مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون الإضراب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يرحب باعتماد اللجنة العربية لحقوق الإنسان لتوصيات تقدم بها المغرب    المركزيات النقابية تعلن نجاح الإضراب العام بنسب كبيرة في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة    مؤشر "مازي" يسجل تراجعا في تداولات بورصة الدار البيضاء    انطلاق منتدى Nexus WEFE بطنجة لبحث تحديات التغير المناخي والأمن الغذائي    بتهم "المساس بأمن الدولة".. أحكام مشددة بحق الغنوشي وصحافيين تونسيين    الكاف يكشف موعد ومكان قرعة ربع نهائي العصبة وكأس الكونفدرالية    إحباط محاولة للتهريب الدولي للمخدرات من ميناء بني أنصار    الاتحاد المغربي للشغل يقول إن نسبة المشاركة في الإضراب العام بلغت 84,9 في المائة    ستيني يُنهي حياته داخل منزله في مرتيل    اختفاء طفلين في طريقهما إلى سبتة من مدينة العرائش والمصالح الأمنية تواصل البحث    رئيس الحكومة يعطي الانطلاقة الرسمية لفعاليات الدورة السابعة لمعرض "أليوتيس" الدولي بأكادير    مسؤول نقابي بتطوان: سنبقى في الشارع حتى يسقط هذا قانون الإضراب المشؤوم    السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وفلسطين تجدد رفضها تهجير سكان غزة في "رسالة مشتركة" لوزير الخارجية الأمريكي    مجلس النواب يصادق بالإجماع على مشروع قانون متعلق بالتنظيم القضائي    إطلاق نار في محيط محطة ميترو ببروكسيل    بلال الخنوس يتوج كأفضل موهبة لعام 2024    مجموعة إسبانية تعتزم افتتاح منتجع فاخر في طنجة    المعقول .. من اللامعقول السياسي عند تبون من خلال حواره! -2-    أخنوش يستعرض المؤشرات الاقتصادية والمالية للمغرب ويؤكد مواصلة الإصلاحات    منتخب لبؤات الأطلس أمام مواجهات ودية    الشامي: عدم التفاعل مع الاستشارات العمومية يضعف الثقة في المؤسسات    رونالدو بعد بلوغ سن الأربعين: أنا أعظم لاعب في التاريخ    منصة "واتساب" تعلن عن تحديث جديد لتشات جي بي تي داخل تطبيقها    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    جامعة عبد المالك السعدي تعزز البحث العلمي في مجال القنب الهندي باتفاقية جديدة مع الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المرتبطة بالنبتة    انحراف حافلة يخلف قتيلة ومصابين    انتقادات لعدم تنفيذ الحكم ضد المتهمين في قضية "كازينو السعدي" رغم صدور قرار النقض    أجراس الحداثة البعدية في مواجهة منابر الحداثة    تأجيل أم إلغاء حفل حجيب بطنجة؟ والشركة المنظمة تواجه اتهامات بالنصب    كعكتي المفضلة .. فيلم يثير غضب نظام المرشد في إيران    ماذا يعرف الأطباء عن أعراض وعلاج الاحتراق النفسي؟    أولمبيك آسفي يتمسك بمدربه أمين الكرمة بعد فترة توتر    بلقاسمي: ملعب الرباط سيدخل كتاب " غينيس"    ميلان يعلن تعاقده مع جواو فيلكس على سبيل الإعارة    تنقيط لا يليق بالحارس الرجاوي أنس الزنيتي في مباراته الأولى مع الوصل    أسعار الذهب ترتفع إلى مستوى تاريخي جديد    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    البريد بنك يحصد 3 ألقاب في Les Impériales 2025    سياسات ترامب الحمائية هل ستؤدي إلى حرب تجارية جديدة؟    الولايات المتحدة.. مجلس الشيوخ يؤكد تعيين بام بوندي في منصب وزيرة العدل    بلغ عددهم 67.. فرق الإنقاذ تعثر على جثث جميع ضحايا تحطم طائرة واشنطن    الحكومة حريصة على توفير المواد الاستهلاكية بوفرة خلال شهر رمضان المبارك    ترامب يوقع على أمر تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان    خلال جلسة مساءلة أخنوش في المستشارين... حزب الاستقلال يؤكد على وفائه لحلفائه في الحكومة    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    بنسعيد يعلن عن تقييد مآثر جديدة    الصناعة السينمائية المغربية تحقق أرقامًا قياسية في 2024    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    تنظيف الأسنان بالخيط الطبي يقلل خطر السكتات الدماغية    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المساءلة الشهرية
نشر في فبراير يوم 20 - 06 - 2013

