لم تكن العلاقات المغربية الإسبانية طيلة العقد الأول من هذه الألفية تخرج من أزمة حتى تدخل أخرى. كان أول هذه الأزمات سحب المغرب لسفيره الأسبق في مدريد عبد السلام البركة في سنة 2001، ثم جاءت قضية جزيرة "ليلى" في يوليوز 2002 لتضع شَفْرتها الحادة على شعرة معاوية بين البلدين، حتى إنها كادت تقطعها ويصل البلدان إلى مواجهة عسكرية لولا التدخل الحازم لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، وكانت هذه الأزمة الخطيرة في عز حكم الحزب الشعبي الذي لم يكن زعيمه آنذاك، خوسيه ماريا أثنار، يكن ودا كبيرا لجاره الجنوبي وينظر إليه إلا كمُصدِّر للشرور. ثم كانت هناك أزمات أخرى مثل الاعتداء على المهاجرين المغاربة في إليخدوا وإتلاف المنتوجات الفلاحية المغربية التي كانت تمر عبر التراب الإسباني إلى الأسواق الأوروبية، وكذلك موقف إسبانيا من البوليساريو وقضية أميناتو حيدر... إلخ. وقبل هذا وذاك، هناك القضية الأزلية التي تحول دوما دون حدوث أي صفاء كامل في سماء العلاقات بين البلدين، قضية استعمار مدينتي سبتة ومليلية. حيث كان كل من يطمح إلى دخول قصر مونكلوا، (مقر الحكومة الإسبانية) يلعب ورقتي المدينتين المغربيتين المحتلتين، قصد تعبئة أصوات اليمين الإسباني بالانحياز. وهذا ما قام به كذلك ماريانو راخوي، رئيس الحزب الشعبي في الانتخابات التي حقق فيها حزبه تقدما تاريخيا، وإن كانت الأزمة الاقتصادية الخانقة قد استحوذت على جانب مهم من اهتمامات الناخبين الإسبان في هذا الاستحقاق. فرغم هذه الأزمة، التي كانت تعطيه لوحدها تقدما على منافسيه الاشتراكيين، فإن راخوي لم يتردد، في شتنبر 2010، في القيام بزيارة لمدينة مليلية، لتقديم الدعم لرئيس الحكومة المحلية الذي كان يدافع عن أفكار معادية للمغرب. أكثر من ذلك، كان حزب راخوي بتجمعاته يحذر من أنه في حال فوز الاشتراكيين ف"ستعود مليلية وسبتة للمغرب". وهذا الشعار لوحده يكشف عمق استراتيجية الحزب اليميني. لذلك فوصول راخوي، بكل ملامحه الوديعة التي تضفي عليه منظرا ودودا، إلى الحكم في إسبانيا يعتبر عبئا إضافيا بالنسبة لأي حكومة مغربية جديدة ستنبثق عن انتخابات 25 نونبر. فبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المغرب، سيكون على رئيس الحكومة القادمة تدبير العلاقات مع الحزب الشعبي الإسباني الذي ينهج اتجاه المغرب سياسة لا تخلو من عدوانية على عكس الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني وزعيمه خوسيه لويس ثباتيرو، والذي كان يدافع عن مصالح المغرب في الاتحاد الأوروبي. فرغم أن حزب "ماريانو راخوي" يعتبر المغرب "شريكا مهما" إلا أنه لا يحظى لديه بالأولوية.
