تمكنت الحركات الاحتجاجية والاجتماعية من خلق دينامية اجتماعية و سياسية، وأعادت بناء العلاقة بين الفعل الاحتجاجي والقرار السياسي. ويثير الفعل الاحتجاجي بالمغرب أسئلة كثيرة من قبيل: كيف تؤثر الحركات الاجتماعية و الاحتجاجية بقوة في في صنع القرار السياسيي ؟ وهل تجاوزت هذه الحركات الأحزاب السياسية في الضغط على صناع القرار بالمغرب؟ خاصة حين يلاحظ المتتبع للشأن المغربي كيف أضحت دينامية الفعل الاحتجاجي تؤثر على مسار الأحداث السياسية بالمغرب /دستور 2011/ خطاب 9 مارس. وقال عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش،إن « الملكية تتأثر باحتجاجات وهذا أمر محسوم « ، متسائلا: » لماذا أصدر الملك بلاغ حول البيدوفيلي « دانييل » وبلاغ ثان تأسف فيه ». وأضاف أستاذ العلوم السياسية » في بداية احتجاجات 20 فبراير لم يبد الملك أي تجاوب خلال تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولكن بعد أيام جاء الملكي بمضمون أني أجيب على مطالبكم بما فيها الدستورية ». في اتصال هاتفي مع « فبرير ». وتابع العلام » الملك شكل لجنة البحث والتحري في مشاريع الحسيمة بفعل الاحتجاج « ، مردفا » في ظل غاب مؤسسات الوساطة والبرلمان تبقى الاحتجاجات وسيلة لإسماع صوت المواطنين ». من جهته قال العربي ايعيش، باحث في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريح خص به « فبراير »، لقد » بلغ أوج الاحتجاجات بالمغرب مع حركة 20 فبراير، التي كانت السبب المباشر في التعديل الدستوري لسنة 2011 وبالتعجيل بالانتخابات التشريعية قبل موعدها بأشهر، وبإعادة النظر في وضع الحكومة داخل الوثيقة الدستورية » ،مضيفا » على اعتبار أن هذا التعديل الدستوري وقبله الخطاب الملكي للتاسع مارس الذي أعلن عن رغبة الدولة في التعامل إيجابا مع مطالب الشارع لم يكن في أجندة الفاعلين الأساسيين في بلورة القرارات الكبرى ». وأضاف الباحث في العلوم السياسية » أصبحت الاحتجاجات تؤثر بشكل كبير في القرار السياسي، أخرها أحداث الحسيمة التي استمرت زهاء 9 أشهر وأدت إلى إعفاء بعض المسؤولين الإداريين أساسا، وانتقال وزراء لعين المكان لمعاينة الأوراش المفتوحة مع حرمان وزراء القطاعات التي لها صلة مباشرة بمشروع الحسيمة منارة المتوسط من العطلة الصيفية وهذه سابقة في المغرب، ولا ننسى كذلك فتح تحقيق لمعرفة أسباب تعثر المشروع وعدم إنجازه في وقته… في انتظار ما قد يترتب على التقرير من قرارات إقالة وزراء أو إعفاء مسؤولين ». وتابع نفس المتحدث » كما أثر هذا الاحتجاج بشكل غير مباشر على المشاريع التي ستوقع مستقبلا أمام الملك، حيث أكد البيان الصادر عن المجلس الوزاري الأخير والذي تلاه الناطق الرسمي باسم القصر على ضرورة أن تستوفي جميع المشاريع قبل توقيعها أمام الملك جميع الضمانات لإنجازها من موارد مالية وبقع أرضية لأن أحداث الحسيمة أحرجت القصر، لأنها خاطبته بشكل مباشر ورفضت كل قنوات الوساطة من أحزاب ونقابات وجمعيات ». وزاد قائلا « كل هذه المعطيات تبين أن الاحتجاجات تؤثر في القرارات السياسية خاصة