الأزمة الحكومية تدخل أسبوعها الثاني ولا حل في الأفق. شباط مازال يصب الزيت على النار في محاولة للضغط على غريمه قبل الجلوس إلى الطاولة الملكية للبحث عن حل، وبنكيران مازال يردد أن الحكومة بخير رغم أن الأغلبية مريضة، وكأن الحكومة ابنة غير شرعية للأغلبية. إعلام الحزبين في معركة مفتوحة، وأسرار المفاوضات، التي سبقت تلويح حزب الاستقلال بمغادرة سفينة الحكومة، بدأت تطفو على السطح. بنكيران يقول إن شباط يريد تغيير تركيبة الحكومة بأكملها، أي خلط كل الأوراق وإعادة التوزيع من البداية. لماذا؟ لأن هناك قيادة جديدة على رأس الحزب، وعهدا جديدا. ماذا يريد شباط بلا لف ولا دوران؟ عمدة فاس يريد قطع رؤوس الوزراء الموالين لعباس الفاسي في الحكومة. هذه فهمناها، ثم ماذا أيضاً؟ يريد وزارتين هامتين يعتبر أن عباس الفاسي فرط فيهما أثناء المفاوضات مع بنكيران قبل سنة ونصف، وهما وزارتا التجهيز والنقل ووزارة الصحة، لأنه بدون هاتين الوزارتين سيكون خوض الانتخابات القادمة جد صعب بالنسبة إلى حزب كان دائماً يعتبر الوزارات والإدارات أوراقا انتخابية رابحة. وماذا أيضا؟ شباط قطع وعدا لمحمد الدويري، الراعي الرسمي له، بأن يضع ابنه عادل الدويري على رأس وزارة المالية، ولهذا يحتاج إلى التخلص من إدريس الأزمي الذي يشغل ثلث وزارة المالية. رجل الأعمال الناجح لا يقبل بأقل من وزارة المالية كاملة بدون شريك فيها. كان هذا شرطه للمشاركة في حكومة عباس، ولما تحفظ القصر آنذاك على صيغة: «إما وزارة المالية أو ممشاركش»، اعتبر الدويري الأمر مسألة شخصية، ومن سيعيد إليه الاعتبار الآن أفضل من مريد تربى في حجر والده في العاصمة المقدسة فاس؟ هل هذا كل شيء؟ لا، مازالت هناك مطالب أخرى لا تصح كتابتها في المذكرات والإدلاء بها في التجمعات. شباط يتصرف كنقابي يريد الرجوع إلى التوظيف بدون مباريات لأن النقابة التي يرأسها ستصبح بدون أسنان وأظافر، وإذا لم تفرض على الحكومة شروطها سينفض الناس من حولها، فإذا كانت نقابة حكومية لا تستطيع أن تلبي المطالب الفئوية في قطاعات عدة، فلماذا تقصدها الجماهير الشعبية وأمامها نقابات المعارضة؟ ماذا أيضا؟ شباط يتمنى أن يغض بنكيران الطرف عن الانتخابات الجماعية، من هنا إلى 2015، حتى يستعد حزب الميزان جيدا لها، وحتى تخبو جذوة المصباح. ماذا يريد بنكيران من شباط؟ يطلب منه، أولا، الهدوء وترك القاموس الحربي جانبا، والتصرف كشريك في الحكومة وليس كمنافس في المعارضة. ثانيا، يطلب بنكيران من شباط أن يغير في قائمة وزرائه لا غير، وأن يقترح أسماء تحظى بالاحترام والاتزان، وألا يدفع بأتباعه الأكثر شغبا إلى وسط البيت الحكومي، حتى لا يزيدوا بنكيران متاعب على متاعبه. ثالثا، يريد بنكيران من شباط أن يقبل به كرئيس للحكومة، وألا يمد رأسه إلى أكثر من رئاسة حزب حصل على المرتبة الثانية في الانتخابات، وأن يتقبل أن العدالة والتنمية هو الحزب الأول، وأن رئاسة الحكومة مؤسسة دستورية وليست أداة تنفيذية لما تقرره خلية الأغلبية، وأن إبداء الرأي شيء، وتعطيل المشاريع الكبرى للحكومة شيء آخر. رابعا، يطلب بنكيران من شباط أن يتصرف كرئيس حزب مشارك في الحكومة، وليس كنقابي معارض يقلب الطاولة كلما أحس بأن مطالبه غير ممكنة التحقيق، أو أن محاوره لا يستجيب. هذه، باختصار، مطالب كل واحد من الآخر، وكما ترون، فهي مطالب متعارضة وتصدر عن رؤيتين مختلفتين ليس إزاء تدبير الشأن العام فحسب، بل في تصور كل طرف لمصالحه وحساباته. حزب الاستقلال له تجربة طويلة في الحكومات المتعاقبة، وهو حزب طور آلة انتخابية ونمطا من العيش السياسي لا يتأثر مطلقا بنوع مشاركته في الحكومات كيفما كان لون هذه المشاركة. لقد رأينا كيف كانت حصيلة عباس الفاسي كارثية في الحكومة السابقة، وكيف أن عباس «أنزل الذل» على منصب الوزير الأول، وكيف كان عجينة طيعة في يد السلطة تصنع به ما تشاء، لكنه في الانتخابات حصل على المرتبة الثانية (وزاد من عدد المقاعد التي كانت في حوزته سنة 2007 حيث انتقل من 52 مقعدا إلى 60 مقعدا في مجلس النواب في 2011)، ولولا الحراك المغربي، الذي فك الطوق عن العدالة والتنمية، لحصل حزب الاستقلال على المرتبة الأولى في انتخابات يونيو 2011، وكل هذا بفضل خبرته وبرغماتيته وقدرته على توظيف الوزارات والإدارات والمؤسسات العمومية والصفقات في توزيع المنافع على زبنائه، لهذا، عندما يشارك في حكومة يعتبر رئيسها أن محاربة الريع والفساد من أولوياته.. حكومة ترفض توظيف المعطلين بدون مباراة، وتفتح المناصب الكبرى في الدولة أمام ترشيحات من كل لون وجهة وشريحة، فهذا أمر يهدد القلاع الاستقلالية، ويهدد روح الآلة الانتخابية للميزان. شباط يشعر بأن خصمه بنكيران هو المستفيد الأول من الحكومة الحالية، وقد رأى كيف خاض الانتخابات الجزئية وحصد جل مقاعدها رغم أن حصيلة الحكومة جد ضعيفة، فلماذا سيستمر معه في السفينة نفسها إذا كان يخسر كل يوم معركته القادمة بالنقط؟ من هذه الزاوية شباط معه الحق.. الشهر الذي لا أتقاضى راتبه لماذا أعد أيامه؟!