الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    وفد شيلي يثمن طفرة التنمية بالداخلة    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    أوزين: الأمازيغية لغة 70 في المائة من المغاربة .. وعلمانية المملكة متفردة    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنيس يضع المجتمع والأخبار الزائفة في زمن كورونا تحت المجهر(حوار)
نشر في فبراير يوم 04 - 05 - 2020

تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بأخبار كاذبة تخص جائحة وباء كورونا، خاصة وأن المتلقي يسعى إلى أن يبقى على اطلاع دائم بأفضل المعلومات الممكنة للحفاظ على أنفسهم ومن حولهم بصحة جيدة وإبطاء انتشار الفيروس.
وتعيق الأخبار الزائفة والشائعات التدابير المتخذة لمواجهة هذه الجائحة، وكذلك قدرة مؤسسات الدولة على التأثير بشكل فعال على سلوك الناس للحد من الأزمة. حيث انتشرت الأخبار الزائفة حول الفيروس الجديد بوتيرة مماثلة لسرعة انتشار الفيروس نفسه.
وانتعشت بشكل جيد هذه الأخبار مع بداية تفشي وباء « كورونا » سواء على مستوى تقديم الأرقام والمعطيات، أو نشر أخبار تهم الإجراءات المزمع اتخاذها لمواجهة الجائحة، الأمر الذي بث الهلع وحالات الذعر في نفوس المواطنين.
في هذا الحور نستضيف في برنامج « دردشة مع فبراير على هامش كورونا »، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط ، سعيد بنيس، للحديث عن موضوع » المجتمع المغربي واشتعال الأخبار الزائفة في زمن كورونا »
س: بداية مرحبا الأستاذ بنيس، وشكرا على قبول الدعوة، ننطلق من سؤال: كيف يمكن توصيف الأخبار الزائفة أو « الفايك نيوز »؟
ج: يبدو أن توصيف ظاهرة الأخبار الزائفة مرتبط بالانتقال إلى « عهد ما بعد الحقيقة »أو « ما بعد الوقائع »المصطلح الذي اقترحه رالف كييز سنة 2004 وهو مصطلح يحيل على تطور التفاعلات بين المجتمعي والرقمي في القرن 21 بفعل الاستعمال الاجتماعي للأنترنيت وبالخصوص شبكات التواصل الاجتماعي وقد وظف هذا المصطلح سنة 2004 في الولايات المتحدة للإحالة على الخطابات السياسية التي لا تعتمد على الوقائع والحقائق والأدلة بل تخاطب عاطفة وإحساس الفرد وشعوره من خلال عبارات خطابية رنانة ومأثرة وهو ما يمس بمصداقية الأخبار التي تروجها الفضاءات الرقمية وكمثال على ذلك ما حصل سنة 2016 إبان حملة البريكست أو ما وقع في الانتخابات الأميركية. كما أن هذا المصطلح اعتبر في 2016 مصطلح السنة من طرف قاموس أكسفود .لهذا فالحديث عن « عهد ما بعد الحقيقة » يحيل على هيمنة الخبر والمعلومة التي تخاطب مباشرة الوجدان والأحاسيس وهذا ما يفسر ظهور موجة الفايك نيوز وتواري الخبر والمعلومة الموضوعية القائمة على دلائل فعلية.وفي هذا الصدد أجرى ثلاثة باحثين من معهد » ماساشوستس للتكنولوجيا « ، دراسة نشرت في مجلة » ساينس » العلمية، وخلصت الدراسة إلى أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يميلون إلى مشاركة الأخبارالزائفة على نحو أوسع وأسرع مقارنة بالأخبار الحقيقية.
من هذه الزاوية يمكن تعريف ظاهرة الأخبار الزائفة أو الأخبار المسمومة كظاهرة عالمية،فجميع الدول تعرف انتشار هذه الأخبار الزائفة داخلها وفيما بينها وتخلق بعض الحزازات الدبلوماسية كما حدث بين أمريكا والصين والتصريح المنسوب لمسؤول في الخارجية الصينية حول سبب انتشار كورونا مع بعض الاستثناءات ككوريا الجنوبية أو الصين التي كان من أسباب نجاح خططهما في محاربة جائحة كورونا انضباط مواطنيها واتباعهم للمعلومات الرسمية وعدم الاكتراث بالمعلومات الصادرة عن الجهات الغير الرسمية . هنا تتجلى مزايا الانضباط المواطناتي.