من خلال الأثر الذي تحدثه، سواء عن طريق إنتاج منظومة تشريعية جديدة وإعادة النظر في حجم اختصاصات وصلاحيات المؤسسات، أو عن طريق ما تسببه من إعفاءات في حق مسؤولين عموميين خاصة الوزراء ». وخلص ايعيش الى ان » الاحتجاجات أصبحت تؤثر في القرار، خاصة إذا استطاعت القيام بتعبئة كبيرة من جهة، وإذا استطاعت الاستمرارية من جهة ثانية، وكذا إذا أحسنت التقطت الظرفية المناسبة للقيام بذلك ». من جهتها قالت نادية العبون، باحثة في علم الاجتماع السياسي بجامعة محمد الخامس بالرباط، بخصوص عدم استطاعة الأحزاب السياسية الدفع في اتجاه تعديل دستوري، عكس حركة 20 فبراير وتشكيل لجنتين للبحث في تأخر مشاريع الحسيمة،بفعل حراك الريف، من طرف الملك،إن » هذا مرده، في رأيي، إلى عاملين، هما ضعف الأحزاب السياسية، أو بالأحرى إضعافها سواء عبر دمج المعارضة في السلطة السياسية، كما وقع مع حكومة التناوب، أو عبر تقديمها لمجموعة من التنازلات كي تشارك في السلطة، مثل حالة حزب العدالة والتنمية ». وتابعت » والعامل الثاني، المجال العمومي الذي مأسسته الدولة في التسعينات، وتسامحت فيه بشكل كبير، ومتواتر، مع احتلاله من طرف حركات غير تقليدية، ليست بتنظيم. وهذا المجال يشكل قوة، باعتبار أنه يؤدي إلى ما يسمى بحسب أدبيات الحركات الاجتماعية، بالفعل المباشر l'action directe، بحيث يتم الاحتجاج بشكل مباشر في الشارع في غياب أية وساطة، بمعنى أنه شكل مستقل عن الحقل السياسي، لا يسعى إلى السلطة، وإنما يريد أن يؤثر على السلطة ». في تصريح ل »فبرير ». وأشارت نفس المتحدثة الى أن « هذا يؤدي إلى شيئين، هما أن مثل هذه الحركات غير قابلة بشكل كبير، مقارنة بالأحزاب السياسية، على أن تشكل موضوعا للاستقطاب، لأنها لا تريد السلطة، بقدر ما تسعى الدولة في عملية تدبيرها، إلى إجراء تسويات مع محيط هذه الحركة كي لا تشكل جزءا من قاعدتها، وهو ما لمسناه سنة 2011، عبر الاجتماع الذي عقده مستشار الملك مع رؤساء الأحزاب، وكذلك، عبر لجوء الدولة إلى تحييد الحركة النقابية عبر اتفاق 26 أبريل الذي وقعته مع النقابات ». وبخصوص الشيء الثاني تردف العبون هو « الذي تعطيه مثل هذه الحركات، وهو « الراديكالية »، باعتبار أنها غير ممأسسة، ليست بتنظيم ينتمي إلى الحقل السياسي، بل مستقلة عنه، وباعتبار أنها كذلك، « حركة الشارع ». وخطاب 9 مارس، أتى في سياق التدبير المباشر للحركة بدون وساطة، باعتبار أن جل حركات مغرب اليوم تتبنى الفعل المباشر، ليست هناك تمثيلية ». وقالت فيما يخص أن حركة الريف أعطت مجلسا وزاريا شكل لجنتين، » فهذا إجراء اتخذته الدولة بعدما تضخمت حركة الريف بعد مظاهرة 18 ماي، والتي تعد أكبر مظاهرة عرفها الريف منذ انطلاق الحركة. وبالتالي، كان ينبغي على الدولة أن تتدخل للاستجابة لمطالبها كي لا تتضخم وتشكل موجة من الاحتجاج، وفي هذا السياق، فتشكيل لجنتين هو بهدف تتبع مشاريع الحسيمة كي تنجز في آجالها إلى جانب التحقيق، والذي يواكب محيط هذه الحركة الاجتماعية، حيث أصبح ربط المحاسبة بالمسؤولية وثقافة المساءلة متنامية