اذا كان عبد الاله بنكيران يعتقد ان الأزمة التي تطوق أغلبيته والقصف الذي تتعرض له الحكومة من مدفعية شباط مجرد زوبعة في فنجان، فما عليه الا ان يطالع ماقاله والي بنك المعرب عبد اللطيف الجواهري يوم الأربعاء الماضي .(وجود ائتلاف حكومي يشتغل في انسجام وجدية، لا يمكن الا ان يمنح وضوحا في الرؤية لمختلف الفاعلين الاقتصاديين ) ولكي يضع الأصبع اكثر فوق الجرح قال : ان الاستقرار السياسي اصبح عاملا أساسيا يؤخذ بعين الاعتبار من قبل المؤسسات والمنظمات الدولية ووكالات التصنيف الائتماني في تعاملها مع الدول ) لم يعد السؤال هو، هل الأزمة الموجودة في الأغلبية يؤثر على الاقتصاد وصورة البلد في الخارج ام لا. أصبح السؤال هو كم كلفت الأزمة الحكومية بعد مرور خمسة أسابيع على اعلان حزب الاستقلال عن انسحابه موقوف التنفيذ من الحكومة. والسؤال الثاني من سيدفع هذا الثمن الشعب، ام الاحزاب التي تبتز بعضها البعض، وعينها على الكراسي الوزارية، والانتخابات القادمة ؟
لا حاجة للجواب انه معروف. شباط يقول لبنكيران اكرهك نعم، اخرج من الحكومة لا. انه يعول على وساطة ملكية تعيده الى الحكومة بشروط افضل. المشكلة هنا ان شباط لا يريد مقعدا وزاريا هنا وآخر هناك، يريد من بنكيران ان يقتسم معه منصب رئاسة الحكومة ويريد تفاوضا من الان حول الانتخابات الجماعية، ويريد حرية اكبر في استغلال المشاركة الحكومية لحزب الاستقلال في توسيع رقعة الميزان، ورعاية زبناء الحزب بعيدا عن كثرة الحديث عن الفساد والتخليق والشفافية، وما الى ذلك من قاموس بنكيران الذي يزعج أقطاب الحزب التقليدي.
من جهته يحاول القصر ان يبتعد عن التورط في الأزمة الحكومية، ويبدو ان الحماس الذي كان في الساعات الاولى لإعلان الاستقلال الانسحاب من الحكومة باستعمال الفصل 42 لم يعد كذلك، وهذا ما يفسر تريث الملك لمدة خمس أسابيع قبل استقبال أطراف النزاع الحكومي. القصر يعرف ان الدول الكبرى تتابع عبر سفاراتها ومخابراتها ومراكزها ما يجري في المغرب، وأنها تنتظر نتائج الوصفة المغربية لمواجهة الربيع العربي. ثم ان قرار حزب الاستقلال بالاختباء وراء التحكيم الملكي المزعوم اثار استياء في أوساط عدة للرأي العام، وهو ما يفسر خروج تصريحات وكتابات عدة كانت قبل أسابيع تطبل للتحكيم الملكي كحل وحيد للازمة الحكومية، وصارت الان تقول ان الملك فوق خلافات الاحزاب. المناخ تغير. بنكيران هو أيضاً ليس في وضع مريح. من جهة لا يستطيع ان يدفن راسه في الرمال، وكأن شيئا لا يحدث في حكومته. ومن جهة اخرى لا يريد ان يقترح حلا للخروج من الأزمة، مادام الملف وضع بين يدي الملك، فهو يتحرج في المبادرة لاقتراح مخرج من المازق الراهن . ثم انه سعيد هذه الايام وهو يرى شباط ( يخبط خبط عشواء ) لا هو قادر على الخروج من الحكومة، ولا هو قادر على التراجع عن قرار الانسحاب من البيت الحكومي.
بنكيران يعرف ان حلفاءه في الحكومة كما خصومه خارجها، لا يودون الذهاب بالأزمة الحكومية الى درجة تنظيم انتخابات سابقة لاوانها، لان ذلك سيخدم اسهم الإسلاميين المرتفعة هذه الايام في بورصة الشارع، ولهذا فانه يقول (من تسبب في الأزمة عليه ان يجد حلا لها.) لكن هذا ليس اختيار رجل الدولة الذي يفكر في مصلحة البلد قبل اي شيء. كلام الجواهري أعلاه ناقوس إنذار للجميع للذي صنع هذه الورطة وللذي لا يعرف الان كيف يخرج منها.
الحقيقة التي لا تراها الطبقة السياسية اليوم ان قواعد اللعبة تغيرت في المغرب، وان مثل هذه الأزمة لم يكن يتصور ان تقع في المرحلة السابقة، واذا ما حدث ووقعت فإنها تحل بالهواتف والتعليمات في الليل قبل طلوع الفجر. الان هناك دستور جديد وهناك أعراف جديدة تستقر وهناك رأي عام يتطلع الى نضج السياسيين كل السياسيين واحترامهم للممارسات الديمقراطية، ولو في حدها الأدنى، هذا ما يفسر طول هذه الأزمة الحكومية اليوم، ولو انها مكلفة اقتصاديا، فإنها تكشف ضيق هامش المناورة، امام سلطات التحكم التي لم تألف وضعا مثل هذا.