بعد صدمة « فتاة الطوبيس » العام الماضي، صعق المغاربة مرة أخرى بتسريب فيديو « واش معندكش اختك » يوثق محاولة شاب اغتصاب تلميذة ونزع سروالها بالقوة، وتوثيق ذلك من طرف صديقه. وتسبب الفيديو في غضب عارم وتحولت صرخة « واش معندكش اختك » إلى هاشتاغ غزا مواقع التواصل الاجتماعي وكان بمثابة الشرارة التي أعادت الحديث والنقاش بخصوض قضية الاغتصاب والاندحار الاخلاقي الذي يعرفه المجتمع المغربي، وأين يكمن الخلل والعطب؟ وهل تحولت قضية الاعتداءات الجنسية إلى ظاهرة . وفي هذا الصدد قال سعيد بنيس، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، « إذا توالت الفيديوهات التي تشهد وبالمباشر على حالات الاعتداء والاغتصاب الجنسي سوف نكون ليس أمام عطب بل امام ظاهرة اجتماعية يتوجب على الباحث في أول مقام تصنيفها وتوصيفها، هل هي ظاهرة جديدة يكتشفها المجتمع أو مستفحلة قديمة تم احيائها من جديد لتوفر سياقات ملائمة ومشجعة ». وتابع قائلا « أم هي ظاهرة تدخل في صنف السلوكات الشبابية التي تلتصق بجيل من الأجيال يعبر من خلالها على تواجده في المجتمع وتميزه داخل مجموعته بمعنى ان الشاب لا يرى في فعل الاعتداء او الاغتصاب فعلا سلبيا يشجبه المجتمع بل فعلا يمت إلى تمثلات حول الرجولة والقوة والكمال الاجتماعي » وأضاف بنيس في تصريح خص به « فبراير » « في كلتا الحالتين – انطلاقا من كون فعل الاعتداء الجنسي او الاغتصاب ظاهرة اجتماعية أو سلوكا اجتماعيا لا يمكن للباحث إلا ان يخلص إلى اعتبار هذا الفعل مؤشرا يدخل في خانة تراجع وافلاس القيم الاجتماعية مما ينذر باحتباس قيمي يجد تجلياته في زعزعة منظومة العيش المشترك والرابط الاجتماعي وتقويض النظام الاجتماعي ». وشدد المتحدث نفسه أن ذلك يدفع إلى مسائلة دور محاضن التنشئة بما فيها الأسرة والمدرسة وجمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمؤسسات الحكومية في الحد من هذه الأفعال التي تمتح من ثقافة العنف والكراهية. هل هذه المحاضن والمؤسسات استقالت من مهام التنشئة والتأطير أم أصبحت في شرود تام لعدم استيعابها لعالم ومرجعيات شريحة مجتمعية أصبحت خارج سيطرتها وتعاني من تيه قيمي صارت فيه مكاشفة ومشاركة العنف والاعتداء قيمة و »نبلا رجوليا » وبخصوص الحلول المقترحة لمعالجة من هذه القضايا قال بنيس « في هذا السياق تبدو المقاربة الامنية والقانونية وحدها كفيلة بالحد من هذه الظواهر لكنها لن تضمن انها لن تتكرر، فمن الضروري ايلاء الاهمية إيضا إلى التجريب والمعاينة والمتابعة للحالات بمنهجية علمية متعددة التوجهات (علم الاجتماع – علم النفس – علم الاجرام – …) للتمكن من امتلاك حيثيات الظاهرة وترصيد النتائج لتفعل في إطار تمكين مجتمعي يتيح فرصة استشراف تنشئة مستدامة موجهة للأجيال المستقبلية لكي لا تسقط في نفس السلوكات والانحرافات، لان في إطار التفاعل ومعالجة الإشكالات المجتمعية لا يشكل الردع حلا جدريا ». من جهتها قالت رقية أشمال، باحثة في قضايا الشباب إن « حالة الاعتداء على حرمة الجسد من خلال محاولة اغتصاب للفتيات ، وتجاوزها من الفضاءات الخاصة إلى فضاء عام (الشارع ) وقبلها حالة (الحافلة ) ، وغيرهما من الحالات المتواترة بشأن العنف على أساس الجنس الذي تتعرض له النساء والشابات و الأطفال بالرغم من أن والحالة هاته تتزامن و المصادقة على قانون العنف ضد النساء ، ذلك ما يفيد أن الخلل القيمي المجتمعي أكبر و أعقد من انتصار مجموعة على حساب اخرى في صياغة نص قانوني ما ، كما تعبر عن استقالة جماعية لمؤسسات التنشئة الاجتماعية وعن الانفلات الأمني الخطير الذي يشهده المجتمع ». وترى أشمال أن « المشترك في الوقائع المتواترة الحديثة هو سمة الفاعل الجاني المُراهقة ؛ هاته الفئة التي استقالت عن تأطيرها كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية (إلا النزر من بعض المبادرات المدنية اليتيمة ) وفي طليعة نفض الأيدي عن تأطير هذه الفئة ؛ مؤسسات الدولة والقطاعات الوصية على الشباب و الطفولة » . وأشارت المتحدثة نفسها، في تصريح ل »فبراير » إلى أن » تنامي مؤشرات « الحكرة التضامنية الجماعية » على الحلقة الأضعف في المجتمع وتحول قيم التضامن الجماعي من تقديم العون لحالة إنسانية أو حتى حيوانية في حالة عجز إلى التطبع مع حالات التضامن لأجل الاعتداء الجماعي ، وهو ما يفسره في حالة فتاة بنكرير ؛ ملتقط الفيديو بأريحية لتوثيق الاعتداء عوض تقديم المساعدة للفتاة في حالة خطر ، وهو مشهد يكرر في سيناريو مختلف واقعة الفتاة في وضعية صعبة (حالة الاعتداء بحافلة « وتساءلت أشمال عن المسؤول عن تشرب هؤلاء الصفات الوحشية عوض الأدمية ؟! من الذي يوجد في وضعية إعاقة قيمية ؟! أمثال هؤلاء المراهقين الجانحين أم المجتمع ؟ ». وترى الباحثة في قضايا الشباب أن » الحالات الصادمة المتكررة لن تنفع معها فقط مختبرات السيكولوجيا و السوسيولوجيا التي تلزمها آجال للبحوث بما تتطلبه شروط البحث الرصين ، بل يجب دق ناقوس الخطر للدولة لتعيد الاعتبار للقيم وتلتفت نحو مشاهد التحول القيمي الخطيرة التي يشهدها المجتمع .. إنها أدغال إفريقيا من ترحل إلينا وتتطبع مع كبتنا بكل ما صنعته المخيلة من تمثلات عن غاباتها الموحشة ». واعتبرت أشمال أن الحاجة ملحة لتعاقد مجتمعي ينتصر لقضايا المجتمع وليس للتقاطبات التي تضيع على القضايا الإنسانية الزمن القيمي و التنموي قبل السياسي .. وثانيا لبلورة سياسة عمومية مندمجة للشباب ، مدمجة أيضا لتطلعات والأجوبة المرجوة لأجيال اليافعين /المراهقين .. هاته الفرص الضائعة نحو المجهول الفاحم، معتبرة أن ذلك يفسر هشاشة المنظومة القيمية من ناحية وهشاشة المقاربات ومحدوديتها عند إنتاج المنظومة القانونية التي من شأنها حماية النساء والشابات في ظل غياب سياسات دامجة لهن بما تفرضه من نظام الحماية النفسية والجسدية أولا . وأضافت أن الاعلام بدوره له مسؤوليات بالغة في الحد من هاته الظواهر المشينة ببلورة برامج تحسيسية تنضبط لقواعد القيم المجتمعية .. غير ذلك لن تظل الحالات التي نسمع عنها هنا وهناك مجرد حالات معزولة بل تؤسس لمجتمع يعيش على الانفلات القيمي بمباركة مجتمعية تطبعية في غياب حصانة تربوية تفرق بين ما يجب ان يتقاسم وما لا يجب . من جهته اعتبر الباحث والمفكر إدريس الكنبوري، أن ما حصل يبرهن على إفلاس النظام التعليمي بما هو نظام لإعادة إنتاج وتسويق القيم، مضيفا أن « المدرسة لم تعد منتجة للقيم الأخلاقية والمنظومة التعليمية فشلت والنقاش المستمر حول إصلاح التعليم منذ عقود دليل على الفشل وأضاف في تصريح خص به « فبراير » المقاربة الأمنية ضرورية لأن من وظائف الدولة الزجر، لكنها يجب أن تكون مصحوبة بالمقاربة التربوية، واليوم نحن في حاجة إلى حوار وطني حول التعليم والقيم ».