التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء نظيره السوري بشار الأسد خلال زيارة مفاجئة قام بها إلى دمشق، هي الأولى له منذ اندلاع النزاع الذي تشهده سوريا ولعبت فيه موسكو دورا دبلوماسيا وعسكريا بارزا لصالح حليفتها. وجاءت هذه الزيارة على وقع توتر اقليمي بين إيران الداعمة لدمشقوالولاياتالمتحدة، إثر مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد فجر الجمعة، في عملية أثارت مخاوف من تصعيد في منطقة تشهد أساسا اضطرابات، بعدما تعهدت طهران بالانتقام لمقتله. ووصل بوتين الثلاثاء إلى سوريا حيث التقى الأسد في « مقر تجميع القوات الروسية » في العاصمة، وفق ما أفادت الرئاسة السورية. ونشرت حسابات الرئاسة على مواقع التواصل الاجتماعي صورا عدة، تظهر إحداها الأسد وبوتين وهما يجلسان بين وزيري دفاع بلديهما وخلفهما ضباط روس في المقر، حيث استمعا إلى « عرض عسكري من قبل قائد القوات الروسية العاملة في سوريا ». وهنأ بوتين القوات الروسية المتمركزة هناك بمناسبة عيد الميلاد الأرثوذكسي الذي ي صادف الاحتفال به الثلاثاء. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، وفق ما نقلت وكالات أنباء روسية، « خلال محادثاته مع الأسد، لفت بوتين إلى أنه اليوم، يمكن القول بثقة إنه تم اجتياز طريق هائل نحو إعادة ترسيخ الدولة السورية ووحدة أراضيها ». وتعد روسيا أحد أبرز حلفاء الحكومة السورية إلى جانب ايران، وقدمت لها منذ بداية النزاع في العام 2011 دعما دبلوماسيا واقتصاديا ، ودافعت عنها في المحافل الدولية خصوصا في مجلس الأمن الدولي حيث منعت مشاريع قرارات عدة تدين النظام السوري. واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) 14 مرة ضد مشاريع قرار حول سوريا، كان آخرها في دجنبر ضد مشروع قرار لتمديد المساعدة الانسانية للأمم المتحدة عبر الحدود لأربعة ملايين سوري لمدة عام، وتريد موسكو خفضها. وساهم التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ شتنبر 2015 بقلب ميزان القوى في النزاع لصالح الجيش السوري ومكنه من تحقيق انتصارات عدة في مواجهة الفصائل المعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية على حد سواء. وينتشر في جميع أنحاء سوريا الآلاف من القوات الروسية دعما للجيش السوري. كما تعمل مجموعة من أفراد الأمن الخاص الروسي في الميدان. وسبق لبوتين أن زار سوريا في دجنبر 2017، لكن زيارته اقتصرت حينها على قاعدة حميميم الواقعة على الساحل السوري غربا ، والتي تتخذها روسيا مقرا لقواتها. وجال الرئيسان في دمشق، فيما بدا واضحا أن بوتين لم يزر الأسد في القصر الرئاسي، حيث يستقبل عادة ضيوفه من موفدين ومسؤولين. وذكرت الرئاسة السورية أن بوتين زار « الجامع الأموي الكبير واطلع على معالمه، كما زار فيه ضريح النبي يحيى عليه السلام (القديس يوحنا المعمدان)، وسجل كلمة في سجل الزوار ». كما زار برفقة الأسد أيضا الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس، التي تعد من أقدم الكنائس في العاصمة السورية، حيث كان في استقباله بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق يوحنا العاشر يازجي، وفق صور نشرتها الرئاسة. ونقل بيسكوف عن الرئيس الروسي قوله إنه « كان يمكن أن نرى بالعين المجردة عودة الحياة بسلام الى شوارع دمشق ». وقال إن الأسد أعرب لبوتين « عن امتنانه للمساعدة التي قدمتها روسيا والجيش الروسي في المعركة ضد الارهاب ومن أجل عودة السلام الى سوريا ». ومع اقتراب النزاع السوري من اتمام عامه التاسع، باتت القوات الحكومية تسيطر على نحو ثلثي مساحة سوريا وتنتشر وحداتها في مناطق سيطرة القوات الكردية في شمال شرق سوريا. ولا تزال منطقة إدلب ومحيطها أبرز المناطق الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية إلا أنها تخضع لاتفاق أبرمته موسكووطهران، حليفتا دمشق مع أنقرة الداعمة للمعارضة. وأوردت الرئاسة السورية ان الرئيسين بحثا « خطط القضاء على الإرهاب الذي يهدد أمن وسلامة المواطنين السوريين في إدلب وتطورات الأوضاع في الشمال السوري والإجراءات التي تقوم بها تركيا هناك ». كما بحث الجانبان « دعم المسار السياسي وتهيئة الظروف المناسبة له ». وجاءت زيارة بوتين المفاجئة الثلاثاء عشية وصوله إلى تركيا، حيث من المقرر أن يلتقي نظيره التركي رجب طيب إردوغان ويبحث معه الحرب في سوريا كما يدشنان أنبوب غاز. وتتزامن زيارة بوتين مع تنامي نفوذ بلاده في المنطقة على حساب الدور الأميركي، وعلى ضوء توتر متصاعد بين طهران وواشنطن خصوصا بعد مقتل سليماني مع قادة آخرين بضربة أميركية قرب مطار بغداد الدولي. ويعد سليماني أبرز القادة الايرانيين العسكريين في المنطقة وهو مهندس الدعم الإيراني للجيش السوري ولمجموعات شيعية موالية لبلاده في العراق ولبنان المجاورين لسوريا. وتوعدت طهران بالانتقام القاسي ردا على مقتله، وكذلك فعلت القوات الموالية لها في العراق، بينما صوت البرلمان العراقي للمطالبة بسحب كامل للقوات الأميركية. ودافع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة عن الضربة التي ق تل فيها سليماني وقال إنه كان يجب أن ي قتل في وقت سابق، محذرا من أن الولايات المت حدة حد دت 52 موقعا في إيران ستضربها « بسرعة كبيرة وبقو ة كبيرة » إذا هاجمت الجمهوري ة الإسلامي ة أهدافا أو أفرادا أميركي ين. وجاء رد فعل بوتين على التصعيد بين إيران وواشنطن مقتضبا ، حيث اكتفى بالتحذير من أن اغتيال سليماني يهدد « بتفاقم خطير للوضع » في الشرق الأوسط. وتحتفظ الولاياتالمتحدة بقوات منتشرة في سوريا كجزء من التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية، يتمركز بعضها في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق البلاد وأخرى في قاعدة التنف الواقعة جنوبا قرب الحدود العراقية والأردنية.