عدد المجلس الأعلى للحسابات، مجموعة من الملاحظات، حول السياسة المتبعة في مجال التخزين الإحتياطي في المغرب، ودعا إلى ضرورة البحث عن بدائل. وأشار التقرير الذي صدر أمس، والذي توصل « فبراير » بنسخة منه، إلى ارتفاع مخاطر تموين السوق المحلية بالمحروقات، والتي ازدادت حدة منذ إغلاق شركة سامير، المصفاة الوحيدة في البلاد، صيف 2015. وأبرزت التحريات التي قام بها قضاة الهيئة أن الحد الأدنى الذي يفرضه القانون من المخزون الاحتياطي للمنتجات البترولية غير متوفر، وإلى وجود العديد من الاختلالات في تطبيق القانون وآليات مراقبة احترامه من طرف الشركات الموزعة، فبينما يفرض القانون على الشركات النفطية توفير مخزون يعادل 60 يوما من الاستهلاك، ويشرط القانون عدم استعمال هذا المخزون إلا بترخيص من وزارة الطاقة، كشفت تحريات قضاة المجلس الأعلى للحسابات أن المخزون الفعلي نزل في الكثير من الأحيان دون 10 أيام وذلك لعدة شهور. كما اشار التقرير إلى أن أكبر الفوارق بين المخزون المتوفر والسقف الذي يفرضه القانون لوحظت في المنتجات الأكثر استهلاكا، خاصة الغازوال وغاز البوتان. ففي نهاية 2015 لم يتجاوز احتياطي الغازوال 24 يوما من الاستهلاك، والبوتان 27 يوما، أما الفيول الذي يستعمل في إنتاج الكهرباء وبعض الصناعات فيشير التقرير إلى أنه في وضع حرج إذ لا يتجاوز مخزونه 5 أيام، وبلغ مخزون وقود الطائرات 19 يوما. وأشار التقرير إلى أن المنتوج الوحيد الذي يتوفر على مخزون لا بأس به هو الوقود الممتاز بنحو 35 يوما من الاستهلاك، بيد أن القانون يفرض توفير 60 يوما. وبخصوص خام البترول، أشار التقرير أنه كان في مستوى 15 يوما قبل إغلاق مصفاة سامير في صيف 2015، معتبرا أن هذا الإغلاق أصبح « يشكل خطرا إضافيا بالنسبة لتأمين تموين السوق المغربية من المواد البترولية » ويجعلها أكثر عرضة لتقلبات الأسواق العالمية، إذ أصبح التموين يتم بشكل كامل عن طريق استيراد المنتجات البترولية المكررة. وأوضح المجلس الأعلى للحسابات أن من بين أسباب ضعف المخزون الإحتياطي ضعف القدرات التخزينية التي يقل مستواها عن الحد الأدنى القانوني المفروض، باستثناء الوقود الممتاز الذي يتوفر منه المغرب على طاقات تخزينية تعادل 79 يوما من الاستهلاك. وأضاف التقرير إلى أن قدرات تخزين الغازوال تبلغ 56 يوما ،والبوتان 46 يوما ،ووقود الطائرات 42 يوما والفيول 26 يوما. وأشار إلى أن السياسات التي انتهجتها الحكومة لتحفيز الشركات على الاستثمار في تنمية القدرات التخزينية فشلت في تحقيق النتائج المرجوة، مشددا على أن »الحاجة الملحة إلى بلورة بدائل للآليات التي تم تجريبها للتغلب على إشكالية التخزين ». وخلص التقرير إلى أن « المقتضيات القانونية المتعلقة باستعمال المخزون الإحتياطي، الذي يخضع لترخيص الوزارة الوصية والمراقبة والعقوبات المنصوص عليها في حالة عدم تكوين المخزون، أصبحت غير مطبقة ». وتناول التقرير أيضا تحليل مخزونات العديد من المواد الاساسية كالقمح والسكر والدم والأدوية. واشار بهذا الصدد إلى أن مستوى مخزون القمح يبقى عموما في مستويات تمكن من تغطية حاجيات السوق بشكل طبيعي، مع تقلبات كبيرة حسب الأشهر وفق قربها أو بعدها عن موسم الحصاد. كما كشف التقرير أن مستوى المخزون الاحتياطي للسكر يفوق الحد الأدنى القانوني بشكل كبير. أما احتياطي الأدوية فكشف التقرير أن النصوص القانونية المنظمة له تفتقر إلى الدقة، ولا تشمل بعض المنتجات الأساسية كالمستلزمات الطبية، إضافة لكونها لا تأخذ بعين الإعتبار خصوصيات المنتجات الصيدلية، وتنص على مقتضيات عامة وموحدة، الشيء الذي يجعل تتبع مخزون الأدوية صعبا وأقل فعالية. كما أشار التقرير إلى ضعف الوسائل والسلط المتوفرة للمرصد الوطني للأدوية في مجال التتبع والمراقبة. أما بالنسة للإحتياطي الوطني من منتجات الدم، فرغم التطور الذي عرفه في السنوات الأخيرة ما زال المخزون الإحتياطي ضعيفا جدا، كما أن تكوينه غير ملزم قانونيا. وأشار التقرير إلى أن ثقافة التبرع بالدم لا تزال ضعيفة في المغرب، إذ لا يتعدى عدد المتبرعين 0.9 في المائة من السكان، إضافة إلى ضعف بنيات الإستقبال. وأوصى المجلس الأعلى للحسابات في تقريره إلى ضرورة مراجعة الإطار القانوني العام للتخزين الإحتياطي، وتحديد المفاهيم المتعلقة به، خاصة الفصل بين المخزون التجاري للشركات والمخزون الإحتياطي الاستراتيجي، مع الأخذ بعين الإعتبار نوعية المواد ودرجة حساسيتها وأهميتها. وبخصوص المنتجات البترولية أوصى المجلس الأعلى للحسابات بضرورة تشجيع الشركات النفطية على الاستثمار في بنيات تخزين إضافية تعادل على الأقل 30 يوما من الاستهلاك الوطني، من دون احتساب المخزون التجاري للشركات، ورفع السقف المفروض قانونيا إلى 90 يوما من الاستهلاك، وهو الحد الأدنى الذي توصي به الوكالة الدولية للطاقة. وأضاف المجلس أن إنشاء هذه القدرات التخزينية يمكن أن يتم في إطار شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وتمويله عبر الهامش المخصص للتخزين في إيرادات الشركات النفطية والذي يقدر بنحو 3 مليار درهم (300 مليون دولار)، إضافة إلى الاستثمار في الرفع من قدرات الاستقبال عبر إنشاء البنيات التحتية المينائية القادرة على استقبال البواخر الكبيرة الحمولة والبنيات التحتية المرتبطة بها. كما أوصى بإحداث جهاز يتكون من ممثلي الحكومة والشركات النفطية يتولى قيادة منظومة المخزونات الإحتياطية للمواد البترولية.