ينص الفصل 100 من الدستور على ما يلي : "...تُقَدَّمُ الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتُخَصَّصُ لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتُقَدَّمُ الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة".

ينص الفصل 100 من الدستور على ما يلي : "...تُقَدَّمُ الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتُخَصَّصُ لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتُقَدَّمُ الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة".


بمقتضى هذا الفصل، يتعين على رئيس الحكومة، أن يَمْثُلَ شهريًا أمام كل من مجلسي البرلمان للجواب على أسئلة النواب والمستشارين المتعلقة بالسياسة العامة. لا شك أن الحفاظ على انتظامية هذا الطقس يبدوا أمرًا مرهقاً للغاية. والأصل أن لحظة المساءلة البرلمانية للحكومة هي لحظة يُوضع فيها الفاعل الحكومي في موقف ضعف، في العادة، ويُوضع فيها الفاعل البرلماني، في موقف قوة؛ ولهذا فإن الفقرة الخاصة بالمساءلة الشهرية، من الفصل 100، قد تكون وُضِعت في الأصل لإخضاع بنكيران لمسلسل من الهجوم المتوالي وتعريضه لسياط النقد والمتابعة القاسية، وبُذل كل شيء لكي يصل إلى قبة البرلمان خطباء مفوهون وجنرالات الضربات القاتلة وعباقرة تصيد الهفوات وأبطال الملاكمة من الوزن الثقيل. وكانت النتيجة أن بنكيران ذبح خصومه بالسكين ذاته الذي أًُعِدَّ لذبحه، وأصبح هو من يمارس الهجوم الضاري، فينقض كأسد على فريسته ويحولها إلى أشلاء متناثرة، ويغادر ساحة الوغى مزودًا بقدر أكبر من الشعبية، وقد حقق النقل التلفزي لجلسات المساءلة الشهرية نسب مشاهدة عالية.

اضطرت فرق المعارضة مجتمعة إلى مقاطعة الجلسة الأخيرة، وفضلت الانسحاب من المعركة بحجة رفضها استمرار إخضاع تلك الجلسات لنفس المنهجية التي تَمَّ التوافق عليها مؤقتا، وظهر للمعارضة، اليوم، أن هذه المنهجية في حاجة إلى تعديل.

انتقدت المعارضة التقسيم الثلاثي للزمن الذي يقضي بمنح الحكومة ثلث الزمن، ومنح الأغلبية ثلث الزمن، ومنح المعارضة الثلث الباقي، مع تمكين رئيس الحكومة من عشر دقائق تُضاف إلى المدة المخصصة للحكومة. هذا يعني، حسب المعارضة، أنها لا تستفيد إلا من ربع الحيز الزمني المتعلق بالجلسة الشهرية، وأن هذا التقسيم غير منصف ولا يتماشى مع "المكانة الخاصة" التي أفردها الدستور للمعارضة من خلال فصله العاشر، ولا مع أهمية الغاية الرقابية المتوخاة من الجلسة. ولهذا تمت المطالبة بتجاوز هذا التقسيم التقليدي واعتماد تقسيم قائم على التساوي بين الزمن الممنوح للمعارضة، من جهة، والزمن الممنوح للحكومة وأغلبيتها، من جهة ثانية.

