صادق قادة الدول الأوروبية في بروكسل الأحد على اتفاق تاريخي حول انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، الامر الذي وصفه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بأنه « مأساة » بعد علاقات مضطربة استمرت أكثر من أربعين عاما. وبعد نصف ساعة فقط من بدء القمة الاستثنائية، أعلن رئيس المجلس الأوروبي في تغريدة على تويتر أن الدول ال27 « أقرت اتفاق الانسحاب والإعلان السياسي حول العلاقات المستقبلية » بين الجانبين. وحددت هذه العلاقة الخاصة في « إعلان سياسي » منفصل عن اتفاق خروج بريطانيا صادق عليه المجلس الأوروبي أيضا ويؤكد أن الاتحاد سيعمل على إرساء « أقرب علاقة ممكنة » مع لندن بعد بريكست. وقال يونكر « إنه يوم حزين. خروج بريطانيا أو أي دولة أخرى من الاتحاد الأوروبي لا يدعو للابتهاج ولا للاحتفال، إنها لحظة حزينة، إنها مأساة ». من جهته، أكد كبير المفاوضين الأوروبيين في ملف بريكست ميشال بارنييه الأحد أن الاتحاد الأوروبي سيبقى « شريكا وصديقا » للمملكة المتحدة بعد بريكست. وقال إنه عمل خلال المفاوضات « الشديدة الصعوبة والتعقيد (…) مع المملكة المتحدة (ولم يعمل) إطلاقا ضدها »، داعيا « الجميع الى الاضطلاع بمسؤولياتهم ». وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي وصلت إلى بروكسل مساء السبت، أكدت في « رسالة إلى الأمة » الأحد أنه « اتفاق من أجل مستقبل أفضل يسمح لنا بانتهاز الفرص التي تنتظرنا ». وصرح رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي « أعتقد أن تيريزا ماي بذلت جهودا كبيرة من أجل اتفاق جيد وبالنسبة للاتحاد الأوروبي إنها نتيجة مقبولة ». شكر قادة الدول ال27 كبير المفاوضين بارنييه « على الجهود المضنية » وعلى « مساهمته في الحفاظ على الوحدة بين الدول ال27 الأعضاء طوال فترة المفاوضات » مع لندن. ورأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بريكست يشكل دليلا على أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى « إعادة تأسيس ». وقال « إنها لحظة حرجة للاتحاد الأوروبي » الذي يحتاج إلى « إعادة تأسيس ». وأضاف « هذا يكشف أن الاتحاد الأوروبي « يعاني ضعفا » لكنه « قابل للتحسين »، واصفا الاتفاق مع لندن ب »الجيد ». وكان توسك قال في رسالة الدعوة إلى القمة « لم يكن أحد يريد إلحاق الهزيمة بأحد، بل كنا جميعا نبحث عن اتفاق عادل. أعتقد أننا توصلنا في نهاية الأمر إلى أفضل تسوية ممكنة »، معربا عن ارتياحه لأن الدول ال27 « اجتازت بنجاح اختبار الوحدة والتضامن ». لكن هذه الوحدة تصدعت في الأيام الأخيرة عندما هددت اسبانيا بالتسبب بإلغاء القمة إذا لم تحصل على ضمانات مكتوبة حول مصير جبل طارق. وبعد مفاوضات شاقة، أكد رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز بعد ظهر السبت أنه تمت تلبية طلبه. وبين الوثائق الملحقة بالاتفاق رسائل من ممثل بريطانيا في المجلس الأوروبي ومن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ومن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز. وتتضمن هذه الرسائل تأكيدات لاسبانيا بشأن دورها في المفاوضات حول العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وجبل طارق بعدما كاد خلاف حولها يطيح بالقمة الأوروبية. وأكدت إسبانيا السبت أنها تلقت ضمانا كافيا من السلطات البريطانية ألا تشمل اتفاقات لندن المقبلة مع الاتحاد الأوروبي جبل طارق في شكل تلقائي. إلا أن ماي أكدت السبت أنها « فخورة بأن جبل طارق بريطانية وسأبقى دائما إلى جانب جبل طارق »، مشددة على أن موقف المملكة المتحدة بشأن السيادة على هذه المنطقة « لم ولن يتغير ». عبرت دول أخرى أعضاء في الاتحاد في نهاية المفاوضات عن قلقها وطلبت ضمانات في مجالات أخرى مثل حقوق صيد السمك في المياه الاقليمية البريطانية في المستقبل. وهذه القضية العزيزة على قلب فرنسا وإسبانيا خصوصا لم تحل في اتفاق الانسحاب الذي ينص على ضرورة التوصل إلى تفاهم بشأنها بحلول منتصف 2020. ويؤكد أعلان ألحق بمحضر القمة من جديد أن اتفاقا حول صيد السمك يشكل « أولوية » ويجب التفاوض بشأنه مع المملكة المتحدة « قبل انتهاء المرحلة الانتقالية » في نهاية دجنبر 2020. وهذا الإعلان يتضمن قضايا أخرى تتعهد فيها الدول ال27 التزام « الحذر » حيال لندن في تطبيق الاتفاقات المتعلقة بها، مثل « المنافسة النزيهة » في المجال الاقتصادي. وأمام الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة 17 شهرا للتفاهم حول « اتفاق الانسحاب » و »الإعلان السياسي » الذي يحدد أطر العلاقات في مرحلة ما بعد بريكست، خصوصا على الصعيد التجاري. ويحل اتفاق الانسحاب خصوصا قضية الفاتورة التي يفترض أن تدفعها لندن للاتحاد الأوروبي بدون أرقام، وينص على حل مثير للجدل لتجنب العودة إلى حدود فعلية بين جمهورية إيرلندا ومقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية.