قالت المدونة جهاد محمد التابعي في مقال لها بعنوان « هذا ليس شرفي! » الذي حاز إعجاب الكثيرين، « على سبيل السخرية، إذا كان الأمر كذلك وإذا كان بعض الرجال يتزوجون من أجل العذرية وليس من أجل المرأة ذاتها- فكم سأطلب مهراً لعذريتي؟ ». وأضافت في مقال لها منشور « هافينغتون بوست عربي » بالقول : « لنحسبها إذن.. السنة بها 365 يوماً، واليوم به 24 ساعة، وقد عشت 24 عاماً، ولنعتبر كل ساعة حافظت فيها على عذريتي من أجل أن يتسلمها رجل مجهول قيمتها 6 جنيهات بواقع قرش لكل دقيقة، كل دقيقة جلست فيها مُغلقة ساقيّ بخوف ». المقال كاملا حتي اليوم، أكون قد احتفظت بغشاء بكارتي 24 عاماً.. تبنّيت فيها أفكاراً جريئة متحررة من القيود، لكن ساقيّ ظلتا مرتعشتين حول قطعة الجلد التي يرهن المجتمع قيمتي ومستقبلي وسمعتي بها. الجميع يسألني طوال الوقت، بشكل مباشر أو غير مباشر: هل ما زلتِ عذراء؟ وإذا لم.. فمع من؟ ومتي فقدتِ عذريتك؟ الجميع يمنح نفسه الحق ليتحكم في جهازي التناسلي. تقدَّم لي عريس تلقَّى تعليماً عالياً بدولة أوروبية، يبدو عليه التحرر، في شكلة وآرائه، يقول لي إنه يحترمني ويحترم المرأة ويراها إنساناً كاملاً وليست تابعة للرجل، صدَّقته بعض الوقت، كدت أحسد نفسي لأنني محظوظة جداً إلى هذا الحد، محظوظة لدرجة أنني أجد رجلاً من بيئتي ومجتمعي مع التعديلات الثقافية التي تمنيتها، رجلاً لن يقيّمني بصوتي الخفيض أو أكمامي الطويلة؛ بل بعقلي. لكنه بعد مرور قليل من الوقت، بدأ يسألني تدريجياً عن حياتي الماضية، عن طفولتي، ثم مراهقتي، ثم شبابي، عن خفقات قلبي الماضية، ثم تسلل سهواً لسؤال عن حدود علاقتي بمن أحببت من قبلُ، وفضحتْه ابتسامة نصر واسعة ونفَس عميق استنشقه بقوة عندما علم أنني لم أمنح غشائي لأحد بعد! وأنه عندما سيتزوجني سيصبح « سبْع البرومبة » الأول، أظهرتْ تعبيراتُ وجهه ما أخفاه بكلماته المتحررة. أعطى لنفسه الحق في سنواتي الماضية؛ لأنه فقط أراد أن يتزوجني في سنواتي القادمة، لكن ليس هو فقط، فحتي المارة بالشارع يمنحون أنفسهم الحق نفسه أيضاً. كنت أسير في الشارع منذ أيام، أحاول تجاهل كلمات التحرش المعتادة، أحاول تجاهل تلك الضحكة الرقيعة التي يطلقها شاب يجلس خلف صديقه فوق موتيسكل (دراجة نارية) وهما يمران بي ثم يبطئان، وتلك النظرات اللاهثة التي تخترق صدري، وكلمات الإعجاب، والشتائم، والوصف الصريح لرغباتهم الجنسية! كل هذا حاولت أن أتجاهل أنني أسمعه؛ لأنه صار واقعاً ثابتاً كل يوم؛ لأنني صرت أتوقع كل كلمة، وأتوقع من يمكن أن يقول ماذا، إنه برنامج يومي متكرر. لكن هذه المرة كنت أعبر شارعاً ضيقاً، وشابان واقفان على الجانب الآخر يشير أحدهما عليّ ويقول لصاحبه: » بص المَرَة الجامدة دي »، فردَّ صاحبه نافياً: « لا ياعم دي مش مَرَة دي بنت بنوت »! ذُهلت.. كيف سمحا لنفْسيهما بالتدخل في خصوصية جسدي إلى هذا الحد، وتخمين إذا ما كنت عذراء أم لا، كيف سمحا لنفسيهما بأن يقيماني ويخترقاني. فكرت كيف ومتي يمكن أن تنتهي علاقتي بهذا الغشاء؟ ربما لزوج سيدفع لي مهراً لأنني عذراء، ويسألني ويسأل عني كثيرً؛ ليتأكد أنني عذراء، وسيضعني في اختبارات كثيرة ليتأكد أنني لست سهلة، وليس لدي ميل نحو الرجال، وأنني باردة مؤقتاً حتي يفض بكارتي فأضغط على زر التشغيل لأتوهج من أجله! زوج لن يقبل بدفع المهر نفسه لي لو كنت مطلقة؛ لأنه يدفع من أجل الغشاء، ولأنه يرى أن صاحبة الغشاء أضمن وأفضل، ولأنه يراني علبة زبادي لا بد أن يتسلّمها مغلفة جيداً. لكنني أحلم بليلة زفاف لا ليلة امتحان! على سبيل السخرية، إذا كان الأمر كذلك وإذا كان بعض الرجال يتزوجون من أجل العذرية وليس من أجل المرأة ذاتها- فكم سأطلب مهراً لعذريتي؟ لنحسبها إذن.. السنة بها 365 يوماً، واليوم به 24 ساعة، وقد عشت 24 عاماً، ولنعتبر كل ساعة حافظت فيها على عذريتي من أجل أن يتسلمها رجل مجهول قيمتها 6 جنيهات بواقع قرش لكل دقيقة، كل دقيقة جلست فيها مُغلقة ساقيّ بخوف، كل مرة ارتعبت من استخدام » الشطافة » إذا اندفع الماء بقوة فيها، كل مرة حذرتني فيها النساء من ممارسة أي رياضة تحتاج لأن أستخدم ساقيّ، كل مرة لم أجرؤ فيها علي ركوب العَجَل (الدراجة)، وكل مرة داهمتني هرموناتي ومُلئت رعباً من قضاء حاجتي السرية، كل مرة أطلقت لساقيّ الريح إذا مررت بشارع هادئ؛ خوفا من أن يغتصبني أحدهم، فتتدمر حياتي، كل مرة نسيت فيها ميعاد دورتي الشهرية و »سابت مفاصلي » حينما رأيت قطرات دم على ملابسي الداخلية، يظل قلبي يخفق حتي اليوم التالي؛ لأتأكد أنه دم متواصل للدورة الشهرية وليس قطرات البكارة! أن تحتفظ بشيء لأجل أن تُرضي نرجسية شخص مجهول لم يحتفظ بشيء مماثل، ولم يلزم نفسه بك إلا منذ عرفك في أحسن الأحوال إذا كان رجلاً معتدلاً- فهذا أمر لا يمكن أن تقبله على نفسها حُرّة، أمر لا يمكن أن يساوي مهراً، أمر مبالَغ فيه، وإذا كان له مهر يوازيه فلأطلب 5 مليارات دولار! نعم، إنه رقم تعجيزي نرجسي، تماماً كالطلب الذي يلزمني المجهول به! ما زالت هناك فتيات في أقاصي الصعيد يطقطقن أصابعهن هلعاً يوم زفافهن، غارقات تحت عَرَق بارد، ورجل يحاول إثبات ذكائه في الاختيار.. حياتهن مرهونة بقطعة قماش ملوثة بالدم، يُكتب لهن عمر جديد حينما يخرج الزوج ويرفعها بفخر في وجه عائلتيهما والمعازيم الذين ينتظرون خارج الباب.. نعم، رغم ادعائنا الدائم للحياء، ما زالت هناك « دُخلة بلدي » (زفاف) تخدش كل معنى للحياء لدى امرأة يُطلب منها ممارسة الجنس جبراً، بينما الجميع يتربص وينتظر النتيجة بالباب! ما زال هناك عرسان يطلبون من خطيباتهم شهادات إثبات عذرية! ما زالت هناك أُسر تجري على الطبيب عندما تتعرض فتياتهن للاغتصاب؛ ليطلبوا منه فوراً وقبل كل شيء شهادة