امسكت الرضيعة وحيدة اصبع والدها يحيى معتوق حين عثر عليها بعد ساعتين من البحث تحت انقاض منزله في مدينة إدلب، قبل ان ينقلها عنصر من الدفاع المدني وعيناه مغرورقتان بالدموع الى سيارة الاسعاف. ويقول يحيى (32 عاما) لوكالة فرانس برس وهو يقف امام انقاض المبنى حيث كان منزله في الطبقة الثانية « كنت في المحل حيث اعمل حين بدات طائرة بتنفيذ غارات (..) ذهبت فورا الى المنزل ووجدت الحارة كلها مقلوبة على بعضها ». ويضيف وهو يبحث بين الركام عن مقتنيات منزله في مدينة ادلب في شمال غرب سوريا « دخلت الى المنزل.. ووجدت دمارا كاملا. سمعت صوت زوجتي في البدء وبدأت ابحث عنها حتى لمست حجرا ورفعته ورأيت وجهها والحمدلله كانت بخير ». واستهدفت غارة جوية عصر الخميس الماضي مبنى سكنيا في مدينة ادلب، ما ادى الى تدميره فوق رؤوس قاطنيه، ومقتل ستة اشخاص على الاقل بينهم اربعة اطفال، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان. وتتعرض مدينة ادلب مركز محافظة ادلب في شمال غرب سوريا بشكل دوري لغارات سورية وروسية. وباتت هذه المحافظة منذ الصيف الماضي تحت سيطرة جيش الفتح الذي يضم بشكل رئيسي جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة) وفصائل اسلامية بينها حركة احرار الشام. بعد انقاذ زوجته، بدأ يحيى وعناصر الدفاع المدني البحث عن ابنتيه وحيدة وسنار (ثلاثة اعوام) تحت الركام. ويقول متأثرا « بدات الحفر (مكان غرفة النوم) حتى وصلت الحمدلله الى يد ابنتي وحيدة، وحين لمستها امسكت باصبعي.. والحمدلله كانت حية » قبل ان ينقلها عناصر الدفاع المدني لتلقي العلاج. ونشر الدفاع المدني شريط فيديو تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة في اليومين الاخيرين، يظهر احد المتطوعين وهو ينقل الطفلة بعد انقاذها الى سيارة اسعاف ويحيط به العشرات وهم يصرخون « الله اكبر ». ويجلس المسعف داخل سيارة الاسعاف وهو يضم وحيدة الى صدره ويبكي من شدة تأثره بعد جهد مضن لانقاذها. وتبدو الطفلة بلباس اصفر اللون والغبار يغطي راسها وعلى جبينها بقع دماء وهي تصرخ. ويقول المسعف الذي لم يذكر اسمه في شريط الفيديو « عملنا ساعتين لانقاذها وبإذن الله ستبقى حية » قبل ان يردد « يا الله ». بعد انقاذ وحيدة، بدأت عملية البحث عن شقيقتها البكر سنار، ليتبين انها قتلت تحت الانقاض. ويقول يحيى بحزن « كان الردم قد سقط عليها.. ليتني خسرت كل شيء ولم اخسرها ». لم تقتصر خسارة يحيى على ابنته البكر فحسب، اذ قتلت والدته ايضا جراء الغارة التي دمرت منزله بالكامل. ومنذ الخميس، انتقل يحيى وعائلته الصغيرة للاقامة في غرفة يملكها احد اقاربهم تقع على اطراف مدينة ادلب. وفي مشاهد فيديو التقطها مصور فرانس برس السبت، يظهر يحيى وهو يبحث بين ركام منزله عن مقتنياته واغراض اسرته، من احذية وألبسة وادوات منزلية، يجمعها في شاحنة صغيرة تمهيدا لنقلها. ويبدو بين الركام حذاء طفلة زهري اللون. ويجلس رجل اخر على مقربة منه على كنبة نجت من الغارة فوق الركام وهو يدخن السجائر. ومنذ اندلاع النزاع السوري الذي تسبب منذ منتصف آذار/مارس 2011 بمقتل اكثر من 300 الف شخص، شكل الاطفال ابرز ضحايا الحرب وتصدرت صورهم وقصصهم وسائل الاعلام حول العالم. وبحسب منظمة الاممالمتحدة للطفولة « يونيسف »، تأثر أكثر من ثمانين في المائة من الأطفال في سوريا بتداعيات النزاع، داخل البلاد وخارجها. ويحتاج « ستة ملايين طفل الى مساعدة انسانية عاجلة في سوريا ». وعلى رغم خسارته سنار، يشكر يحيى الله على نجاة صغيرته الجميلة التي تظهر في مقطع الفيديو برداء ابيض وتراقب بعينيها الواسعتين ما يجري حولها. ويقول لفرانس برس وهو يحملها واثار الجروح على جبينها « الحمدلله وضعها الصحي جيد ». ولدى سؤاله عما يخطط له في الفترة المقبلة، يجيب بحسرة وباللهجة المحكية « لله الامر.. والله راسنا مو صاحي على شي ».