كتب الأستاذ والشاعر صلاح الوديع والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة هذا النص في إطار ملف نشرته "أخبار اليوم" في عددها لنهاية الأسبوع الجاري، تحت عنوان:"هؤلاء يحلمون بمغرب آخر" حين وقع في أذني سؤال : "كيف تحلم بالمغرب؟" فوجئت بسؤال مُهاتفي. تنازعتني أسئلة كثيرة رغم أن الحلم إياه يراودني باستمرار كما يراود آخرين. عن أي حلم سوف أتحدث؟ عن الحلم "المطلق" الذي لا يستقيم إلا في الجنة؟ أم عن الحلم الممكن. ذلك الذي بإمكانه أن يتحقق وأنا على قيد الحياة... أو أن يتحقق منه – على الأقل - جزء حقيقي دال؟ كان عليَّ ألاَّ أتيه في تفاصيل صغيرة أو بين اعتبارات كبرى... كان يجب اختيار نطاق الحلم ومساحته إذن... اهتديتُ في النهاية إلى أن أطرح السؤال كما هو ودون ميعاد على أول تجمع لمغاربة أصادفهم. كان التجمع الذي تحقق لي هو حفل عيد ميلاد شاب من العائلة فوجئت بزوجتي وهي تنظمه في بيتنا مساء. طرحت السؤال وانتظرت الأجوبة. ويجب أن أعترف بأنني ساهمت في توجيه بعض الأسئلة لأحصل على أجوبة بشأنها. هو إذن جواب بصيغة الجمع حول كعكة عيد ميلاد شاب مغربي سيعيش المغرب الذي به حلمنا ونحن نتلذذ بنصيب من الحلوى... أحلم بعودة الأمان الذي كانت تخلقه الجيرة الحسنة بين الجيران. أحلم بباب منزلنا لا يقفل ولا يدخله الغاشي أبدا من دون استئذان. أحلم بالأيام القديمة حيث لحوم الأضاحي لا تتجاوز ثلاثة أيام بيننا، فيذهب لكل محتاج نصيب. أحلم بعودة المدرسة العمومية إلى دورها الأول وحنانها الأول. أحلم بالنشيد الوطني المشترك في ساحات المدارس مثل موجة من الرذاذ المنعش. أحلم باضمحلال الفوارق الاجتماعية الصارخة. أحلم بالصحة للجميع. أحلم بدُور الثقافة في كل حي وبدُور الشباب الممتلئة بالحياة في كل مدشر. أحلم بطرقات دون أزبال وبربوع دون أكياس بلاستيك. أحلم باحترام الجميع لقانون السير وعلامات التشوير على الطرقات. أحلم بطرقاتٍ...طرقات. أحلم بأحزاب تحترم نفسها وسياسيين يهتمون بالشأن العام حقا قبل الخاص. أحلم بسياسة بطعم الأخلاق ولو في أبسطها تعبيرا وبمنتخبين يدركون معنى المسؤولية، ولا ينفقون على الانتخابات مال قارون. أحلم بتقليص رواتب وامتيازات الوزراء والموظفين الكبار. أحلم بالملك يسود ولا يحكم. أحلم بسفر أبدؤه من السعيدية وأنهيه في الداخلة. أحلم بصلاة صامتة وحيدا، البحر أمامي وفيافي الصحراء وراء ظهري. أحلم بحزب حاكم يتجرأ على المسؤولية ضمن أحكام الدستور. أحلم بساسة يقولون ما يفعلون. أحلم بمؤسسات لا تنتظر الضوء الأخضر إلا من القانون. أحلم بمنع الساسة من استعمال القاموس الحيواني. أحلم بمنع الوزيرات من تشبيه المواطنات بالحيوان. أحلم بإنزال العقوبة القصوى في حق مغتصبي الشابات لا تزويجهن لهم. أحلم بأمراء يحترمون واجب التحفظ حين يختارون الاحتفاظ بالمرتبة الأميرية وامتيازاتها. أحلم بساسة لا يعلقون فشلهم على مشاجب العفاريت أو التماسيح أو طائر الرخ. أحلم بوزراء يتجرؤون على الاستقالة. أحلم برجال يكتفون بتقبيل أيادي الأطفال. أحلم بعالم أرحم وبعنف أقل. أحلم بزيارة رام الله والقدس وغزة بلا طوابير انتظار أمام شباك إسرائيلي. أحلم بسياسات تضع جمالية المدينة في أولويات جدول الأعمال. أحلم ببيت من الشعر في علبة حلوى. أحلم بأحياء حياة لا أحياء صفيح. وبشباب لا يكسرون المحلات التجارية والسيارات عقب كل انهزام لفريقهم المفضل. أحلم بساسة يهتمون