عندما طلب مجلس الأمن وقف «المسيرة « وأجاب الحسن الثاني : لقد أصبحت مسيرة الشعب    وهبي للمحامين: هل تريدونني أن أنبطح أرضا على بطني؟ ادخلوا للأحزاب وشكلوا الأغلبية وقرروا مكاني        ذكرى المسيرة الخضراء: ملحمة خالدة في مسار تحقيق الوحدة الترابية    بنك المغرب يكشف حقيقة العثور على مبالغ مالية مزورة داخل إحدى وكالاته    في "أول ظهور برلماني".. زيدان يراهن على جذب وتبسيط استثمارات الجالية    "يوسي بن دافيد" من أصول مغربية يترأس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    الوداد يواجه طنجة قبل عصبة السيدات    "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة" إصدار جديد للشاعرة مريم كرودي    18 قتيلا و2583 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    الأحمر يغلق تداولات بورصة الدار البيضاء            أخنوش: خصصنا في إطار مشروع قانون المالية 14 مليار درهم لدينامية قطاع التشغيل    جدل في البرلمان بين منيب والتوفيق حول الدعوة ل"الجهاد" في فلسطين    قرض ب400 مليون أورو لزيادة القدرة الاستيعابية لميناء طنجة المتوسط    التجمع الوطني للأحرار يستعرض قضايا الصحراء المغربية ويشيد بزيارة الرئيس الفرنسي في اجتماع بالرباط    إسبانيا تواصل عمليات البحث وإزالة الركام بعد أسبوع من فيضانات    أنفوجرافيك | أرقام رسمية.. معدل البطالة يرتفع إلى 13.6% بالربع الثالث من 2024    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    بن صغير يكشف أسباب اختياره للمغرب    كَهنوت وعَلْموُوت    التساقطات ‬المطرية ‬أنعشت ‬الآمال ..‬ارتفاع ‬حقينة ‬السدود ‬ومؤشرات ‬على ‬موسم ‬فلاحي ‬جيد    رئيس الحكومة يستعرض إنجازات المغرب في التجارة الخارجية    "روائع الأطلس" يستكشف تقاليد المغرب في قطر    وزارة الاستثمار تعتزم اكتراء مقر جديد وفتح الباب ل30 منصب جديد    الاحتقان يخيم من جديد على قطاع الصحة.. وأطباء القطاع العام يلتحقون بالإضراب الوطني    مستشارو فيدرالية اليسار بالرباط ينبهون إلى التدبير الكارثي للنفايات الخضراء و الهامدة بالمدينة    "متفجرات مموهة" تثير استنفارًا أمنيا في بولندا    فن اللغا والسجية.. المهرجان الوطني للفيلم/ جوائز المهرجان/ عاشت السينما المغربية (فيديو)    الأرصاد الجوية تتوقع ارتفاع الحرارة خلال الأيام القادمة في المغرب    غير بعيد على الناظور.. حادث سير مروع يخلف عشرة جرحى    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    أولمبيك أسفي يوجه شكاية لمديرية التحكيم ضد كربوبي ويطالب بعدم تعيينها لمبارياته    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    هاريس في آخر خطاب لها: "كل صوت مهم في الانتخابات"    صاعقة برق تقتل لاعبا وتصيب آخرين أثناء مباراة كرة قدم في البيرو    الانتخابات الأمريكية.. نحو 83 مليون شخص أدلوا بأصواتهم مبكرا    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا        آس الإسبانية تثني على أداء الدولي المغربي آدم أزنو مع بايرن ميوني    ترامب يعد الأمريكيين ب"قمم جديدة"    استنفار أمني واسع بعد العثور على 38 قذيفة في ورش بناء    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    افتتاح النسخة الثانية من القافلة السينمائية تحت شعار ''السينما للجميع''    «حوريات» الجزائري كمال داود تقوده الى جائزة الغونكور    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المساواة بين النساء والرجال قضية إنسانية قبل كل شيء
نشر في أريفينو يوم 08 - 03 - 2013

إهداء : إلى روحي الفقيدين هشام الشعرة وأيمن المرزوقي اللذين آمنا بكل جوارحهما وناضلا بكل ما أوتيا من قوة من أجل بناء مغرب آخر تصان فيه الكرامة والحرية والعدالة، ويحترم فيه نصف المجتمع نصفه الآخر.