س: ماهي تصنيفات هذه الأخبار؟
فيما يمت إلى تصنيف الأخبار الزائفة هناك ثلاتة أنواع، أولها يتمثل في التضخيم والمبالغة مثل أن حالات كورونا في المغرب هي أكثر مما هو مصرح به مما يؤدي إلى حالة من الهلع المجتمعي، ثانيها التقليل وعدم الاكتراث بالخطر المحدق بل واقتراح حلول وادعاءات باكتشاف الدواء بل ذهب بعضهم إلى القول أنه رأى في حلمه أشياء إن طبقت ستنجو الإنسانية من الوباء وأن الوباء من فعل فاعل …، وآخرها أخبار مزيج من ما هو صحيح وما هو كذب ومزيف حيث يعمد أصحابه إلى توظيف البيانات والجداول والخرائط والاحصائيات للإقناع والإيهام بالحقيقة المطلقة (مثال حكاية الباحث المغاربي ورئيسة دولة أوربية تستعطفه ليسمح لبلادها من استعمال الدواء لكن الترجمة للعربية لا علاقة لها بحديثها وبخطابها ). كان حري على المطلعين على الفيديو استعمال الترجمة لاكتشاف التحايل. تصديق هذا النوع الثالث من الأخبار هو الأكثر وقعا لأنه يبنى على تجارب حقيقية ومتحققة وينطلق كذلك من مسلمات حقيقية ففي المثل الذي أوردته عدد كبير من الباحثين المغاربيين يتواجدون في أعتى وأرفع المختبرات العالمية.
س: كيف يمكن أن نفسر انتشار الأخبار الزائفة بالمغرب؟
فيما يخص المجتمع المغربي وانطلاقا من طبيعة قيمه التي تتأرجح بين الفردانية والجمعية وتجدر الثقافة الشفوية يصبح تشارك الخبر طقسا من طقوس العيش المشترك والحظوة المجتمعية. كما أن عدم استبطان خطر الأخبار الزائفة من طرف المغاربة يشكل عاملا أساسيا لاستفحال الظاهرة بالإضافة إلى بعض الأرقام حول اتصالية المغاربة لا سيما منها أرقام الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات والانتقال من مجتمع التواصل إلى مجتمع الاتصال عبر ثقافة « بارطجي » وتفاقم الأمر مع الحجر الصحي حيث تزايد الاتصال الرقمي وانضافت إليه إشكالات العزلة الرقمية مما دفع بالبعض لإبراز فاعليته وتواجده داخل الشبكة من خلال ترويج أخبار كاذبة.
في سياق آخر يمكن اعتبارأن تأجيج الأخبار الزائفة وانتشارها بالمغرب مرده كذلك حاجة المتلقي إلى تعويض نفسي على بعض الاحباطات كأن يقبل بسهولة أن محاربة جائحة كورونا متوقف على عشاب مغربي أو رؤية ليلية مما يمكن من تأويل الأخبار الكاذبة كشكل من أشكال « الإثنية المحورية »كإجابة على تساؤل « حنا هماالمجهدين والواعرين في العالم ».فالأخبار الزائفة بالمغرب بحسب الحالات التي تم رصدها من طرف المديرية العامة للأمن الوطني هي ظاهرة حضرية : مدينة تطوان،- مدينة صفرو، مدينة مكناس، مدينة قصبة تادلة، مدينة مراكش،فاس،مدينة طاطا، كلميمة والصويرة ومدينة الجديدة، مدينة برشيد، وفي القنيطرة ،مدينة طنجة، بني ملال…….كما تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى ثنائية تمكن من فهم ظاهرة الأخبار الزائفة وهي ثنائية الأمن الموضوعيالذي يعتمد على معطيات وإحصائيات حقيقية وواقعية ورسمية والأمنالذاتيالذي يرتكز على التمثلات والإدراكات الفردية والشخصية. تتغدى الأخبار الكاذبة من الفرق والتباين والتضارب بين هاذين الصنفين من الأمن : الأمن الموضوعي والأمن الذاتي.
وانطلاقا من هذه الثنائية يمكن الحديث عن « ربرتوار نوعي « للفايك نيوز المغربي » :
تداول خبر عن إصابة السفير المغربي بالصين بفيروس كورونا، ونشر مقاطع فيديو تتضمن معطيات مغلوطة وكاذبة حول تسجيل إصابات مفترضة في مناطق مختلفة من المغرب، و »فبركة » بيانات رسمية تخص مؤسسات الدولة و نشر لحالات لمرضى على أساس أنهم مصابون بفيروس كورونا أو الادعاء بأن هناك مصاب في الجوار : مكناس مراكش شيشاوةفاس …أو الادعاء بالمرض أو بأن الشخص كان شاهدا أو عندهمعلومات مؤكدة على إصابة أحدهم …. أو خبر وفاة الطفل الصغير ابن القاضية … أو تسريب رخصة استثنائية للتنقل مفبركة أو وصفات سحرية من الأعشاب كدواء فعلي وفعال لفيروس كورونا أو طائرات تتحلق في سماء الدار البيضاء لتعقيمها أو تداول لائحة اسميةببعض منصات التواصل الاجتماعي، تتضمن أسماء أشخاص يدعى إصابتهم بداء كورونا أو خبر أن "الحجر الصحي بالمغرب سيمتد لشهر يوليوز 2020″، منسوب لأحد القنوات العمومية أو موت طبيب مراكش أو إشاعة ومخالطة مصاب وراء إصابة الطبيبين ….
فهذه أخبار تنبني على الذاتية و الخدعة والافتراء والاشاعة والتشهير حيث الخبر الكاذب هو تحويل حقيقة معروفة إلى معلومة خاطئة تنشرها منصات أو أشخاص مختصين فيالأخبار الكاذبة . وهي كذلك أخبار مفبركة لأن أصحابها يعمدون لتوضيبها لغويا وثقافيا وهوياتيا أو إعطائها صبغة معقدة توحي بصدقها من خلال جداول ورسوم وإحصائيات وتنتشر بسرعة وعلى نطاق واسع بوثيرة وبائية و يمكن كذلك لإنجاح انتشارهاتغليفها في صيغة كوميدية وبارودية. وهي كذلك محاولة للاستغباء من خلال خلق البوز والحصول على أكبر عدد من المشاهدات.كما يتطلب التحقق من صحتها وقتانسبيا طويلا. ومن هنا تأتي قوتها ويصبح مفعولها فيروسي ووبائي مع قوة بعض « الالكوريتمات » التي تساعد على انتشارها السريع والصاروخي.
س: لماذا ينتعش هذا النوع من الأخبار؟
ج: انطلاقا من هذه الحيثيات تمكن الأخبار الزائفة أصحابها من تحقيق بعض الحاجيات النفسية كالانتقام و الكراهية ومواجهة الخوف حيث أضحي العالم الرقمي الوعاء الأمثل لتفريخ المكبوتات النفسية والتيه الوجودي وتمرير بعض الايديولوجيات كالتكفير والتخوين …أو المس بمنافس سياسي أواقتصادي أو ثقافي …لهذا فالهدف منها يحيل على طبيعة المستفدين ويمكن تصنيفهم إلى فئتين متباينتين : أغلبية ذات أهداف مزدوجة منها التأثير السلبي وخلق بيئة مجتمعية محبطةمع الحصول على عائدات ربحية وأقلية من مختلقي الأخبار الزائفة يمكن أن توصفب »المرضى المجتمعيين »هدفهم ودوافعهم ليست ربحية بل غرضهم بث الفوضى في المجتمع من خلال منطق انهزامي وتشاؤمي.