بإنتاج الخيرات وتوزيعها هنا والآن ويتركون توزيع خيرات الآخرة ليوم الحساب. أحلم بخجل أصحاب الفتاوى "المهرازية" وبتواضع الفقهاء المتبجحين بمعرفة صحيح الدين أفضل من غيرهم كأنهم يحدثون جهلةً جاهليين. أحلم بصمت كل من يدعي قربه من الله والله أعلم بقرب عباده منه في المقام الأول والأخير. أحلم بفرض إتاوات - عبارة عن إطعام عدد من المساكين مما ينفقون - ضد كل من يكفر الآخرين ويحتكر لنفسه سلطة الدنيا وثواب الآخرة دون خجل. أحلم بنساء لا يتلقين الضرب إلا بالورود. أحلم بجمعيات مدنية تلتزم بدقة بالحكامة التي تنادي السلطة باحترامها. أحلم ببادية خضراء على طول السنة. أحلم بمواطنين لا يتهربون من أداء ضرائبهم. أحلم بضرائب تضامنية على الثروات الكبرى. أحلم بأموال الأثرياء تستثمر في البلاد لا خارجها. أحلم بمغرب لا "حكرة" فيه ولا غربة. أحلم بمغرب الجهات ومغرب الحكم الذاتي في الصحراء حيث يطوى كابوس مفتعل منذ أربعة عقود. أحلم بطرق بلا رشوة. أحلم بالمؤسسات العمومية تحترم المبدأ الدستوري للمناصفة بروح رياضية. أحلم بناخبات يفرضن المناصفة انطلاقا من صناديق الاقتراع. أحلم بالتوصل برسالة بالحرف الأمازيغي حتى أضطر لتعلم لغتي الجديدة. أحلم بمثقفين كثر يقبلون بتلويث أصابعهم بالفحم من أجل إشعال موقد البناء الديمقراطي. أحلم بكتاب لكل مواطن وبمكتبات متنقلة في البوادي. أحلم بالعطلة للجميع والسينما للجميع والمسرح للجميع. أحلم بعمر الخيام نموذجا في التمتع المتزن بمباهج الدنيا، الصلبة منها والسائلة... أحلم بالضرب على أيدي جلادي و"جلادات" الطفلات الخادمات، بلا رحمة. أحلم بسن عقوبات أشد على مغتصبي الأطفال. أحلم بإلغاء حكم الإعدام. أحلم بأحزاب تقدم نقدا ذاتيا ولو مرة كل جيل. أحلم بالعناية بكل المآثر الثقافية والحضارية المغربية. أحلم ببرامج دائمة للحفاظ على المعمار المغربي واللباس التقليدي المغربي والطبخ المغربي. أحلم بمغرب بلا صحافيين يجدون أنفسهم وراء القضبان. أحلم بصحافة تتقن عملها ولا تترامى على اختصاصات الآخرين. أحلم بإعلام سمعي بصري عمومي بأداء مهني. أحلم بدوره الكامل في الحفاظ على الشخصية المغربية وصيانة النسيج المجتمعي والانفتاح على العالم. أحلم بنشرة أخبار متلفزة لا تتجاوز 25 دقيقة. أحلم بأعياد للعطر والموسيقى. أحلم بكل أشكال التعبير الفولكلوري المغربي تنتشر في العالم. أحلم باستمرار مسابقة حسناوات حب الملوك. أحلم بعودة تقليد الاحتفال ب"سلطان الطُلبة". أحلم باستمرار مشاهد التبوريدة وبالمحو الكامل للأمية على كل المستويات. أحلم بحركة نقابية موحدة. أحلم بالتعاقدات الاجتماعية الدورية الملزمة. أحلم بالتضامن عنوانا لها. أحلم بانتهاء عهد الإضرابات التي تشن بدون سبب وعهد الوقفات التضامنية الظالمة، أحلم باستمرار المشروع منها فقط. أحلم بأساتذة بضربون احتجاجا على ضعف البرامج التعليمية لا فقط من أجل الزيادة في الأجور. أحلم بالتطبيق الصارم لقانون يمنع على كل الشباب المتخرج الاشتغال في المدن الكبرى إلا بعد أداء الخدمة خلال 5 سنوات في البوادي والجبال. أحلم بأبنائي وبناتي وهم سعداء بما اختاروه لحياتهم من مهن والتزامات. أحلم بنظرة ارتياح مني إلى النصف الممتلئ من كأس حياتي وأنا أتهيأ لوداع الدنيا... أحلم وأحلم، ما دام في القلب متسع للأحلام... هي أحلام متعددة دون تبويب ولا ترتيب ولا أولويات. تماما كما تتتابع لحظات حلمك أيها القارئ...