خيم الحزن صباح اليوم السبت على الأسرة الفنية المغربية والعربية بعد ذيوع خبر وفاة الممثل والمخرج المغربي، محمد حسن الجندي، عن سن يناهز 79 سنة، بعد مسيرة فنية ومسرحية حافلة بالعطاء والألقاب على المستويين الوطني والعربي. رأى الراحل النور سنة 1938 في حي القصور بمدينة مراكش وسط أسرة أمازيغية وكان والده من شيوخ الزاوية « التيجانية » الذي منعه من متابعة دراسته بالمدارس العصرية تحت مبرر أن ذلك بمثابة الإنسلاخ عن الشخصية الوطنية، قبل أن يغير رأيه شريطة أن لا يتابع تعليمه بمدرسة تدرس فيها اللغة الفرنسية، الأمر الذي جعله ينضم إلى صفوف المدرسة الحسنية عام 1946 التي كان يشرف عليها أحد زعماء الحركة الوطنية وهنا تعرف الطفل « حسن » على المسرح لأول مرة. عاش محمد حسن الجندي من الفن والتمثيل والإخراج، قبل أن يلتحق في السبعينيات من القرن الماضي بهيئة الإذاعة البريطانية بلندن لإعداد وتقديم برنامج حول المغرب تحت عنوان « كشكول المغرب ». خلال الفترة ما بين 1992 و1999 اشتغل رئيسا لمندوبية الثقافة بمراكش وخلال نفس المدة كان يلقي محاضرات في مادة الإلقاء بالمعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي بالرباط. انطلقت مسيرة « الجندي » الفنية من مسرح الهواة بمراكش مع فرقة « الوحدة »، قبل أن يلتحق عام 1957 بفرقة « الأمل » ومنها انضم إلى الإذاعة الوطنية بالرباط سنة 1958 رفقة نخبة من أبرز الممثلين المراكشيين. حظي الراحل بإعجاب واهتمام مخرجين من المشرق العربي، وظهر ذلك جليا في أدوار البطولة التي لعبها في عدد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية التاريخية، ومن أشهر الأدوار التي أداها دور « أبو جهل » في فيلم « الرسالة » بالنسخة العربية لمخرجه مصطفى العقاد، ودور « كسرى » في النسخة الإنجليزية، كما أدى دور رستم في فيلم « القادسية » مع المخرج صلاح أبو سيف، ودور صخر في « الخنساء »، وشارك في « آخر الفرسان » مع نجدة إسماعيل أنزور، وأدى دور عتبة بن ربيعة في مسلسل عمر بن الخطاب. وشارك على المستوى المغربي في العديد من الأعمال الفنية، من قبيل « ظل الفرعون » و »طبول النار » للمخرج سهيل بن بركة، و »بامو » لإدريس المريني، و »مطاوع وبهية »، والسلسة الإذاعية « العنترية »، والمسرحيات الوطنية الاستعراضية التاريخية كثلاثية ملحمة المجد. حصد الممثل المراكشي طيلة مسيرة الفنية العديد من الأوسمة والجزائز، من بينها وسام الثقافة من جمهورية الصين الشعبية، ووسام « عملة باريس » من مركز العالم العربي بباريس عام 1999، و »نجمة مراكش » في النسخة الثانية من مهرجان مراكش الدولي للفيلم، كما حظي بتكريم الدورة التاسعة من الملتقى الدولي للفيلم عبر الصحراء والدورة الثالثة لمهرجان « مغرب المديح » الرباط في فبراير سنة 2013 بحضور رئيس الحكومة المغربية. الفنان الراحل محمد حسن الجندي الذي سيدفن ظهر غد الأحد بمقبرة الشهداء بالرباط من الفنانين المحافظين الذين دافعوا بشراسة عن اللغة العربية والفن النظيف، بحيث قال في إحدى خرجاته الإعلامية: « أجد نفسي حيثما كان هناك فن نبيل يحترم الذوق ومشاعر الناس. أنا لست من أولئك الذين يسفّهون العمل الفني، ويغرقون الإبداع في الإباحيات ». واعترف الجندي أثناء حلوله ضيفا على برنامج « مشارف » بالقناة الأولى، قبل حوالي سنتين، بالدور المهم الذي لعبته ساحة جامع الفنا بمراكش في مساره الفني، بحيث قال بالحرف: « جامع الفنا كانت بالنسبة لي مدرسة ودراستنا كانت في المساجد عبارة عن حلقات وجاءت لتؤسس فضاءا ثقافيا ترفيهيا ليست له حرمة المساجد لكن الساحة كانت أحيانا تنافس المساجد في تعليم الناس فرائض الوضوء والسير النبوية، ولهذا اخذت من الحلقة واعتمدتها في أعمالي وليس عبثا وانما مساهمة مني في خلق الشخصية المغربية ». وفي رد على سؤال، خلال نفس البرنامج، حول علاقة الفنانين بأوطانهم، قال الجندي: « الانسان لا يستطيع أن يفرض فنه اذا لم يكن مدعوما من وطنه ولهذا يقال البلد الذي ليس فيه فنانون كبار ليس فيه سياسيون كبار ».