"حينما يجتمع الجمال بالشجاعة، والجرأة الفكرية بعمق التحليل، ووضوح الرؤية بالقدرة على التواصل... فأنت أمام امرأة شرسة ومدافعة قوية عن قيم الحداثة والحريات الفردية اسمها سناء العاجي" فاطمة الإفريقي كوني جميلة واهدئي*، كم مرة سمعتِ هذا التعليق كرد فعل على شغبك الفكري؟
لا أشغل بالي بمثل هذه التعليقات، لأني أومن بأني أملك رؤية خاصة لما أريد أن أكونه. ولا أملك الحقيقة المطلقة .. لا أقبل أن أرضخ لتصور الآخر لما يجب أن أكون عليه. فالسؤال الحقيقي هو: ما الذي نريده؟ أن نشبه الصورة التي يتوقعها منا الآخر، أم أن نكون متناسقين مع ذواتنا ومع اختياراتنا؟
هل آراؤك مزعجة لأنها خارج الإجماع، أم لأنها صادرة عن امرأة؟
لنتفق على شيء: آرائي مزعجة بالنسبة للكثيرين، لكنها أيضا تعبر عن تصورات الكثيرين. وأعتقد أن الذين ينزعجون منها، يفعلون ذلك انطلاقا من أسباب كثيرة: لأنها أفكار لا تروق لهم، لأنها نابعة من امرأة، لأنها قد تزعزع بعض ثوابتهم وقناعاتهم... ليس هناك دائما سبب وحيد لردة فعل معينة.
تخوضين معارك شرسة حول حرية المعتقد والحريات الفردية في مجتمع محافظ جدا، تبدين وكأنك تنتحرين رمزيا في معركة خاسرة؟
أولا، مَن الذي يعتبرها خاسرة؟.. فيما يتعلق بالانتحار الرمزي، فأنا لا أبحث عن الشعبية. أعبر عن أفكار أومن بها ويؤمن بها الكثيرون من حولي. لم يكن يوما هدفي أن تصفق لي الجموع. يكفيني أن أحفز بكتاباتي قلة قليلة لإعادة طرح الأسئلة حول ما كانت تعتقده بديهيات.
سناء امرأة تبدو منسجمة مع ذاتها وقناعاتها، فأنتِ لا تنظرين فقط للحريات الفردية، بل تصرين على أن تكوني امرأة حرة في اختياراتك الحياتية..هل يزعج هذا محيطَك الاجتماعي والعائلي؟
أبدا. أنحدر من أسرة بسيطة جدا ومن أبوين لم تتح لهما للأسف إمكانية التمدرس. لكن أسرتي تعلمت أن تحترم اختياراتي الفردية والحياتية. كما تعلمتُ أنه ليس من حقي أن أفرض عليهم اختياراتي. أي أننا في النهاية نتعلم، في حجم مصغر، تدبير اختلافاتنا بالحب الذي يجمعنا.
أحيانا أشعر بك «شيزوفرينية «في دفاعك عن قيم الحرية، لماذا ترفعين صوتك في حرية المعتقد والجنس والمثلية وتصمتين في معارك الحرية السياسية ودولة الحق والقانون؟
أنا ملكية حتى النخاع ولا أرى في ذلك تعارضا مع الحداثة. هناك أشياء كثيرة في الحياة السياسية المغربية لا تعجبني، لكني أيضا أرفض هذا المد الذي يعتبر أنه لكي تكون لديك مصداقية، يجب أن تعارض كل ما قد يأتي من الملكية أو من المؤسسات. أومن صادقة بأننا في مسار جيد، هو أبطأ مما يتمنى الكثيرون (وأنا منهم)، لكنه المسار الصحيح، بهفواته وتعثراته. هو مسار يحتاج أيضا للكثير من شحنات الضخ ومن عمليات التقويم، لكنه ليس حالة ميؤوس منها. لذلك فأنا أشارك في معارك الحريات السياسية التي تقنعني، لا لكي أعجب تيارات معينة أو لكي أمشي مع موضة معينة.
كباحثة اجتماعية، هل نمتلك كمجتمع ثقافةَ الاختلاف، أم لا زلنا نتبنّى وهم الإجماع؟
للأسف، إعلامنا وتعليمنا لم يزرعوا فينا ثقافة الاختلاف وتدبيره. وهمّ الإجماع مازال يسكننا. الكثيرون يخافون التعبير عن اختلافاتهم الكبيرة أو الصغيرة، لأنهم يخافون الخروج عن الإجماع ويخافون الانتقادات ويخافون لومة اللائمين.
دائما تغردين خارج السرب حتى في قضايا بديهية كحق العاطلين في الشغل، ما هي حججك في ذلك؟
لا أعارض حق العاطلين في الشغل، لكني أفرق بين الحق في الشغل والحق في التشغيل. أرفض بتاتا ونهائيا الفكرة التي تفيد بأن الدولة يجب أن تشغل كل الخريجين في الوظيفة العمومية، لأنه ليس هناك منطق تدبيري في العالم يقبل ذلك. من واجب الدولة أن تخلق فرص الشغل عبر توفير المناخ المناسب للاستثمار، لكني لا أتفق نهائيا مع من يعتبرون بأن الحق في الشغل لا يتم إلا إذا ارتبط بالوظيفة العمومية.
سأطرح سؤالا غبيا كأي امرأة تقليدية، ألا تشعرين أحيانا بأن آراءك الجريئة هي سبب عدم ارتباطك إلى اليوم؟
الرجل الذي سيخاف الارتباطَ بي بسبب أفكاري، ألغيه مسبقا من قائمة اهتماماتي. لماذا يسألني الكثيرون عن عزوبيتي، فيم يهتم القليلون بمعرفة إن كنت سعيدة أم لا؟ ثم، صراحة، هل الزواج هو المؤسسة الاجتماعية الوحيدة التي يمكن عبرها أن نكون سعداء؟ لست ضد الزواج وقد أتزوج حين أقابل شخصا مستعدا لاقتسام تفاصيل الحياة اليومية، لكني أعتبر أني سعيدة جدا بحياتي الحالية. السعادة أحيانا ليست إلا لحظات فرح صغيرة...
حسنا سناء، هل يمكنك أن تخففي من حدة آرائك في سبيل حب كبير لرجل؟ وهل مررت من هذا الإختيار الصعب؟
الشخص الذي يطلب منا أن نتغير لكي نحظى بحبه، لا يحبنا بل يحب تصوره الخاص لما يجب أن نكونه. في الحب، قد تكون بعض التنازلات الصغيرة، لكنها حين تمس جوهر كينونتنا، فهذا ليس حبا. حين أحب، أغدق الحب بسخاء وأعيش الأشياء كما تأتي، بدون حسابات... لكني قد أصير عنيدة، ولأتفه الأسباب، إذا أحسست أن الآخر لا يحترم استقلاليتي. أمام حملات التكفير والسب التي تتعرضين لها، هل ضعفتِ يوما وشعرت بالإحباط والرغبة في الانسحاب؟
لا أبدا... أعتبر، صادقة، أن الشخص الذي يسب شخصا أو يكفره، هو شخص لا يملك المستوى الفكري والنضج الكافي لكي يناقشه أفكاره.