"جون أفريك" تغوص في مغرب برغماتية الملك والدولة العميقة والمخزن وحكومة الظل وخطابات بنكيران الفكاهية المغرب: مشهد سياسي جديد بنفس الكواليس"، هكذا اختارت مجلة "جون أفريك" أن تعنون مقالا تحليليا، يتطرق لمغرب مابعد موجة الربيع العربي، التي عصفت بالعديد من بلدان المنطقة العربية، والتي نجح المغرب مؤقتا في تجاوزها، بعد الخطاب الملكي ل9مارس من سنة 2011، الذي مهد لإصلاح دستوري، فسح الطريق أمام حزب العدالة والتنمية، كأول حزب إسلامي يتسلم مقاليد السلطة في المغرب. وفي هذا الإطار قالت "جون أفريك" إن قواعد اللعبة السياسية قد تغيرت في المغرب، بالرغم من أن النخب التقليدية مازالت تمسك وتحافظ على زمام السلطة. فالمغرب الذي اعتبر في نظر العديد من المحللين "تجربة فريدة"، و "مثالا" يحتدى بالنسبة للأنظمة الملكية في الشرق الأوسط، لم يسلم هو الآخر من الحركات الاحتجاجية، فهو لايشكل إلا نموذجا للعديد من البلدان الأخرى التي عرفت فشل الإصلاحات الأساسية. فعلى منوال مصر، التي أسقط فيها الجيش والعسكر، حكم الإسلاميين الذين وصلوا إلى سدة الحكم من خلال صناديق الاقتراع، فالتجربة المغربية، سلطت الضوء على استمرار ما يسمى ب"الدولة العميقة" في البلدان العربية. على المستوى الظاهري، فالحكومة المنتخبة، التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي ، تقتسم السلطة مع الملك محمد السادس، سليل الأسرة الملكية التي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، حيث لايزال الملك والقصر وقوات الأمن أو مايسمى ب "المخزن" يحتفظون بتأثير كبير على القضايا الاقتصادية والسياسية الأساسية في البلاد، إلا أنه بالرغم من ذلك، فالإسلاميون في المغرب يلعبون المباراة على عدة جولات. فعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، وزعيم حزب العدالة والتنمية الموالي للنظام، هو أيضا رجل موهوب، محكوم بأهدافه الخاصة، الشيء الذي جعل المخزن والبيجيدي إلى حدود اللحظة ملتزمان بخطوة ثنائية غريبة، وشراكة "قسرية" وعرضية إلى حد ما. تميز المسار السياسي للمغرب منذ وصول الملك محمد السادس للحكم في سنة 1999، عن مسار باقي الملكيات في دول المنطقة العربية، حيث وضع الملك بمجرد اعتلائه العرش، حدا للاستبداد السياسي الذي مارسه والده الحسن الثاني، الذي عرف عهده انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. فقد فتح الملك محمد السادس، الذي سيحتفل بعيد ميلاده يوم 21 غشت الجاري، اللعبة السياسية في المغرب، كما قام بتحرير قطاع الصحافة جزئيا، وعلى المستوى الحقوقي، شكل لجنة للحقيقة أطلق عليها اسم "هيئة الإنصاف والمصالحة" في سنة 2005، وذلك لمعالجة الجرائم التي ارتكبت في عهد والده الحسن الثاني ، كما أن مستشاريه أطلقوا عليه لقب "ملك الفقراء"، وعرف في جميع أنحاء المغرب ب "برغماتياته"، حتى حينما سن البرلمان المغربي سياسات ليبيرالية، أسهمت في توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. فبالرغم من النمو الاقتصادي، فالاصلاحات السياسية في المغرب، لاتزال بطيئة. وعلى غرار باقي الدول العربية الأخرى، يخشى رجال ظل الدولة العميقة، والمؤسسات الأمنية، من أن تتضرر امتيازاتهم