وانتقدت المعارضة، أيضًا، أسلوب الوصاية الذي تمارسه الحكومة، ودعت إلى تمتيعها، كمعارضة، بحرية أكبر في اختيار الأسئلة.

ولكن المعارضة اضطرت، كذلك، وربما كان هذا هو بيت القصيد، إلى انتقاد مضمون الخطاب الذي ينتجه شخص رئيس الحكومة، بمناسبة الجلسات الشهرية، واتهمته بتحويل هذا الآلية إلى وسيلة للدعاية، والفرجة، وتصفية الحسابات الحزبية والسياسوية، واجترار مواضيع متقادمة، وبعث الرسائل إلى خارج البرلمان، واستمالة الناخبين، والدخول مع بعض مكونات الأغلبية نفسها في لعبة تبادل الشتائم. وبعبارة أخرى، اتُهم بنكيران بأنه لا يتصرف، خلال الجلسة الشهرية، كرجل دولة، بل كزعيم حزب وشيخ قبيلة سياسية. لكن أصدقاء الرجل اتهموا، من جانبهم، المعارضة بأنها تريد تعطيل الدستور والقيام ب "انقلاب دستوري ناعم"، وأن انتظار حصول توافق جديد على مساطر تدبير الجلسة الشهرية لا يبرر مقاطعة الجلسة، وأن الفصل العاشر من الدستور يحدد الحيز الزمني الممنوح للمعارضة بشكل مطابق لنسبة تمثيليتها، وأن رئيس الحكومة حر في اختيار أسلوبه في مخاطبة عموم الناس ومخاطبة البرلمانيين، وأن لكل رجل سياسة طريقته في القول والتعبير، والتصويت عليه يعني، من بين ما يعني، استحسان الناخبين لهذا الأسلوب واستطابتهم له، وأن لا شيء يمنع المعارضة من العمل على تطوير جاذبية خطابها وتعزيز قدرته الإقناعية وتحسين طريقتها في التواصل، وأن النقل التلفزي لوقائع الجلسة الشهرية يعني أن الجمهور العام يكون،بشكل غير مباشر، حاضرا، ويتعين أن يُوَجَّهَ إليه الخطاب أيضًا،و أن تُتاح له فرصة المتابعة المفيدة لتلك الوقائع وأن تُعرض أمامه مختلف وجهات النظر والرهانات والحجج التي تنطلق منها مختلف مكونات البرلمان.

هناك إحساس عام لدى عموم الطبقة السياسية بأن جلسة المساءلة الشهرية تحولت إلى جلسة فروسية شهرية، تُتاح فيها لبنكيران فرصة مخاطبة الشعب وشرح مواقفه كرئيس حكومة وكقائد سياسي، وأنه يحسن، خلالها، تبليغ رسالته. وعندما يختار معارضوه المزايدة عليه يفحمهم بترديد سؤالين حاسمين : ماهي البدائل التي تقترحونها اليوم؟ وماذا صنعتم في الماضي؟

حين يقررون الهجوم على الرجل يرد الصاع صاعين، ويهجم هو الآخر، ويلبس جبة " المعارض" الشرس، ويعود إلى خطب الساحات العامة واللقاءات الجماهيرية الحاشدة، ويهدد بفتح الملفات وتعرية الحقائق، ويلتهم خصومه التهاما، وينجح في تمييل الكفة لصالحه. والنتيجة أننا، منذ مدة، نعيش تحولاً دالاً، فقد كانت المعارضة في الماضي هي المستفيدة الأولى من النقل التلفزي لجلسات البرلمان، وأصبح رئيس الحكومة، اليوم، هو المستفيد الأول من النقل التلفزي لتلك الجلسات.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هنا، هو التالي : من أين يستمد بنكيران كل هذه القوة والسطوة والجبروت، بشكل يرعب الكثير من الجهات ويدفعها إلى إعادة حساباتها والسعي إلى تغيير قواعد لعبة وضعتها هي نفسها؟

والجواب الأقرب إلى الصواب، في نظرنا، هو أن بنكيران يستمد قوته، أولا وقبل كل شيء، من ضعف خصومه ومعارضيه. ويتجلى هذا الضعف، أساسا، في تجاربهم الماضية، والخصاص المريع الذي يعانونه في المصداقية، والتناقضات الصارخة التي يقعون فيها.