تثبت أنها فقدتها في الطفولة دون شهوة ودون ذنب، يطلبون الشهادة قبل أن يطلبوا إنقاذها والإطمئنان على صحتها. ما زالت هناك فتيات تنتحر أو تُقتل أو تعيش بلا حق في حياة طبيعية؛ لأنها فقدت هذا الغشاء يوماً ما، لأي سبب حتى لو كان لحظة من الضعف أو المتعة، يفرض عليها المجتمع ثمناً غير منطقي مهما تابت ومهما استقامت. لكنه يعتبِر اللحظة نفسها لدى الرجل نزوة خفيفة الظل، أو روشنة، أو طيش شباب أو حق وطبيعة جسد! وكأن ما تحمله المرأة ليس جسداً لديه رغبات مثل الرجل. وما زالت -ورغم تظاهرنا بأن كل شيء مثالي- فتيات يتحايلن على فخ المجتمع المنصوب لهن إذا فقدن عذريتهن، بإبقاء الغشاء وفعل كل شيء، ليصبحن صاحبات عذرية إكلينيكية، ديكور لكنها لا ترمز إلى أي فضيلة؛ لأنها بالفعل كذلك ليست رمزاً مرادفاً للشرف. لكني أيضاً لا أستطيع أن أمنحه لعشيق يدّعي التحرر ليحصل على مراده، بينما لن يفكر قبل دفن أخته حيةً إن رآها في أحضان رجل مثله، رجل يدّعي التحرر ويبجّلني بصوت عالٍ بينما شرقيته الدفينة تحتقرني في داخله، رجل يدّعي التحرر ليصنفني خليلة مناسبة للمعاشرة، بينما يختار زوجة بغشاء جديد لتناسب غروره وذكوريته. لن أمنحه لأحد يساومني عليه كمفتاح يتسلّمه مني عند الزواج، لن أمنحه باستسلام لزوج، ولا بضعف لعشيق. سينزعج مني ذكور كثيرون.. لكنّ رجل أحلامي الذي أبحث عنه هو رجل سَوِيّ لا يجد لذة في فقء قطرات من الدم ليلة عرسه، لا يجد لذة في جرح شريكته في ليلتهما الأولى ليتأكد أنه حصل على « بضاعة مغلفة بالسولوفان ». الرجل الذي أبحث عنه ينتظر امرأة لا تنظر إلى الأرض في انكسار نحو ساقيها، ولا تستمد قيمتها من بقعة دم، الرجل الذي أبحث عنه سألتقيه وأنا حُرة، لن يساومني ولن أساومه.. لن يدّعي لي أنه لم ير امرأة من قبلي ولن أوهمه بأنني « قُطة مغمضة ». لننهِ مشاهد اللطم والولولة في الأفلام والمسلسلات، المشاهد التي تتكور فيها البطلة، وتشعل في نفسها النار، أو يقتلها أهلها بدم بارد، أو تتشرد وتفقد مستقبلها وتتحول لبائعة هوى؛ لأنها فقدت غشاء.. لننهِ أنفاس الفتيات اللاهثة خوفاً في عيادات أطباء « بير السلم » وهن ينتظرن إجراء عملية ترقيع تنقذ حياتهن، وتفتح لهن صفحة حياة جديدة! هذا ليس شرفي، هذا ليس دليلاً على أنني لم أضاجع أحداً، هذا ليس مقياساً لأي فضيلة؛ لأن العذرية الحقيقية أشياء كثيرة ترافق الروح والعقل لا الجسد، الشرف هو ألا تتخلى عن ضعيف يحتاج إليك، أن تكون أقوى من شهواتك عندما لا تمنعك عنها أية حواجز، أن تنتقي تصرفاتك، ألا تدّعي الفضيلة، وألا تتسبب متعتك في إيذاء أحد، أن تلتزم بكلمتك دون سيف فوق رقبتك، فنحن لا نستطيع أن نحكم على الذي يقول الصدق تحت تهديد السيف بأنه صادق، ولا عن المرأة التي تحفظ جسدها خوفاً من الرجم بأنها شريفة، الشرف هو أن تلتزم بالفضائل دون أن يُجبرك أحد عليها/