إلى كل إنسان عظيم يحب ويحترم نصفه الآخر، ويعتبر كافة أيام السنة أياما عالمية للمرأة ولحقوق الانسان وأعيادا للحب.
إن المساواة بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات هي قضية إنسانية قبل كل شيء، ولا يمكن تحقيقها في أي مجتمع إلا إذا توفرت الإرادة، وحصلت القناعة للمرأة وللرجل على حد سواء، بأنهما يختلفان بيولوجيا فقط، حيث يتميز كل واحد منهما بوظيفة خاصة، تكونان مزدوجة لا يمكن أن تتوفر إحداهما دون الأخرى، مما يجعلهما ( المرأة والرجل) كائنين متكاملين يستحيل أن يستمر البقاء لأحدهما دون الآخر، وذلك إلى حد الآن على الأقل، حيث لا يزال الاستنساخ البشري محظورا قانونيا وأخلاقيا في المختبرات العلمية. أما الوضعية التي تعيشها المرأة في العصر الحالي، فإنها ناتجة بكل تأكيد عن ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية تتغير حسب المكان والزمان، مما يجعلها تتأثر بطبيعة العلاقة التي تنظم الأفراد داخل الأسرة، إذ تخضع في الوقت الراهن للنظام الأبوي (استفراد الذكر بالسلطة) كقاعدة عامة، أو للنظام الإنساني (تقاسم السلطة بين الأنثى والذكر على حد سواء) كقاعدة متطورة في طريق النمو وسط المجتمعات الديمقراطية، أو للنظام الأمومي (استفراد الأنثى بالسلطة) كقاعدة استثنائية. ولا ينكر أحد وفي الوقت الراهن، إلا العقول المتحجرة والمتطرفة، بأن الفكر المنتشر في المجتمعات الأبوية، يرفض المرأة، ويحقرها ويحملها مسؤولية خطايا الرجل فيما يتعلق بالعلاقات الجنسية، ويسلبها حقوقها الطبيعية، وينشر التمييز العنصري بين الجنسين. وذلك رغم ما يزعم ساسة وحكام هذا المجتمع الأبوي أو ذاك بأن المرأة تتمتع بجميع الحقوق، أو يُكتب زورا حول المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير، بهدف تهدئة الخواطر وذر الرماد في العيون فقط، لا غير. فهل أبوية المجتمع نظام أسري محتوم، يبقى قدرا مسلطا على المرأة وحالا يتميز بالدوام، كأنه حقيقة مطلقة لا وجود لحقيقة غيرها ؟
مما لا شك فيه أن الإنسان أصبح مختلفا عن فصائل الحيوانات الأخرى منذ أن أدرك أنه يملك قدرات عقلية قابلة للنمو. وقد مرت مئات، وربها آلاف، القرون على هذا الإدراك، قبل أن ينتقل إلى الحالة الاجتماعية ”المتطورة” التي ميزته منذ آلاف السنين عن حالته الأصلية، خاصة بعد أن أصبح يستقر مدى الحياة في أماكن بعينها، يمارس فيها أنشطة فلاحية ويعيش على شكل قبائل في أقاليم جغرافية اعتبرت ملكا خاصا يرسم لها حدودا، لا يمكن للشخص الأجنبي عن القبيلة أن يتمتع داخلها بأي حق من الحقوق، بل يمكن أن يتعرض للعدوان في أي وقت، ولأي سبب من الأسباب. ومن المؤكد كذلك أن الإنسان مر بتجارب مجتمعية عدة، لم تكن جميع المجتمعات التي كونها مجتمعات أبوية يتولى فيها الأب الولاية على الأسرة، بل كانت كذلك أمومية ترجع فيها الولاية إلى الأم، ولا يزال هذا النمط الأخير من المجتمعات متواجدا في جميع القارات يشهد على أن أبوية المجتمع ليست حتمية، شأنها شأن الأنظمة السياسية التي تنظم العلاقة بين الحكام والشعوب التي كانت تعتبر إلى عهد قريب من الأمور الميتافيزيقية عند الشعوب اللادينية، أو الربانية في المجتمعات المتدينة. ويمكن على سبيل المثال، لا الحصر، لمن يشك في وجود مجتمع أمومي خالص في الوقت الراهن أن يبحث في طبيعة العلاقة الأسرية عند مجتمع الموزو ( Moso ) في الصين أو مجتمع الميغالايا (Meghalaya) في الهند، بل يمكنه كذلك أن يستحضر وضعية كثير من الأسر في المجتمعات الذكورية المحافظة كما هو الشأن في المغرب، التي تعتبر أسرا أمومية على أرض الواقع، لأن الأم هي من يدبر شؤون البيت من ألفها إلى يائها، رغم أن المشرع لا يعترف لها بالولاية على الأسرة لأسباب اجتماعية أحيانا، أو دينية في غالب الأحيان.
