يرتقب أن يطلق المغرب مشروع تحرير سعر صرف العملة المحلية "الدرهم"، خلال الأشهر المقبلة، وذلك بعد نقاش مستفيض بين مسؤولي وزارة الاقتصاد المالية والبنك المركزي، تخللتها محادثات رسمية مع صندوق النقد الدولي.. القرار المرتقب تنفيذه، والمتمثل في « تعويم » العملة، أسال الكثير من المداد ، وأثار نقاشاً واسعا بين الاقتصاديين والخبراء، بين من رحب به وعدد محاسنه ومن رفضه مدللا على رأيه بتداعيات يرى أنها سلبية تمس الإقتصاد الوطني والقدرة الشرائية للمواطنين.. حركة أنفاس الديمقراطية، خاضت في الموضوع، وذكرت بتقديمها لوثيقة « الاطار المرجعي للسياسات الاقتصادية : الخروج من سياسات المحدوديات إلى سياسات الممكنات »، التي ترافعت من خلالها قصد « استرجاع المغرب سيادته الوطنية و الشعبية على القرار الاجتماعي و السياسي »، عبر توضيح مسار تطور مبني على أساس « المزيد من الدولة و القليل من السوق ». الحركة ساقت ردود فعل البعض عقب نشر الوثيقة كتلك التي نعتت مضمونها ب « كلام اليسار الجذري الذي يعيش على الحلم الماركسي ». مؤكدة أن دورها الأساسي وهدفها هو الدفاع عن المزيد من الدولة، المزيد من الخدمات العمومية، المزيد من التوزيع … » فنحن إذا فخورون بكوننا من اليسار الجذري. رجوعا إلى موضوع الوثيقة و هو تحرير صرف العملة الوطنية، نؤكد أنه ليس لنا البتة أي موقف دغمائي من الموضوع، فسياسة الصرف الحالية الواضعة لدرهم قوي تضر بالصناعات المصدرة و تستمر في جعل بنك المغرب يدعم الواردات، خصوصا السلع الفاخرة » ! وحول تفسيرات البنك المسوغة لجدوى القرار، عقبت الحركة من خلال وثيقة نشرتها على موقعها الإلكتروني الرسمي، بالتالي: « اعتبر صندوق النقد الدولي أن المغرب مستعد لبداية 2017، و رفضت قطعا. لقد أجلت إدخال تحرير الصرف إلى النصف الثاني من 2017 ». « خلافا لمصر، بالنسبة للمغرب، التحرير هو اختيار، أمر إرادي ». تعقيبنا : من جهة يعتبر بنك المغرب أن صندوق النقد الدولي « يوصي » بتحرير الصرف في أقرب وقت ممكن لأن « المغرب مستعد لذلك »، و من جهة أخرى يعتبر أن المغرب اختار « اراديا » تحرير الصرف، خلافا لمصر و تلميحا للنتائج الكارثية « لتحريرها » صرف عملتها الوطنية. اذ نذكر بتصريح صندوق النقد الدولي في غشت المنصرم بمناسبة إعادة تمديد « خط السيولة و الائتمان » بقيمة 3,47 مليار دولار : « إن فريق صندوق النقد الدولي و السلطات المغربية متفقان على أن الوضعية الحالية هي مناسبة لبدء هذا الانتقال ». لا يجب الكثير من الذكاء لفهم أن خط السيولة و الائتمان هذا و المخصص « لتجنيب البلد مخاطر الصدمات الخارجية » تمت مقايضته مقابل تحرير الصرف و الذي يفترضون أن له نفس الهدف، فشروط منح هذا الخط يبين بتجلي نظر صندوق النقد الدولي في السياسة النقدية ! يجب أن نعلم أيضا أن هناك دولتان فقط حصلتا على خط السيولة و الائتمان : مقدونيا و المغرب !!! أسئلتنا : هل لم يكن تحرير الصرف ضمن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي حول « خط السيولة و الائتمان »؟ يؤكد بنك المغرب على أن « المغرب مستعد لبداية 2017 » و أن بنكنا المركزي هو من يقف وراء قرار التأجيل. في نفس الوقت يقول البنك على أنه « بالنسبة للمغرب، تحرير الصرف هو اختيار، أمر إرادي ». أليس في هذا الأمر تناقضا؟ حجة بنك المغرب رقم 2 : « لا ندخل إلى ورش كهذا بدون أن نكون ملمين بكل شيئ ». « لقد حضرنا كل شيء و حاكينا كل شيء، حتى ميزانيات التدخل. المغرب لديه الآن كل الاشتراطات لإدخال المرونة في سعر الصرف: الاستدامة المالية على المستوى المتوسط، نظام مصرفي مرن وقادر على دعم الفاعلين ومستوى آمن من احتياطيات النقد على المدى المتوسط ». تعقيبنا : في نظام الصرف العائم، و حسب السوق، ترتفع أو تنخفض العملة حسب قانون العرض و الطلب في أسواق العملات، أي أننا سنضع القدرة الشرائية للمغاربة في أيدي السوق ! إن مخاطر المضاربات بخصوص عملة وطنية هي عملة رائجة، فالأمثلة كثيرة في هذا الصدد : عرفت العملتان الوطنيتان لروسيا و أكرانيا في 2014 خسارة بحوالي 48 بالمائة و 42 بالمائة، كما أن حوادث المضاربات بخصوص عملة اليونان و اسبانيا … في 2010 و 2011 في خضم أزمة منطقة اليورو ! في مثل هذه الحالات، يذهب المواطنون إلى الادخار بعملات أجنبية « متينة » من أجل الحفاظ على قدرتهم الشرائية (مثال مصر، لبنان، تركيا، روسيا …). لانهيار احتياطات الدولة من العملة الصعبة نتائج وخيمة : الخصاص، عدم القدرة على الاستيراد (يستورد المغرب نصف حاجياته من الحبوب مثلا) … أضف إلى ذلك أن الميكانيزم الوحيد المتوفر للدولة من أجل دعم العملة الوطنية هو شرائها مقابل احتياطاتها من الصرف، سعيا لخلق الطلب في سبيل تعديل قيمتها. إن المغرب لا يتوفر على احتياطات كبيرة من الصرف و قد يخسر في أيام الاحتياطات التي حازها في سنوات ! و تبقى الوسيلة القصوى لانقاذ قيمة العملة و هي العودة الميكانيكية إلى نظام صرف تابث، و هو ما سيعتبر كخسارة وطنية كبيرة توحي أننا نحلم أكبر من قدرتنا ! إن المرور إلى صرف عائم بأقل المخاطر يستوجب أن يكون الاقتصاد قويا بما فيه الكفاية و أن يكون ثقله قادرا على تحمل مخاطر المضاربة. لكن الناتج الداخلي الخام المغربي لا يستطيع تحمل حركات المضاربة للصناديق المخصصة لذلك و التي تزن عدة مئات من المليارات من الدولارات ! أسئلتنا : حين تؤكد بنك المغرب أن « للمغرب الاشتراطات لادخال مرونة الصرف »، هل من الممكن أن تبرهن ذلك للشعب المغربي؟ كيف سيعمل بنك المغرب من أجل تجنيب العملة الوطنية من مخاطر حركات المضاربة ؟ حجة بنك المغرب رقم 3 : « نريد أن تكون جميع القطاعات مهيأة، خصوصا الأبناك و الفاعلين و الشركات العمومية المعنية. لقد عقدنا و سنعقد اجتماعات مع الشركات العمومية التي لديها التزامات بالعملة الصعبة : الطرق السيارة بالمغرب، المكتب الشريف للفوسفاط، المكتب الوطني للماء و الكهرباء … و قد كوننا لجنة دائمة مع الأبناك ». تعقيبنا : تدفع مدرسة النيولبراية، تبعا لنظرية منظرها الحائز على نوبل للاقتصاد