خصوم بنكيران في البرلمان، أو أكثر هؤلاء الخصوم، يعيبون على الرجل عدم خوض معركة الإصلاح الشامل، ولكنهم، في الوقت ذاته، يخشون قيامه بالإصلاح؛ يخافون من الماضي لأن الكثير من ملفاته تحرجهم، ويخافون من الحاضر والمستقبل لأنهم غير مطمئنين إلى ما قد يفرزانه من مفاجآت؛ يعارضون بنكيران، ولكنهم عاجزون عن بناء أساس متين ومنسجم للمعارضة وصهرها في بوتقة منطق متكامل ومتماسك، فهم يؤاخذونه، مثلاً، على عدم تفعيل الدستور وعدم ممارسة صلاحياته، ولكنهم، في الوقت ذاته، يتصرفون، سياسيًا، بما يفيد رفض الاعتراف بأن تلك الصلاحيات هي صلاحيات رئيس الحكومة.

إن قضية (المساءلة الشهرية)، وما أُثير حولها من نقاش، وما ترتب عنها من تداعيات، قد تسمح لنا بالخروج ببعض الخلاصات الأولية :

إننا دخلنا، ربما، زمنا مليئا بالمفاجآت، ولم يعد من السهولة بمكان، على مختلف الأطراف، وخاصة على القوى التقليدية، أن تحتاط لكل الطوارئ وأن تتهيأ لكل الاحتمالات وأن تتحكم بسهولة في مجرى الأحداث، فمجال غير المتوقع يتسع، والأسلحة التي قد يتم تحضيرها لسحق الخصوم ربما تتحول إلى أسلحة بين أيدي هؤلاء الخصوم؛

دور الإعلام والصورة يتزايد، يوما عن يومًا، وتأثيره يتعاظم، فلو كانت جلسة المساءلة الشهرية تمر بدون تغطيات إعلامية لما كان الأمر سيُطرح بالشكل الذي طُرح به؛

الطابع الفريد لشخصية بنكيران له تأثيره الخاص، فلو كان هناك قائد آخر من العدالة والتنمية هو الذي يوجد في موقع رئيس الحكومة لحملت المواجهة طعما آخر؛

الدستور الذي تم تقديمه إلى الناس كنص بلغ "الكمال"، بدأت عيوبه تظهر حتى لدى صناعه، فالجلسة الشهرية، وبغض الطرف عن خلفيات مختلف الأطراف، هي آلية صعبة التدبير ولا بد من التفكير في مراجعة دستورية بهذا الشأن؛

البيان الذي أصدرته فرق المعرضة لشرح أسباب مقاطعة الجلسة الشهرية الأخيرة يقدم تقييما شاملاً للمشروع "البنكيراني" ويظهر كما لو أن محرريه يشتركون في التوجهات السياسية الكبرى؛ فهل نحن بصدد ميلاد حزب واحد معارض بتسميات مختلفة ؟

هناك(*) حاجة، اليوم، في قبة البرلمان، إلى قوة سياسية، تعكس الهواجس الحقيقية للشارع، من جهة، وتمارس المعارضة بطريقة مختلفة، من جهة أخرى؛ قوة ترنو إلى التغيير الهيكلي العميق، لا تجامل بنكيران، ولكنها لا تجامل، كذلك، المراكز الأخرى للمحافظة والنفوذ والسلطوية والامتيازات، ولا تنتظر مكافأة، من تلك المراكز، على معارضتها لبنكيران.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.