يظل التساؤل الموضوعي في الحالة المغربية هو من المستفيد مثلا من نشر خبر كاذب عن حالة طوارئ شاملة مساء يوم الجمعة 13 مارس ما نتج عنه حالة فوضى وهلع وازدحام وعراك في محلات بيع المواد الغذائية والمتاجر الكبرى ؟يظل المعطى الرئيسي لفهم التجاوب السريع مع هذا الخبر الزائف هو إدراك جدوى الإحصائياتالتي تعطي أن 73 في المائة من المغاربة يستعملون الشبكات الاجتماعية منهم 65 في المائة على واتساب و 53 في المائة على الفايسبوك. فمن خلال هذه الاحصائيات يمكن إقرار أن المحدد الأساسي في استفادة مروجي الأخبار الزائفة (ماديا وتأثيرا) هي هيمنةالسلوك والممارسة الطقوسية لتشارك المعلومةكما أننا في مجتمع ذو ثقافة شفوية فيزمن التشارك و »ثقافة بارطجي ». وجبت كذلك الإشارة إلى سطوة وجدوة بل واشتعال كل ما هو نفسي وانفعاليتجاه كلماهوسلبي وزائف بل والتعاطي العاطفي والغير العقلاني معه في أزمنة الكوارث والمحن والحروب.
لهذا فتأويل الإحصائيات التي تقدمها المديرية العامة للأمن الوطني فيما يخص الموقوفين في وقائع خرق حالة الطوارئ فمنهم نسبة لا يستهان بها كانت تحت تأثير خبر أو تدوينة يوتوبرز أو مواطن رقمي نشر وتداولمحتويات رقمية تتضمن أخبارا زائفة. في المقابل يجب كذلك التأكيد أن هناك مواطنون رقميون ويوتوبرز ايجابيون وواعون بالخطر المحدق بالبلاد وأن تأثيرهم يجب أن ينصب على رفع الهمم وتثبيت الانضباط المواطناتي وليس خلق بيئة احتباس مواطناتي. لهذا في الحالة الأولى حالة اليوتوبرز والأشخاص الذي ينشرون الأخطاء الزائفة لا يمكن أن نتحدث عن مؤثرين وهم في غالبيتهم سلبيين ولا يشتغلون من داخل نسق المبادرة الإيجابية والتحدي البناء.
س: ماذا يمكن أن تتنج هذه الأخبار كأضرار؟
ج: فيما يمت إلى الأضرار التي تنتجها هذه الأخبار يمكن سرد لا للحصر عدة أضرار. أولايتظافر الخبر الزائف مع التفاهة والرداءة وعدم الاختصاص كأن ينشرعشاب أنه اكتشف دواء كورونا أو سيدة توصي بالعرعار والشيح … فيصيراليوتوبرز كقائد رأي جديد يفسد الانخراط المجتمعي ويعمق الاحتباس المواطناتي.وهو في هذايركب على المآسي ويمكن من هذه الزاوية اعتبار اليوتوبرز المنخرطين في ترويج الأخبار الزائفة كتجار حرب يتاجرون في سذاجة وعفوية بعض المواطنين في زمن الحرب على جائحة ستقلب جميع الموازين الدولية وعواقبها تبدو غير متوقعة.
ثانيا تساهم الأخبار الزائفة في تجدر بيئة من الهلع المجتمعي والتخمة المرضية في المعلومة ولا علاقة لهذه التخمة بهامش حرية التعبير لأن هناك بون شاسع بين حرية التعبير والخبر الزائف (« كيف الفرق بينالسماء والأرض »). لأن في راهن جائحة كورونا يمس الخبر الزائف بالعيش المشترك وكذلك بالمصير المشترك للوطنمع أن الدستور المغربي خصص الفصل 27 للحصول على المعلومة التي تتوفر عليها الإدارة العمومية بموازاة مكافحة الأنماط المستجدة من الجريمة الإلكترونية وتقوية آليات مكافحتها من دون المساس بحرية التواصل الرقمي باعتباره صورة من صور ممارسة حرية التعبير المكفولة دستورياً.
