وجه السياسي والشاعر صلاح الوديع، رسالة الى رئيس الحكومة، بعد متابعة خطابه خلال افتتاح المعرض الدولي للكتاب، هذا نصها. رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة
السيد رئيس الحكومة، تحية طيبة وبعد، البارحة وأنتم تلقون كلمتكم أمام المدعوين إلى حفل افتتاح معرض الكتاب 2014، كان المغاربة الحاضرون يتصببون عرقا لا بسبب حرارة الخيمة لكن خجلا من أقوالكم... فمع أن الخيمة كان بها مترجمون لا شك تم أداء مستحقاتهم من ميزانية وزارة الثقافة العليلة أصلا، فقد اخترتم من ناحية الشكل أن تتخلوا عن كلمتكم المعدة باللغة العربية، لكي تتحدثوا أمام ضيوفكم الأفارقة بفرنسية أقل ما يقال عنها أنها غير موفقة، معللين هذه الفرجة المفاجئة بكون المغاربة مستعدين في أية لحظة للرطانة بالفرنسية كلما توفرت لهم فرصة للتباهي أمام الغير... كل المهتمين يعرفون أن الخطب الرسمية للمسئولين في البلاد التي تحترم نفسها – كما هو الأمر في أمريكا مثلا - يتم تحضيرها مسبقا من طرف الطواقم المتخصصة وتحسب كلماتها وجملها بالملليمتر، لأن الذي يتلوها مفترض فيه أن يتحدث باسم بلد وليس باسمه الخاص، ويا ليتكم كنتم تحسنون التركيب المرتجل والنطق الصحيح. قد نقبل كل هذا وننتظر المضمون في حفل افتتاح إحدى المناسبات الثقافية الكبرى بالبلد. فعوض أن تتحدثوا عن أزمة الكتاب والقراءة التي لا تأخذ من المغاربة أكثر من بضع دقائق سنويا لكل فرد حسب إحصائيات موثوقة، وتوضيح سياسة حكومتكم من أجل مواجهة هذه الكارثة، ركزتم على أن المشكل في المغرب ثقافي فقط. وتنكرتم لكل التوق الذي يحمله المغاربة، وتفانت من أجله الأجيال، من أجل توزيع عادل ومنصف للثروة والجاه والمعرفة والسلطة. ثم حاولتم من خلال كلمتكم المرتجلة أن ترسلوا الرسائل لمن يهمهم الأمر دون أن تنتبهوا هل لا زال العنوان ساريا وموجودا أم تغير. أنتم وحزبكم معروفون باستعمال الدين، المقدس المشترك من أجل كسب مواقع ومنافع السياسة، لكن يبدو أن المنطق تغير مع تغير الموقع والحال. لقد تغيرت المرجعية بتغير المواقع. فقد قلتم جملة لا أدري هل تدركون مغازيها ومدلولاتها. قلتم بالتقريب، فأنا أكتب من ذاكرتي فقط: "أمرني صاحب الجلالة بالاهتمام بضيوفنا الأفارقة ولعلمكم فأنا كلما خاطبني جلالة الملك أجيب ب'الله يبارك فعمر سيدي'..." تكلمتم سيدي، كأنكم تتصرفون في ملك خاص لا في انتداب انتخابي... هل أنتم رئيس حكومة منتخبة أم متصرف في قطيع؟ لقد كافحت الأجيال من أجل أن يُحترم الملك لا أن يقدَّس، وقد قبلها الملك عن طيب خاطر. كافحت الأجيال من أجل أن تمارس الصلاحيات الدستورية كاملة لأنها التعبير عن الإرادة الجماعية، كافحت من أجل أن يتم فهم مغزى التوق المجتمعي الشبابي الذي أوصلكم إلى حيث أنتم واحترام مطامحه، كافحت من أجل أن تقال الحقيقة للملك لا أن يتكرس منطق الطاعة والإذعان الذي رباه ورعاه إدريس البصري عقودا عملت على تخريب الروح المغربية، وها أنتم تكملون مشواره... إن المشكل الثقافي الذي تحدثتم عنه هو بالضبط أنتم ومشروعكم على حلقات: تبني تأويل ديني وهابي دخيل، ثم العمل على الاستئثار بالمقدس المشترك، ثم انتحال المظلومية، ثم استثمار لحظة الفورة الشبابية، ثم التطبيع مع الفضاء العمومي ثم اقتناص فراغات السلطة من أجل تثبيت الأتباع في المواقع والمفاصل، ثم الالتصاق بالملك والملكية في عملية تشبه "المزاوكة" أمام الملأ من أجل البقاء حيث مقاليد الأمور عملا بالقول المأثور "اللهم هيضورة في القصر ولا زربية خارجه"... ألا يشبه هذا ما عاشه المغاربة خلال السنوات السوداء حتى ملوه وعافوه وظنوا أنهم طلقوه بالثلاث؟ ألا تشبه هذه الطقوس – التي ليست حكرا على الدولة - أسوأ ما في السلوك والعقلية المخزنية التي كافح المغاربة ويكافحون من أجل التخلص منها؟ سيدي رئيس الحكومة، أخاف حقا أن يتخلى المغاربة حتى عن الدقائق المعدودات المخصصة للقراءة إذا استمر سيل التفاهة في فضائنا العمومي. وصراحة ورغم أن البعض يرى في خرجاتكم مادة للترفيه والفكاهة، وبكل الحزن والأسى وبكل العزيمة المتاحة، فإنني حين أنظر إلى هذه التجربة التي تدعونها رائدة أتأكد من أن الكفاح لا زال ضروريا من أجل تخليص الملكية من المخزنية والدين من السياسة والسياسة من الابتذال. تكريس هذا الثالوث ليس حكرا عليكم، هذه حقيقة. لكنكم أصبحتم اليوم في طلائعه الأولى. مع متطلبات الاحترام، صلاح الوديع شاعر وفاعل مدني الجمعة 14 فبراير 2014.