هناك مؤشرات غير مطمئنة عن تراجع الحكومة عن قرار فرض دفتر تحملات الإعلام الرسمي الذي أثار ضجة وسط حزب الدولة الإعلامي، الذي أعلن تمرده على سياسة الحكومة المنتخبة، ورفض تطبيق دفاتر الخلفي، وزير الإعلام الناطق الرسمي للحكومة، بدعوى أنه لم يُستشر في الأمر، ولأن الحكومة الملتحية تريد تغيير هوية القناة الثانية من خلال تقليص اللغة الفرنسية على شاشتها. وكما تعلمون، فإن اللغة الفرنسية واحدة من الخطوط الحمراء في هذه البلاد، والتي يحرم الاقتراب منها لاعتبارات سياسية قبل أن تكون ثقافية أو لغوية. وإليكم بعض هذه المؤشرات التي تدل على أن حكومة بنكيران انحنت للعاصفة ولم تقو على الدفاع عن صلاحياتها الدستورية: -1 لمدة أسبوع ووزير الاتصال يتلقى الضربات تلو الضربات من جنرالات الإعلام الرسمي دون أن يرفع يده للدفاع عن النفس، ودون أن يفتح فمه للرد على سليم الشيخ وسميرة سيطايل وفيصل العرايشي، وكأن واجب التحفظ يلزم السياسي والوزير وليس الموظف العمومي.
و حتى عندما ذهب الوزير إلى البرلمان للرد على كتيبة الإعلام العمومي، التي خرجت عن الشرعية الدستورية والقانونية التي تعطي للحكومة والهاكا صلاحية وضع دفاتر التحملات والمصادقة عليها، فإن الخلفي تحدث كتقني في الوزارة وليس كسياسي يمثل حزبا وحكومة وتوجها برنامجيا، حيث غرق في الأرقام والنسب وتحاشى الرد على الاعتبارات السياسية الكامنة خلف الخروج المريب لثلاثي الإعلام الرسمي.
-2 مر أكثر من أسبوعين على إحالة دفاتر التحملات على الأمانة العامة للحكومة من أجل نشرها في الجريدة الرسمية حتى تصبح سارية المفعول، ومع ذلك لم يقدم السيد إدريس الضحاك على نشرها رغم أن هذا المرسوم قادم من رئاسة الحكومة، التي أعطاها الدستور صلاحيات كبيرة في قيادة العمل الحكومي، وهذا ما يؤشر على احتمال إرجاعها إلى وزارة الاتصال من أجل تعديلها بما يوافق هوى سليم وفيصل وسميرة، هؤلاء المدراء الكبار الذين فرضوا كلمتهم على الحكومة، وأظهروا للرأي العام ولبنكيران وفريقه أن التلفزة الرسمية مكان محظور على الحكومة دخوله سواء جاء الربيع العربي أو حل الخريف الفارسي.
-3 اجتمعت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أول أمس، ولم تصل إلى أي قرار في ما يخص طريقة التعامل مع أزمة دفاتر التحملات، وطرحت فكرة إقالة مديري القناة الثانية باعتبارهما خرقا واجب التحفظ، وتحولا إلى جبهة معارضة وسط الإدارة، لكن قيادة الحزب استبعدت هذا القرار، وظهر توجه نحو الانحناء للعاصفة والمرور إلى شيء آخر، ولم يبد الخلفي اعتراضات قوية باعتباره الوزير الذي مست صورته وصلاحياته، فكيف سيستمع إليه أحد حينما يصدر قرارا أو مرسوما أو حتى قانونا.
دفاتر التحملات هذه ليست إنجيلا ولا زابورا ولا قرآنا، هي أفكار واقتراحات ومبادرات قابلة للخطأ والصواب ولما بينهما. هذا أمر مفروغ منه، والذين يصورون الجدل الدائر الآن بين كتيبة الإعلام والحكومة على أنه نقاش صحي أو مرضي، وأنه نزعة جديدة من أهل التلفزة لحماية استقلالهم المهني يضحك على ذقنه، ويلعب دور البهلوان في الحديقة الخلفية لمصالح كبرى لا يعرف خارطتها. التلفزيون الرسمي لم يكن في يوم من الأيام مستقلا ولا مهنيا، ولا أداة في خدمة الجمهور، ولا مرآة تعكس حياتنا، ونرى فيها وجه واقعنا كما هو بدون رتوش. التلفزيون كان ولايزال أكبر ورشة للصباغة، وأضخم مصنع لإنتاج لغة الخشب، وأداة للدعاية للسلطة، وسلاحا لمحاربة خصوم السلطة، ومقابل هذه الخدمة مُنحت القيادات الإعلامية شيكا على بياض للتصرف بكل حرية في إدارة هذا القطب الذي يبيض ذهبا.
السيد الخلفي، أنت على وشك خسارة هذه المعركة، وهذا شأنك، وتقديره رهين حسابات لا نعرف كل تفاصيلها، فهل تستطيع أن تنشر تقارير مفتشية المالية، التي أُنجزت في عهد الحكومة السابقة حول القناة الثانية والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، حتى يعرف المغاربة كيف تُصرف أموالهم في القطب الإعلامي المتجمد؟