ثالثا يهوي الخبر الزائف بالنقاش العمومي إلى مستويات بئيسة تجعل المجتمع المغربي حبيس مسكنات وجهل وتيه لا يمكنه من الشعور بالخطر الوشيك لأن الخبر الزائف ليس خطأ بل خبر مفبرك مبيت لأن الخطأ يمكن أن نعتذر عنه وهذا في التقاليد الصحافية لكن الخبر الكاذب له تداعيات على أرض الواقع حيث نمر من الرقمي إلى الواقعي تحت تأثير أخبار وتحريض واهي (حالات فاس وطنجة ) مما ينتج عنه خلق بيئة من عدم الاستقرار وتفشي ثقافة العنف والكراهية وظهور تلوث مجتمعي وسياسي واقتصادي يصبح معه التطهير والتعقيم ضد هذه الأخبارحاجةملحة.
كيف تقرأ تواصل السلطات العمومية في هذه الظروف لمحاربة الشائعات؟
من أجل هذا هناك زخم من النشرات والبلاغات على طول اليوم من طرف وزارة الصحة بالأرقام والتحاليل والإحصائيات والتدابير والمبادرات ، فالمعلومة متوفرة طيلة اليوم ويتم تحيينها وتبسيطها للمواطنين فلا يمكننا إلا أن نصفه كتواصل فعال وذو جدوى لأن البلاغات أثرت في سلوك المواطنين وحيدت بل قوضت مفعول الأخبار الزائفة وأضعفت انتشارها.لكن ما كان لافتا ونوعيا في تواصل السلطات العمومية هو تميز القناة اللغوية للتواصل وتوظيفها البرغماتي. فإذا تمعنا في الآليات الموظفة والتي أضحت آليات ناجعة للتواصل فهي تعتمد على التعبيرات الترابية اللغوية القريبة من وجدان المغاربة : تعبيرات جهوية أمازيغية بتريفيت وبتشلحيت وبتمازيغيت وكذلك تعابير عربية بالجبلية والحسانية والعروبية والمدينية. فقد استطاعت هذه التعبيرات الترابية بالإضافة إلى وظيفتها التداولية اليومية أن تضيف إلى وظائفها كذلك وظيفة التأطير المؤسساتي لكن بمقومات نوعية تمزج بين سلطة المؤسسة (القايد – المقدم – الشيخ – العامل …) وحميمية عاطفية أبوية مما قطع الطريق على تفشي الأخبار الزائفة. وكمثال على ذلك بعض الجمل والتعابير : ( » أشريف ألي تيكركر– العالم تيموت وانت كتكركر– ادخل لدارك – غبر –كتكركر على مزينتك » ) و ( » لي عدو شي دار يكعد فيها – ردوا بالكم لولادكم–لاتبقاوشي خيطي زيطي خيطي زيطي–تدجيب لنا المرض لولاد بلعيد ») و( « مادجمعوشي على أل وألتك تتلأطوها فراسكم و عملو بنفسكم فحال لي متشابكين مع الناس د دوار كاملين ومع دهدروا مع حد … كل واحد ياكل فالطبسيل ديالو والناس الشارفين عاملو ليهم في المغرفة الفؤانية وعطيولم الماكلة بوحدم » ). فصارت هذه التعابير هي قناة تواصل السلطات مع المواطنين : القايدة حورية وقائد ميدلت وقائد مقاطعة الأطلس بفاس وعدد لا يحصى من رجال السلطة الآخرين وكذلك الشيوخ و »البراحة » والمقدمين وهنا يحضرني مثال مقدم جماعة ولاد بلعيد و مثال المقدم مولاي عبد السلام الشاهد وآخرون …
إذن مع جائحة كورونا اكتشف المغاربة بل تمت إعادة اكتشاف آليات التواصل العمومي في صيغتها المغربية التي تنضح بمواطنة ترابية يمكن أن نصفها ونجملها في عبارة « التمغربيت » قائمة على غنى نسق منظومة التعدد والتنوع التي رسخها دستور 2011. لكن إبان حملة التوعية والتحسيس التي بادرت إليها السلطات العمومية انبرت بعض الأصوات والآراء إلى نعت آليات وأدوات واستراتيجيات هذا التواصل على أساس أنها متضخمة وترمي إلى البوز وخلق أبطال جدد. لكن من وجهة نظري الخاصة لا يمكن للتواصل الواقعي أن يكون له وقع وتأثير في التوعية والتحسيس ومحاربة الأخبار الزائفة وأن يصل أهدافة إلا بتأريخه ونشره ومشاركته من خلال آلية الاتصال لأننا انتقلنا من مجتمع التواصل إلى مجتمع الإتصال وتباعا تم التحول من التواصل العمومي إلى الاتصال العمومي لأن المتلقي يتواجد ويسكن عوالم رقمية متصلة (الفايسبوك والواتساب ويوتيوب …) وانتقل تباعا من مواطنة واقعية إلى مواطنة افتراضية التي تترصدها عدة مخاطر منها لا للحصر سرطان الأخبار الزائفة.