الطريق إلى ال"مونكلوا" انتظر "راخوي" فرصته لتولي منصب رئيس الحكومة في إسبانيا منذ سبع سنوات، أي منذ فشل الحزب الشعبي الذريع في انتخابات مارس 2004. وحسب واضع سيرته، "غراسيو بالومو"، أصبح الإسبان يبحثون عن رئيس حكومة لا يجسد شخصية "جورج كلوني" (في إشارة ضمنية إلى ثباتيرو الوسيم)، وإنما يريدون رئيس حكومة جدياًّ وقادرا على تدبير الاقتصاد بشكل أفضل، ويبحثون عن شخصية براغماتية قادرة على عقد التحالفات. وفيما يخص وضعيته العائلية فقد ولد راخوي، الذي يرى فيه الإسبان هذه المواصفات هذه الأيام، سنة 1955 بمدينة "كومستيل" بشمال غرب البلاد، وكان والده يزاول مهنة القضاء، وله أربعة أشقاء، ولم يتزوج إلا بعد بلوغه واحدا وأربعين سنة وله من زوجته ولدان. ويبدو أن الشاب ماريانو كان لامعا في دراسته إذ حل في المرتبة الأولى في مباراة ولوج الوظيفة العمومية بعد حصوله على شهادة في الحقوق، وكان سنه آنذاك لا يتعدى الرابعة والعشرين، وتولى منصب محافظ على الرهون. انخرط ماريانو راخوي في العمل السياسي في البداية في ظل "مانويل فراغا" وزير السياحة السابق خلال فترة حكم فرانكو. غير أن قدراته الفائقة في العمل أثارت انتباه "خوسيه ماريا أثنار" رئيس الحكومة خلال الفترة المتراوحة ما بين 1996 و2004. فعهد إليه بأربعة حقائب على التوالي: الوظيفة العمومية والثقافة والتربية الوطنية والداخلية. وكان "يعتبر رجل كل الملفات". ولكن نجم ماريانو راخوي سيلمع فعلا في 2004عندما رشحه "أثنار" لخلافته، وكان كل شيء مهيئا لاستمرار الحزب الشعبي في الحكم، لولا الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مدريد قبل ثلاثة أيام من اقتراع مارس 2004 وإصرار أثنار على تحميل المسؤولية لحركة "إيتا " الانفصالية. مما جعل الرأي العام ينقلب عليه ويفتح أبواب قصر "مونكلوا" لمرشح الحزب الاشتراكي، الشاب الصاعد "خوسيه لويس ثباتيرو". لم يتقبل "ماريانو راخوي" أبدا هذه الاندحار غير المنتظر. فبذل جهدا كبير لاستعادة الحكم ولكنه فشل مجددا في 2008 في إزاحة "ثباتيرو" من كرسي الحكم، بل وكاد يفقد حتى كرسيه في الحزب الشعبي. فبعد إعلان النتائج ولمدة 48 ساعة كاملة لم يعرف أحد مكانه، وظن الجميع أن الرجل جمع حقائبه وغادر حلبة السياسة إلى الأبد. ويقال إنه لم يتمكن من المحافظة على كرسيه على رأس الحزب سوى بدعم "بارونات" السياسة في الحكومات الإقليمية. ويقال إن الرجل، الذي يحق له الآن تلمظ فوزه التاريخي وإن كانت موجة الظروف الاقتصادية الصعبة هي التي حملته إلى كرسي الحكم، قد استطاع مع مرور السنين فرض نوع من الاعتدال داخل الحزب الشعبي الذي كان سلفه خوسيه ماريا أثنار يجنح به إلى أقصى اليمين، ويبدو أنه تحرر من تأثير عرابه السابق. وسيكون عليه حاليا أن يحاول طبع قصر "مونكلوا" بطابعه الخاص كما فعل أسلافه الثلاثة منذ الانتقال الديمقراطي الإسباني: فيليبي غونزاليس الكاريزمي، وخوسيه ماريا أثنار، المثير للزوابع، وخوسيه ماريا ثباتيرو الوسيم. لقد تفادى ماريانو راخوي الدخول في تفاصيل سياسته الخارجية إلا من تلك الرسائل الملتبسة التي كان يوجهها نحو المغرب. وإذا كان قد تحرر من سطوة أثنار، فيمكن أن يظل تحت ضغط حليفيه اللذين يسيران كلا من سبتة ومليلية. ورغم كل ما يقال عن اعتداله، فإن الكثيرين رأوا في عزله للناطق باسم نواب الحزب الشعبي في الغرفة السفلى بالبرلمان الإسباني، "غوستافو دو أرستيغي"، فقط لأنه متزوج بمغربية ولأنه يرتبط بعلاقات جيدة مع مسؤولين مغاربة، رسالة مبطنة تظهر ملامح سياسته المتوقعة تجاه جيرانه في الجنوب.