الظهور في حركات مغرب اليوم ». وقال حسن احجيج ،عالم اجتماع، إن « علاقة الأحزاب السياسية المغربية بالحركات الاجتماعية تميزت « بالتنوع تبعاً لعلاقة هذه الأحزاب بالدولة: فالأحزاب التي جاءت نتيجة عملية قيصرية والتي كانت تمثل الطبقات الحاكمة وتدافع عن مصالحها وتناضل من أجل الحفاظ على النظام القائم لم تكن قادرة على بناء حركات اجتماعية موالية لها تحمل نفس مشروعها الاجتماعي »، وأرجع سبب ذلك إلى فقدانها « للمشروعية التاريخية والاجتماعية ». و أضاف أن » أزمة المشروعية التي تعاني منها الأحزاب المغربية لا تتعلق بأزمة اندماج النسق، حسب تعبير يورغن هابرماس، الذي يحيل إلى انهيار محددات المجتمع عندما لا تسمح إلا بعدد قليل من إمكانيات حل المشاكل المطروحة، سواء السياسية أو السوسيوقتصادية، يقل عن العدد الضروري لكي تستمر في الوجود، بل إن أزمتها أزمة اندماج اجتماعي، أزمة العالم المعيش، أي أزمة الإجماع حول التصورات المشتركة والمعايير والقيم والمشروع المجتمعي برمته، وهي الأسس التي يقوم عليها المجتمع ». وتابع « بينما استطاعت الأحزاب التي نشأت بشكل طبيعي والتي كانت تسعى إلى تحقيق تحولات اجتماعية واقتصادية أساسية بخلق حركات اجتماعية تحمل نفس المشروع المجتمعي المتمثل في بناء صرح دولة تسود فيها العدالة والديموقراطية والمساواة » مضيفا » إلا أن خاصية التمركز التي تميز الدولة بالمغرب وما أدت إليه من تدجين للأحزاب المناضلة وخلق أحزاب موالية للدولة ». مما جعل المؤسسات السياسية « آلة للاستلاب السياسي » حولت المواطنين إلى مجرد « يد مصوتة وديكور » يؤثث المشهد السياسي المغربي. وسجل المتحدث نفسه أن هذه « الأزمة البنيوية التي تعيشها الأحزاب السياسية المغربية جعلتها غير قادرة غير قادرة على إنتاج مخرجات تتمثل في قرارات مشروعة حول الكيفية التي يجب أن يكون عليها المشروع المجتمعي وطرق تحقيقها، وذلك نظراً لأنها لم تعد تحصل على مدخلات تتمثل في الولاء والثقة الشعبيين »،مردفا »فالأزمة التي تعاني منها الأحزاب السياسية المغربية أزمة مدخلات وأزمة مخرجات؛ وباختصار إنها أزمة وجود وأزمة هوية. و أضاف أن » أزمة المشروعية التي تعاني منها الأحزاب المغربية لا تتعلق بأزمة اندماج النسق، حسب تعبير يورغن هابرماس، الذي يحيل إلى انهيار محددات المجتمع عندما لا تسمح إلا بعدد قليل من إمكانيات حل المشاكل المطروحة، سواء السياسية أو السوسيوقتصادية، يقل عن العدد الضروري لكي تستمر في الوجود، بل إن أزمتها أزمة اندماج اجتماعي، أزمة العالم المعيش، أي أزمة الإجماع حول التصورات المشتركة والمعايير والقيم والمشروع المجتمعي برمته، وهي الأسس التي يقوم عليها المجتمع ». وأشار الى أنه ، » إذا كان وجود الأحزاب السياسية المغربية يرتكز على وجود بنية قانونية صورية قوية، تحدد حقوق وواجبات أعضائها وفق قواعد قانونية صريحة، فإن الحركة الاجتماعية الريفية انبثقت ضداً على هذا النوع من التنظيم الذي ينبني على مقومات بيروقراطية واضحة تحد من اندفاع الحركة ونضالها من أجل تحقيق مشروعها المجتمعي ».