فالسلطات العمومية ليست فقط أمام مواطنين واقعيين بل كذلك أمام مواطنين رقميين. والحل الناجع لإيصال التحسيس والتوعية بمخاطر الجائحة يمر أساسا بالقناة والعالم الرقمي لا سيما أنها قناة مساعدة وفعالة في ظل إحصائيات اتصالية المغاربة التي أوردتها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات وتجدر ثقافة « بارطجي ».لهذا في رأيي المتواضع تواصلالسلطات العمومية ناجح بل وفعال في الحرب على الأخبار الزائفة.
كيف يمكن محاربة الأخبار الزائفة؟
فيما يتعلق بالبيئة الرقمية التي تنتشر فيها الأخبار الزائفة فقد دأبت المنصات الرقمية والمواقع (تويتر – فايسبوك – يوتيوب …) منذ 2017 على إيجاد حلول لهذه المعضلة و حتى هي الأخرى دخلت في حرب ضد الأخبار الزائفة و خلقت تطبيقات التحذير وتنقيط المستعملين من خلال انخراطهم في كشف المعلومات الزائفة وكذلك توصي ب » سينيالي » في حالة التأكد من الضرر والاحتيال الذي يحدثه مستعملو الويب لكن يظل الخطر قائما مع تطبيقات التراسل مثل واتساب والمسنجر مما ينتج عنه « ايبيديمياأخبار ».أما في الحالة المغربية يمكن أن نحيل في باب الردع القانونيعلى مقتضيات الفصل 1- 447 من القانون الجنائي (6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم) بالإضافة إلى الفصل 72 من قانون الصحافة الذي يهم المشتغلين بالصحافة (غرامة 20000 إلى 200000 ألف درهم). كما شكلت المديرية العامة للأمن الوطني خلية مركزية للرصد واليقظة المعلوماتية لمكافحة الأخبار الزائفة حول وباء « كورونا »،
بموازاة هذه القوانين والإجراءات يمكن للصحافة الجادة تخصيص حصة لاستخراج السموم وغربلة الأخبار والتحقق من مصداقيتها باستخدام تقنية » فاكتتشيكينغ » للتأكد والتحقق من المعلومة وتكذيب الأخبار الزائفة فهي سرطان ينخر المجتمع وجب التعامل معه بصرامة وجدة محينة وهذا ما دأبت عليه مديرية الأمن الوطني في التفاعل مع هذا النوع من الأخبار. كما تجدر الإشارة إلى مبادرة لاماب من خلال خانة الصواب والخطأ حيت تعمد إلى نشر لائحة من الأخبار المتداولة بعد البحث والتأكد من مصادر موثوقة والتحقق منها ميدانيا ووسمها ب خطأ أو صحيح. في المقابل هناك كذلك منصات ولوبيات وأفراد تنشط في نشر الأخبار الزائفة مما يسرع ويقوي من انتشارها مما نتج عنه إحباط لدى غالبية الصحفيين والمواطنين لذا يتوجب اختيار وتحديد مصادر بعينها موثوق بها للتزود بالمعلومة.في المقابل وجبت الإشارة إلى جدة وتحدي مبادرات المجتمع المدنيلخلق ثقافة مضادةلثقافة الأخبار الزائفة وبيئة الإحباطمن خلال هاشتاغات من قبيل « فضاء افتراضي نقي » و"صحافيون ضد الإشاعة » … لأن هناك ضرورة للاستفادة من مكاسب جائحة كورونا لا سيما فيما يتعلق بعلاقة المواطنين بالدولة التي أصبحت تتسم بمنسوب لابأس به من الثقة و إعادة بناء أسس مجتمع الثقة وهذا ما انتبهت له عدة دراسات وأبحاث وتقارير قامت بها مراكز ومعاهد استراتيجية مغربية منذ2010 .يمكن كذلك بموازة مبادرات المنظومة المدنية والعلمية خلق مرصد وطني للتصدي للأخبار الزائفة على شاكلة بعض التجارب الدولية مثل تجربة كندا في محاربة ثقافة وخطاب الكراهية.
