تكتسي فكرة الإصلاح في الأنظمة السياسية الديمقراطية، أهمية بالغة بالنظر لكونها تترجم رهانات التنمية والتقدم والتحديث المجتمعي، بأبعاده الشاملة. واعتبارا لكون فكرة الإصلاح –على عكس ما يعتقد البعض- فكرة "ثورية" في الجوهر، فإنها تلاقي أنواعا عدة من المقاومات، الصامتة والمعلنة منها،الخفية والظاهرة،" السلمية" والعنيفة...وبما أن فكرة الإصلاح فكرة مزعجة، ومرعبة، فإنها تعرضت عبر مسارات التاريخ الحديث والمعاصر، في كل بقاع المعمور، لهجومات تأخذ في كل فترة شكلا معينا، و"تتسلح" بمنطق تلتقي فيه إرادات تعاكس منطق التاريخ، ورياح التغيير. وبما أن للإصلاح رواده، وحامليه، ومناصريه، فان له أيضا معارضيه، ومناوئيه،ومعاديه. وفي السياق الوطني ، إذا كانت كل الشروط الموضوعية القائمة في بلادنا، تدعو لرعاية فكرة الإصلاح واحتضانها وتقويتها، بالنظر للتراكمات المتحققة منذ سنوات في سيرورة البناء المؤسساتي ، وبالنظر لاستعجالية العديد من المطالب الاجتماعية الملحة، فان التعاطي مع فكرة الإصلاح، وغاياته ، وأولوياته أصبحت موضوعا للمزايدات السياسية، يأخد لبوسات عدة حسب كل سياق، فمنها تلك التي تريد احتكار خطاب الإصلاح لوحدها، وتوهيم الرأي العام بأن الإصلاح لم- ولن يبدأ إلا معها وبها، ومنها تلك التي تعارضه سرا وعلنا، وعند تحقيق أي انجاز وطني، في السياسة أو التشريع، تتهافت في اللقاءات و المنتديات الوطنية أو الدولية، للتغني بتلك الانجازات غير المسبوقة- وهي التي كانت تعارضها في الأصل، ومنها تلك التي تريد تفصيل أولويات الإصلاح على مقاس فهمها للخصوصية،أوالهوية، أولحسابات سياسوية ظرفية، أو للغة موازين القوى في المجتمع....وفي كل هذه الدفوعات تلتقي هذه الخطابات موضوعيا في كبح فكرة الإصلاح في العمق، بمنطق النزعات التي تحتكره، أو تستغله، أو تمارس الوصاية عليه، وكلها نزعات تعاكس المتطلبات الحقيقية للإصلاح الحقيقي. ونود التذكير في هذا السياق، أن بلادنا مثلا عندما أرادت تدشين المصالحة الوطنية، وإقرار قواعد العدالة الانتقالية، تجندت في نفس المرحلة بعض الأصوات والقوى المحافظة من دوائر مختلفة لعرقلة هذا المسار، ومناهضته بادعاءات باطلة، من قبيل أن هذا الورش سيفتح البلاد على المجهول، وأن الكشف عن الحقيقة بوابة للفتنة، وستهدد استقرار المغرب. وبعد انتصار إرادة الإصلاح ومنطق المصالحة، ربحت بلادنا الرهان، وهي رهانات عديدة ربحها المغرب في مجالات عديدة بكل تأكيد، ضدا على الأصوات، التي كانت تبشر بسيناريوهات مفتعلة، تماما كما حصل في ورش إصلاح مدونة الأسرة الذي حاربته العديد من الجهات بمبررات مغلوطة. ونفس الأمر يمكن أن يقال على المجال التشريعي، فالعديد من الأطراف تعلن رفضها الصريح والعلني لتعديل بعض المواد القانونية التي تعتبرها القوى الحية مواد متخلفة، وغير لائقة بمغرب الألفية الثالثة، وعند إقرار التعديلات بشأنها بعد صراع مرير، تتهافت هذه الأصوات على المكروفونات للتباهي بهذا الانجاز أو ذاك، معتبرة إياه انجازها الذي لا يضاهيه أي انجاز –تماما كما حصل مع المادة الشهيرة 475 من القانون الجنائي. إن بلادنا تحتاج لإصلاحات عميقة تتماشى ورهانات المشروع الحداثي الديمقراطي الذي أعلنه المغرب بكل إرادية، ولا ينبغي حرق الزمن السياسي والتاريخي في ترقيعات، أو ترميمات ، أو إجراءات تجزييئية، أوانتقائية، سرعان ما سيكشف الزمن محدوديتها، وتخلف منطلقاتها، كما أن فكرة الاصلاح الحقيقية الكفيلة بالاجابة على الانتظارات الحقيقية لبلادنا، لا تحتاج الى وصاية، أو حجر، أو رقابة ذاتية مفرطة ، أو حسابات سياسوية ضيقة، قد تعطل مسارات التنمية والتقدم المرجوين.