اعتبارا لما تعرفه قضية الوحدة الترابية من مؤامرات ، فإن المغرب بأمس الحاجة إلى كل إطار إقليمي أو دولي يكون واجهة لتفعيل الدور المغربي وتقوية حضوره بما يعزز قناعة الشركاء الغربيين والأفارقة بجدية الطرح المغربي في ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية وشمولية في مواجهة مخاطر الإرهاب والانفصال والجريمة المنظمة . وللمغرب تجربته المتميزة التي أثبتت فعاليتها في مواجهتها لخطر الإرهاب بالاعتماد على مقاربة شمولية تتصدى للجوانب الأمنية كما الجوانب الاجتماعية والتنموية . وبفضل الخبرة التي راكمتها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ، نجحت هذه الأخيرة في تفكيك ما يقارب 120 خلية إرهابية على مدى تسع سنين . بل إن يقظة الأجهزة الأمنية والعسكرية وفاعليتها أفشلت كل مخططات تنظيم القاعدة لاختراق الحدود المغربية وتشكيل قواعد خلفية له في عمق التراب المغربي رغم كل الفيديوهات المبثوثة لقادة التنظيم الدولي والمحرضة ضد استقرار المغرب وأمن مؤسساته ومواطنيه . بهذا الرصيد الأمني والعسكري والتنموي الهام والغني الذي تفتقر إليه دول الساحل وشمال إفريقيا ، يتوجب على الدبلوماسية المغربية الانخراط بفعالية في تأسيس الإطارات الإقليمية وإعطائها دفعة قوية بانتهاج إستراتيجية مبادِرة تقطع مع تكتيكات ردود الأفعال إزاء مناورات خصوم الوحدة الترابية ، وتتجاوزها إلى اتخاذ مبادرات حقيقية وفعالة من أجل فتح مجالات أوسع للتعاون ، من جهة ، البين إفريقي الذي تفرضه مخاطر الإرهاب والانفصال والتهريب ، فضلا عن الأزمة العالمية التي تخنق الاقتصاد الغربي ؛ ومن جهة ثانية الأفرو أوربي . ذلك أن المخاطر التي تتهدد الدول الإفريقية هي نفسها التي تهدد أمن واستقرار ومصالح الدول الغربية ، خصوصا الإرهاب والهجرة والتهريب . وقد أظهرت الأحداث التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء بالإضافة إلى مصر وليبيا وتونس والجزائر ، أن نشاط التنظيمات الإرهابية صارت له أبعاد خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي ؛ الأمر الذي يستوجب وضع إستراتيجيات متكاملة ،إقليمية ودولية ، للتصدي لجذور هذه المخاطر .
بل إن المصالح العليا للدول الأوربية توجب على حكوماتها دعم دول شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء وتقوية هياكلها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية لتستطيع مواجهة الأخطار المحدقة بها ، وفي نفس الوقت توفر الحماية المطلوبة لدول الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط . ومن حسنات هذه المخاطر أنها جعلت الدول الغربية مقتنعة بأن مصالحها ومصالح الدول الإفريقية مشتركة ومتداخلة ، كما أن أمنها واستقرارها تشرطه ظروف الاستقرار والتنمية والأمن في منطقة الساحل وشمال إفريقيا . والأمر لا يقتصر على الدول الأوربية فقط ، بل الولاياتالمتحدةالأمريكية أيضا . وهذا ما أكده المدير الجديد لمكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي، أمام مجلس الشيوخ من أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يشكل "تهديدا كبيرا" للمصالح الأمريكية والغربية بشمال إفريقيا ومنطقة الساحل .
بل حذر المسئول الأمريكي من أن فرع القاعدة "يواصل توسيع فعاليته العملياتية وتواجده بليبيا ومالي، مهددا المصالح الأمريكية والغربية بالمنطقة" . ولعل الهجوم الإرهابي المنشأة النفطية بتيفنتورين بالجزائر في يناير 2013 ، وكذا العمليات التي استهدفت القنصلية الأمريكية ببنغازي ومنجم الأورانيوم بالنيجر الذي تستغله شركة فرنسية ، إشارات دالة على مدى اتساع وتعدد الأنشطة الإرهابية وتزايد مخاطرها على المصالح الغربية . ومن مصلحة المغرب أن يستثمر إلى أبعد مدى هذه الانشغالات والتخوفات الغربية والإفريقية من تزايد مخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة على الأمن الإقليمي والدولي ليقنع هذه الأطراف بضرورة التعامل بواقعية وبمنطق المصالح المشتركة مع القرارات والتوصيات التي صدرت عن المؤتمر الوزاري الثاني بالرباط حول أمن الحدود . وفي مقدمة التوصيات والقرارات التي تضمنها إعلان الرباط ، والتي تستوجب الأجرأة والتفعيل :
1 إقامة مركز إقليمي للتكوين والتدريب لفائدة أمن الحدود . وستكون فرصة للمغرب لاستضافة المركز وتقديم خبراته وتجاربه في المجال .
2 إنشاء فرق عمل قطاعية في مجالات الأمن والاستخبارات والجمارك والعدل لتقديم اقتراحات في المجالات المراد تكوين الأطر الأمنية فيها . وهي فرصة كذلك لإثبات فعالية الخبرات المغربية .
3 تزويد بلدان المنطقة بتجهيزات وتكنولوجيات حديثة لتقوية قدراتها على مراقبة الحدود .
4 دراسة سبل إدماج وإشراك الساكنة المحلية في تدبير الحدود، من خلال وضع سياسات تنموية موجهة للمناطق الحدودية وللمناطق التي تشكل منطلقا للهجرة غير الشرعية.
المغرب ،إذن ، أمامه فرص ثمينة للعب دور القاطرة لقيادة وتفعيل هكذا إطار إقليمي للتعاون الأمني والاقتصادي . وهذا أفضل رد على الجزائر التي عجزت عن تفعيل إطار تمنراست للدفاع المشترك .