ميلتون فريدمان، منطق الخوصصة إلى أبعد حد و توصي حتى بخوصصة الجيش و الشرطة ! الدولة مطالبة بالزوال لفائدة « السوق الذي يقنن نفسه بنفسه »، كما توصي « بأن لا يكون البنك المركزي تحت سلطة الدولة و مؤسساتها، بل عليها أن تزول لأن قوى السوق ستتقنن و تتوازن عبر بعضها البعض ». في هذا الاطار يعمل بنك المغرب خصوصا في مسلسل التحرير نحو تعويم العملة الوطنية. يعتبر بنك المغرب و من ورائه صندوق النقد الدولي أن السوق « ستربي الدولة ! » (تعقيب ايريك بير، عضو « الاقتصاديين المفزوعين »، في الجامعة الربيعية لأنفاس حول العدالة الاجتماعية). نعتبر أولا أن الاقتصاد هو مسألة سياسية بامتياز ! لا يمكن أن تكون الاختيارات الاقتصادية شأن خاصا « للفاعلين الاقتصاديين » أو التكنقراطيين، بل انها خاضعة للارادة الشعبية عبر مبدأ السيادتين الشعبية و الوطنية ! ثم إنه بالنظر للخصائص الهيكلية للاقتصاد المغربي من حيث الانتاج و المبادلات و المالية بالمغرب، تعويم العملة الوطنية سينتج تقلبات موسمية كبيرة (الانتاج الفلاحي، تصدير الفوسفاط، السياحة، تحويلات مغاربة الخارج، …) و التي سيكون لها نتائج على النمو و على الانتاج الاقتصادي و على المبادلات الخارجية … و أخيرا، نذكر بأن والي بنك المغرب قد أعلن في شتنبر الماضي بأنه « سيقوم بحملة للشرح و التواصل مع كل المتدخلين : الحكومة عبر وزارة الاقتصاد و المالية، القطاع البنكي، الفاعلين الاقتصاديين، و كذلك مع الصحافة و حتى المجتمع المدني، من أجل شرح هذا المنحى المهم و لماذا نقوم به و في أي اتجاه نسير بارسائه ». فحتى هذه الحملة الشكلية لم تنظم. أسئلتنا : نعتبر أن سياسة تحرير الصرف تهم كل المغاربة و أنها ليست مجرد خطوة تقنية. هل تم الأخذ بعين الاعتبار رأي المغاربة أو ممثليهم؟ نتوفر على معلومات غير رسمية تفيد بأن الأبناك جد محافظة بخصوص هذا الموضوع. هل أخذ بنك المغرب اتفاق لجنته « للفاعلين الاقتصاديين »؟ نتوفر على عناصر غير رسمية و غير مؤكدة تفيد أن االأبناك المغربية قد اقتنت برامج معلوماتية خاصة بالتداول في سوق العملات. ألا يعتبر الأمر استباقا لقرار لم يتخذ بعد؟ هل سيقوم بنك المغرب بالشرح للعموم عن دواعي هذا القرار و خصوصا كيف و من طرف من اتخذ؟ خلاصات أساسية كما شرحنا سابقا لسنا في منطق صلابة دغمائية يرفض التعامل مع كل موضوع نعتبر « مرفوضا ايديولوجيا ». بوضعنا هذه الوثيقة للنقاش العمومي نتوخى أن نساهم في تسليط الضوء على بعض الجوانب الأساسية : نرفض الخطوات القاضية بتحضير « صلاحات » ستكيف حياة مواطنينا في مكاتب مغلقة. إننا نعتبر أن الاقتصاد هو قبل كل شيء مسألة سياسية و أن القرار الاقتصادي يجب أن يرتهن للمصادقة السياسية بطريقة ديمقراطية. نرتبط بفخر بسيادتنا الوطنية و الشعبية على القرار السياسي و الاقتصادي. نرفض كل « التوصيات » المملاة من طرف المؤسسات النقدية الدولية. نتمنى أن تأخذ قضية نظام الصرف مكانة في النقاش العمومي لكي نمر بعد ذلك إلى القرار الأنسب لبلدنا