كما يتجلى خطر الخبر الزائف أنه بالرغم من التكذيب هناك من يريد أن يطلع عليه لحاجة شخصية وفضولية و التأكد من أنه فعلا خاطئ أو لأنه يستجيب لبعض مطالبه النفسية فيعمد إلى نشره في محيطه المغلق فيصبح الخبر الزائف هو الخبر الشافي كتعويض نفسي. لذا فالخبر الزائف يقاوم الزمن حيث يعمد بعض الأشخاصإلى إعادة إحيائه ونشره. فالخبر الزائف يحتفظ به لإعادة تكييفه وتصريفه في قضايا أو أحداث مغايرةفهو قابل للتدوير. وتباعا في حالة جائحة كورونا تؤثر الأخبار الكاذبة على المواطنات والمواطنين المغاربة من خلال ترسيخ حالة من الخوف والتوجس أكثر من حقيقة التهديد الوبائي في حد ذاته، بل إنها تعترض إنجاح التدابير الاحترازية التي تتخذها السلطات العمومية للتصدي لانتشار هذا الوباء، وقد تدفع المواطنين، بشكل تضليلي، لعدم التجاوب مع التوصيات والنصائح الوقائية التي تقدمها السلطات الصحية المختصةبالارتهان إلى منطق ونسق ومصفوفة فكر المؤامرة.
كلمة أخيرة
من خلال ما سبق تبدو وتتجلى أهمية وجدوى بل راهنية التربية على الاستقلالية والتوعية والقراءة النقدية . لذا يتوخى تحسيس وتربية الشباب والأطفال وجميع شرائح المجتمع بخطر الأخبار الزائفة لأن هذه الشرائحتشكل أداة و وسيلة بل ناقلالانتشارها لأن المواقع الاجتماعية تعد الجسر الأمثل لتلقي المعلومة لأن هذه الأخيرة هي التي تأتي إليك ولست أنت الذي تبحث عنها مما يجعلك متلقي سلبي وحامل لثقافة عدم الثقة في المؤسسات.لهذا يمكن خلق وإبداع مواد تعليمية ومسارات في المدرسة المغربية لتكوين الناشئة على كيفية التعامل مع الأخبار الزائفةمن خلال بيداغوجيا تمكنهم من اكتساب المهارات اللازمة للتعاطي مع الأخبار الزائفة.من المحمود إذن في إطار تصويب مكونات المواطنة المغربية أن تنخرط وتنكب المنظومة التعليمية بحميع أسلاكها على اعتماد محترفاتومواد « التربية على الميديا ».فالمحترفات ستمكن منتحسيس التلاميذ بخطر الخبر الزائف وتحفيزهم على خلق محتويات مواطنة والتشجيع على موضوعية التلقي وإذكاء الفكر النقدي. لكن لا يمكن للمنظومة التعليمية أن تنجح في وظيفتها وحربها على الأخبار الزائفة بمفردها إلا إذا ما تمت توعية وتكوين الكبار وأولياء الأموروالمشتغلون في محاضن التربية والتنشئة بمخاطر وآفات هذا النوع من الأخبار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.