ومصالحهم الخاصة، فالحماس الذي أبداه الملك محمد السادس لقيادة قاطرة الإصلاح، هدد قوى المخزن . وبغض الطرف عن المشاريع الكبرى، التي دشنت في عهده، ظلت كتلة الأجورهزيلة، كما أن مختلف مناطق البلاد مازالت غارقة في براثين الفقر والأمية، حيث تراكمت فواتير الوقود، ودعم المواد الغذائية، وأجور الموظفين، بينما تراجعت عائدات السياحة والاستثمار، كما أن السلطات شددت الخناق ضد الإسلاميين، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية، بعد الأحداث الإرهابية لسنة 2003 بالدار البيضاء. وغداة الانتخابات التشريعية لسنة 2011، قامت الأحزاب المقربة من القصر بتشكيل جبهة موحدة، من أجل الحصول على رئاسة الحكومة، والفوز في الانتخابات التشريعة، لكنها تعرضت لهزيمة على يد عبد الإله بنكيران، الذي رفض دعم مطالب حركة 20 فبراير، قبل أن يصبح أول مستفيد من الحراك الشعبي الذي قادته الحركة. بعد أشهر قليلة، بدأ التوثر يظهر فجأة بين النظام، وعبد الإله بنكيران، وظهرت أولى بوادر هذا الصراع، حينما قررت الحكومة تبني قواعد جديدة تتعلق بمحتوى الإعلام العمومي، ولاسيما في الشق المتعلق بضرورة سن طلبات العروض فيما يخص البرامج السمعية البصرية، وحينما سنت الحكومة أيضا، تدابير جديدة ضد القضاة، والموظفين، والمسؤوليين، والأطباء الذين يتقاضون أجورهم الشهرية، رغم غياباتهم المتكررة عن العمل، كما تم منع الأطباء الذين يشتغلون في المستشفيات العمومية من الاشتغال في القطاع الخاص. فالمخزن في المغرب، وجد نفسه في مواجهة رئيس حكومة يتمتع بشعبية كبيرة، وينحدر من حزب سياسي، حاول أن يكون راديكاليا في البداية قبل أن يغير توجهه، ووصف في سنة 2003 بعدو للملكية. تمتح خطابات زعيم الإسلاميين في المغرب، من معجم شعبي، وهذا ماجعلها تستهوي الطبقات الشعبية، والفقيرة، التي أصبحت تتابع خطابات وكلمات عبد الإله بنكيران، كرئيس حكومة يتمتع بموهبة، تساعده في تمرير خطابات السخط والغضب، متحدثا عن محنة المحرومين، في حرب "فكاهية" ضد أعدائه وخصومه. ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية، إلى رئاسة الحكومة، عوض الملك محمد السادس ذلك بتشكيل فريق من المستشارين بالديوان الملكي، فيما يسميه البعض في المغرب ب "حكومة الظل". أما النسبة لقطاع واسع من المغاربة، فحزب العدالة والتنمية يواجه مناورات عديدة، تستهدف إضعافه، لذلك فالبعض يعتقد أن تحميل حزب العدالة والتنمية مسؤولية الإصلاحات غير شعبية، كإعلان الزيادة في المواد الأكثر استهلاكية عند المغاربة، يعد حيلة ضد حزب عبد الإله بنكيران. وهذا ما يشير إليه سليمان العمراني، من حزب العدالة والتنمية، الذي يرى أن هناك مناورات لإضعاف الحكومة وإسقاطها، حتى يعتقد الشعب أن الحكومة فشلت، وأن يخسر الحزب الانتخابات التشريعية المقبلة". أما بالنسبة للبعض الآخر، فالمناورات التي تشن على عبد الإله بنكيران من طرف جهات في السلطة، من شأنها أن تزيد من شعبية حزب العدالة والتنمية. وهذا هو الرأي، الذي يقول به "وليام لورينس"، الدبلوماسي الأمريكي السابق، ومدير مشروع شمال إفريقيا: " بنكيران خطيب بليغ وماهر، لأنه يتموقع في الآن ذاته كرئيس حكومة، وكزعيم حزب يوجد في المعارضة".