، إذا بحثنا عن رسالة خفية فنحن في مرحلة ما قبل الحداثة: نتعامل مع كوننا (عالمنا) كشيء يتواصل معنا (…)، الأمر الصعب هو قبول حقيقة أن الوباء هو نتيجة محض طارئة ». مواجهة الشعبوية حان الوقت للتخلي عن شعار « الولاياتالمتحدة الأميركية (أو الدولة) أولا »، وكما قال لوثر كينغ قبل أكثر من نصف قرن « ربما وصلنا جميعا في قوارب مختلفة، لكننا الآن جميعا في نفس القارب ». شكل من أشكال الشيوعية « لن يكون الحل العزل أو تشييد جدران جديدة أو مزيدا من الحجر الصحي، هناك حاجة إلى تضامن كامل غير مشروط واستجابة منسقة على المستوى العالمي، وهو شكل جديد مما كان يسمى الشيوعية سابقا، إذا لم نوجه جهودنا في هذا الاتجاه فقد تصبح مدينة ووهان الحالية هي نموذج المدن المستقبلية (…) إذا عزلت الدول نفسها فستبدأ الحروب (…) كما يقول ويل هاتون « في الوقت الحاضر هناك أزمة في السوق الحرة والعولمة غير المنظمة مع ما ينجم عنها من أزمات وأوبئة، ولكن هناك شكل آخر يظهر للعيان هو بناء الترابط المتبادل والعمل الجماعي القائم على التجربة ». التضامن الأناني « أنا لا أدعو إلى تضامن مثالي، تُظهر الأزمة الحالية أن التضامن والتعاون العالمي يهدفان إلى نجاة كل فرد منا، وأن هذا التضامن والتعاون يخضعان لدافع عقلاني وأناني ». الهمجية السياسية « أكثر ما أخشاه ليس البربرية الخالصة، بل الهمجية بوجه إنساني: تدابير قاسية من أجل البقاء على قيد الحياة.. إن الرسالة الحقيقية للسلطة هي أنه يجب علينا تقليل أركان أخلاقنا الاجتماعية، مثل رعاية المسنين والضعفاء ». الشيوعية مستمرة « كما يقول المثل « في الأزمة كلنا اشتراكيون »، حتى ترامب فكر في شكل من أشكال الدخل الأساسي العالمي، هل ستكون هذه الاشتراكية القسرية اشتراكية للأغنياء، مثل خطة إنقاذ البنوك عام 2008؟ (…) هنا تظهر فكرتي عن الشيوعية، ليس كحلم غامض، ولكن كمسمى لما يحدث بالفعل (…) إنفاق مليارات لمساعدة ليس فقط الشركات، ولكن أيضا الأفراد بحجة الحفاظ على الحركية الاقتصاد وتجنب الفقر، ولكن ما يحدث هو أكثر راديكالية: مع هذه التدابير لم يعد المال يعمل بالطريقة الرأسمالية التقليدية، وإنما خارج قيود قانون القيمة (…) إنها ليست رؤية لمستقبل مشرق، بل هي شيوعية الكارثة كمضاد لرأسمالية الكارثة ». العصر الجديد والرأسمالية « الهمجية » « ماذا لو كان ممثلو النظام الرأسمالي العالمي الحالي يدركون ما أشار إليه المحللون الماركسيون منذ فترة طويلة: إن النظام في أزمة عميقة؟ ماذا لو كانوا يستغلون الوباء بقسوة لفرض شكل جديد من الحكم؟ النتيجة الأكثر احتمالا للوباء ستكون أن الرأسمالية الهمجية الجديدة ستسود أخيرا، لا ينبغي أن نضيع الوقت في تأملات روحية من وحي العصر الجديد بشأن كيف « ستسمح لنا أزمة الفيروس بالتركيز على أساسيات حياتنا؟ ».