كل من تجرأ على لبس الشورط رجالا ونساء منذ استقلال المغرب، أوقفوهم ولا تستثنوا أحدا، فالسيد الفاضل ممثل الأمة المحترم غاضب ممن يرتدي الشورط ولا نعرف ما الذي يمكن أن يتخذه من قرارات تأديبية في حقهم وحقهن… مناسبة هذه القصة هو انتقالُ فتيات بلجيكيات إلى دوار « أضار وامان » بضواحي تارودانت في إطار مبادرة تطوعية تضامنية من أجل إصلاح طريق الدوار. أما « جريمتهن » فتتمثل في كونهن يرتدين سراويل قصيرة (شورطات). استيقظتْ حمية البعض. ودعا معلمٌ من مدينة القصر الكبير إلى قطع رؤوسهن بسبب استفزازهن لمشاعره… قبل أن يلتحق بالموضوع نائب برلماني عبر تدوينة صريحة… المعلم يؤثر في عدد محدود من تلاميذه وهي كارثة على الرغم من محدودية عدد التلاميذ المعنيين، لكن الكارثة الحقيقية تكمن في موقف النائب البرلماني في تدوينة له على الشبكة الاجتماعية… إنه يستغرب « قيام الشابات البلجيكيات بورشٍ لتبليط مقطع صغير في مسلك بدوار بإقليم تارودانت، وهن بشكل جماعي، كأنه متفق عليه، بلباس يشبه لباس البحر، علما أن مادة الإسمنت معروفة بتأثيرها الكبير على الجلد (يا لَلُّطْفِ والكياسة…)، تسبب له حساسية وحروقا إذا لامسته (إنه يفكر في راحتهن…) ». ليتابع متسائلا: « فهل والحال كذلك تكون رسالتهن من ورش، محمود ظاهريا، هدفها إنساني، أم شيئا آخر (ما هو؟ لا ندري. إنه يشير إشارة خفيفة بالفن كي نفهم لوحدنا بلا معلم…)، في منطقةٍ لا زالت معروفةً بمحافظتها واستعصائها على موجات التغريب والتعري؟؟ » (هذا القول له، كما جاء في موقع هيسبريس والتعاليق بين المعقوفين لي). إنها بدون شك « مؤامرة دنيئة » من لدن تلك الفتيات الغريبات الأفعال والأطوار… لاحظوا الكلمات المستعملة مع إيحاءاتها: « بشكل جماعي كأنه متفق عليه »، « بلبلس يشبه لباس البحر »، « هدفها إنساني أم شيء آخر… »، « التغريب والتعري »… ربما على السيد النائب المحترم أن يخضعَ لتكوين مستمر يذكره بأن الشورط معروف في المغرب منذ زمان وأن بُناة طريق الوحدة كانوا يلبسونه بمن فيهم المرحومان المهدي بنبركة والحسن الثاني (انظر الصور) في حضور محمد الخامس وأن هذا الأخير كان يستقبل النساء بنفس اللباس ويأخذ صورا معهن (انظر الصور)، وأن من بين من رفع راية المغرب عاليا بين البلدان نساء فزن على أقرانهن خلال مباريات ألعاب القوى وقد لبسن الشورط والشورط دون غيره: الرائعات وفي مقدمتهن الصديقة الراحلة فاطمة عوام، يليها كل من نوال المتوكل وزهرة واعزيز ونزهة بيدوان وفدوى سيدي مدان وغيرهن كثير… (انظر الصور مرة أخرى…). الحقيقة أقول: أخجل من أن أعتبر نفسي مواطنا تحت ظل مؤسسات تضم أمثال هؤلاء البرلمانيين، وأشعر بالخزي وأتصور رد فعل الفتيات المتطوعات وقد نما إلى علمهن قول « ممثل » الأمة ذاك. السيدُ النائبُ المحترمُ لا يرى في الفتيات إياهنَّ عنفوان الشباب ولا فضيلة التضامن ولا شرف العمل اليدوي ولا التواجد حيث المغرب المعزول ولا دماثة الخلق ولا جرأة الأنوثة على مشاق عمل الرجال لم يثره إلا أسفل أجسادهن لم يُثَرْ فيه لا الشغف المعرفي ولا الاعتزاز بمبادرة تضامنية بديعة ولم تثره أيدي الشابات الملطخة – شرَفاً – بالخرسانة ولا ابتسامتهن المشرقة، ما أثار نائبنا المحترم هو أسفل الفتيات لا أعلاهن، « عورتهن » المستورة لا الروح التي دفعتهن للتخلي عن عطلة مريحة… كل ذلك بمبررات دينية حسما لكل نقاش محتمل… أفلم يسبقه إلى ذلك نائب محترم آخر حين تهجم على صحفية في البرلمان على اعتبار لباسها لا يناسب مقام المؤسسة النيابية كما يراها؟ لن أتكلم هنا عن تصرف رئيس الحكومة السابق فقد كانت له فضيلة الاعتذار لضحيته ولو بشكل متأخر… لا يا سيدي النائب. هناك نقاش ويجب أن يكون. لست خبيرا في علم النفس لكنني أجازف بالقول أن من يتحرج من جسد النساء في الهيئة التي رأينا عليها متطوعات تارودانت، ليس له بالضرورة دافع ديني. إنه في الأغلب دافع شخصي ذاتي ممزوج برغبات دفينة غير واعية وغير « ملائكية » بالمرة، حتى لا نقول شيطانية… وخشيةُ صاحبها من استعارها دون أن يستطيع تفريغ الطاقة التي وهبته الطبيعةُ إياها مع ما يتطلبه ذلك من إغراء وإقناع أنثاه بكفاءته العاطفية والوجدانية والتدبيرية والعملية وغيرها حتى تطيب نفسها عن طواعية وحب، هو ما يؤرقه ويزعزعه بالضبط… وعندها يظهر له هذا الضمور الوجداني كما لو أن كل النساء بلا استثناء لا كما هُنَّ، أي كائنات آدمية متعددة الأبعاد، بل كائنات محض جنسية، وربما كائنات شيطانية متخصصة في إغوائه هو وأمثاله من الذكور… أتساءل من أين جاءنا هذا الكُساح الروحي، أتساءل حقا من يستحق الاحترام في نازلة تارودانت هاته: هل الشابات المتطوعات أم أولئك الذين هاجموهن على اختلاف مواقعهم، باسم الحشمة والوقار وصولا إلى إهدار دمهن والتحريض على قطع رؤوسهن؟ رد الفتيات المتطوعات لم يتأخر. لقد نوَّعْن من لباسهن والتحفنَ الحايك المحلي واختلطن بالنساء من المنطقة فجاءت صورهن بهية رائعة (انظر الصور) : أنوثةً وإشراقاً وتعبيرا وإدانة لمن لا يرى فيهن إلا ساقين أو إِليتينِ أو مؤخرةً أو فخذين أو ما جاورهما… في تصريحات الشابات إلى الصحافة (انظر موقع شتوكة بريس) صرحت بعضهن « أنهن بصدد اكتشاف بلدة صغيرة (…) يطبعها التسامح والتعايش، ووجدن في ساكنتها، نموذجا للإنسان المغربي المتفتح، المعترف بالتعدد الثقافي والقابل للاندماج مع جميع الجنسيات ». يا لجمال الفعل والقول، يا لكارثتنا في منتخبينا وفي من يعتبرون أنفسهم نخبتنا، يا للفرق بين الأرض والسماء…