«في هذه الظهيرة الرائعة، من التاسع يوليوز من سنة 1929، التي تتدفق فيها شمس منعشة، أطلق طفل صرخته الأولى بالقصر الملكي بالرباط. وقد جرت عملية ولادته في أحسن الظروف الصحية، وبطريقة طبيعية جدا. وقد انطلقت زغاريد النساء ملعلعة في كل الأرجاء كأغنية جماعية رائعة إيذانا بالفرحة العارمة. كان الجميع يبارك هذا الحدث السعيد. بل حتى الإقامة العامة بدورها عبرت عن سعادتها». تعبر هذه السطور التي كتبها عيسى بابانا العلوي، أحد مؤرخي الحسن الثاني، تعبيرا جيدا عن الفرحة الرسمية العارمة التي سادت آنذاك. ومعظم المعلومات المتوفرة عن طفولة ومراهقة ملك المستقبل الحسن الثاني تنتمي إلى نفس السجل. فسواء تعلق الأمر ب«سجل العبقرية الحسنية» (الذي يتكون من 15 جزءا، معظمها عبارة عن خطب وحوارات للحسن الثاني، وقد تم إنجازه بمبادرة من إدريس البصري)، أو تعلق بمصادر أخرى، فإن كل شيء يساهم في إعطاء صورة شاعرية عن الأمير الشاب. ومما يبعث على الاستغراب أن الحسن الثاني نفسه هو الذي خفف من هذه اللوحة الشخصية المجاملة من خلال إثارة، على سبيل المثال، صرامة والده محمد الخامس الذي لم يكن يتردد في معاقبته. في الأرشيفات الفرنسية، وبخاصة الأرشيفات العسكرية، نعثر أيضا على بعض صور الأمير مولاي الحسن: في سنة 1931، بالمعرض الكولونيالي الدولي بباريس، الذي كان يتولى إدارته الماريشال ليوطي، ثم سنوات بعد ذلك تبرزه صورة وهو جالس بين يدي شارل نوغي، المقيم العام بالمغرب من 1936 إلى 1943.وأحيانا تسمح الصدفة بتعميق البورتريه، وهكذا، فإن الكاتب والمحلل النفساني جان تويي، صاحب الكتاب الهام عن «تاريخ ومعجم الجنون»، يتذكر كيف لعب في يوم من الأيام كرة القدم مع الحسن الثاني خلال مباراة جمعت بين فريقي لاروشيل ورويان، قُبيل الحرب العالمية الثانية. وتحت قوة هذه الذكرى، وبدافع من الشعور الإنساني القوي، سوف يهتم تويي كثيرا، فيما بعد، برسم صورة نفسانية للعاهل المغربي.في بداية هذا الصيف من سنة 1929، حدث أن السلطان محمد بن يوسف، الذي كان قد تزوج ثلاث سنوات من قبل بامرأة بربرية اسمها عبلة، ذكية وجميلة في الوقت ذاته، كان موجودا بفرنسا في إطار زيارة رسمية، كان حاضرا بالضبط ببانيير دولوشون. ولأن أمرا ما حال دون عودته السريعة إلى الرباط، فقد طلب أن يُطلق على المولود الجديد اسم الحسن: تيمنا بسبط الرسول (ص)، لكن بالخصوص على اسم جده مولاي الحسن الأول. وكانت الرسالة التي رافقت التماسه واضحة على أية حال: «ادعوا الله عز وجل أن يرعى برحمته الأمير المولود ويهديه إلى طريق سلفه، لينعم بنفس الفضل في الدنيا والآخرة». في حوار أجرته معه مجلة «وجهة نظر، صور من العالم» (العدد 2149، 6 أكتوبر 1989)، بمناسبة عيد ميلاده الستين، حاول الحسن الثاني أن يركز على الظروف.. المرافقة لولادته: «لقد أراد والدي أن أتلقى منذ ولادتي تربية حديثة. لقد حرص على ألا أولد على يد امرأة مولدة تقليدية (القابلة)، وإنما على يد طبيب فرنسي ومولدة فرنسية. وأعتقد أن تلك كانت الثورة الأولى. لا أحد انتبه إلى الأمر، لكنها كانت الثورة الأولى فعلا. كانت كل ملابسي تحمل علامات المحلات التجارية الفرنسية. وأظن أنني كنتُ المغربي الأول الذي ألبستني، منذ الساعة صفر لحياتي، امرأة فرنسية ملابس لم يتم صنعها بالمغرب، بل اقتنوها لي من باريس. وأظن أن أول زجاجة إرضاع دخلت المغرب كانت لي. وأعتقد أن والدي، رحمة الله عليه، أراد أن يؤسس في حياته، انطلاقا من هذه اللحظة، لثورة داخل القصر وضد تقاليد القصر. كان يسعى إلى المحافظة على العادات والتقاليد مع الانفتاح والتطور».لقد كان الطفل، الذي ازداد في برج السرطان، عشرين سنة بعد والده، يتمتع بجاذبية. كان كما يقول عيسى بابانا العلوي: «يتمتع بصحة جيدة وذا جمال أخاذ. كان يسحر كل من يراه بوجهه الطيب واللطيف. لقد كان الطفل الشريف، وهو في مهده الجميل، مضمخا بألطف العطور». إن أبسط ما يمكن قوله، هو أن الطفل الصغير لم يكن ليعاني من الأزمة الاقتصادية المهولة التي بدأت يوم 24 أكتوبر 1929، أي ثلاثة أشهر بعد ولادته، مع ما رافق ذلك من انهيار لبورصة نيويورك، والتي لم يسلم من انهيارها بلد.وبسبب اقتناع السلطان بكون الرحلات تساهم في تكوين الشباب، فقد بعث بابنه إلى فرنسا منذ سنته الثانية. وفي هذه السن كذلك قام أحد المدرسين الفرنسيين، يدعى دوفيل، صحبة وصيفتين اثنتين، استُقدِمتا من فرنسا، بتلقين الابن البكر للسلطان فرنسية بدون لكنة كأنه واحد من الصغار الباريسيين.. في الحلقة السادسة: عندما كان إدوارد هيريو يلعب مع الأمير