لقد ارتكب الرجل خيانة عظمى في حق شقيقته المرأة منذ الأزمنة الغابرة حين استغل حسن نيتها، وثقتها أثناء غيابها لبعض الوقت عن مسرح الأحداث، خلال الفترات التي تكون منشغلة بوظيفة الأمومة، ليرتب كثيرا من الأمور لصالحه دون إشراكها، وليعمل على إخضاعها لرغباته وتدجينها تدريجيا إلى أن جعل منها جارية تابعة له، تقوم لصالحه، وبدون مقابل، بالمهام التي لا يستطيع إنجازها، كالتي تؤدى في إطار وظيفة الأمومة، أوالتي لا يريد القيام بها بسبب اعتقاده أنها تحط من كرامته، كالأشغال المنزلية ورعاية الأبناء… ومع مرور الزمن، تطورت البنيات الاجتماعية، وترسخ مفهوم الملكية لدى الأفراد والجماعات، فتصاعدت الحروب بين القبائل والدول والإمبراطوريات لبسط نفوذ القوية منها على الضعيفة. وقد كانت المرأة هي الضحية الأولى والأساسية لهذه الحروب، سواء كانت تنتمي للجهة المنتصرة، حيث لم تكن تستفيد من غنائم الحروب ولا تنعم بنشوة الانتصار على العدو رغم صبرها على غياب زوجها وتحمل مسؤولية تدبير شؤون البيت ورعاية الأبناء أثناء غيابه، الذي كان يطول لشهور، بل لسنوات في كثير من الحروب ؛ أو كانت توجد في الجهة المهزومة، حيث كان مصيرها أسوأ بكثير، لأنها كانت هي وأولادها تعتبر من غنائم الحروب، فتتحول بين عشية وضحاها إلى سلعة تباع وتشترى في أسواق النخاسة لتأثيث حريم السلاطين والأعيان إذا كانت جميلة أو للاستغلال بدون مقابل في شتى الأعمال داخل وخارج البيوت. ولما عجز الرجل عن إقناع شقيقته المرأة بأن ولاية الأسرة ترجع إليه طبيعيا، التجأ إلى شتى الحيل والدسائس، ومن أبشعها استغلال الدين لجعل هذا الأمر مفروضا بإرادة ربانية لا يجوز الخروج عنه تحت طائلة إقامة الحد على المخالفين له. وقد حصل هذا حتى عند اليهود رغم أن مجتمعهم الأصلي كان مجتمعا أموميا أقر بأحقية الأنثى وحدها في نقل العقيدة اليهودية إلى الخلف دون شقيقها الرجل.
ورغم التقدم العلمي والتكنولوجي الذي عرفه الإنسان خلال القرون الثلاثة الأخيرة، والذي بين بما لا يدع أي مجال للشك بأن المرأة لا تقل قدرة عقلية ولاجسمانية عن الرجل، لا تزال جل الدول تحتفظ بطابعها الذكوري، حيث بينت دراسة علمية حول مؤشر الفجوة بين الجنسين، تمت بناء على طلب من المنتدى الاقتصادي العالمي ونشرت نتائجها سنة 2011، أن البلدان الأسكندنافية تحتل الصدارة فيما يتعلق بتحقيق المناصفة بين النساء والرجال، وبأن باقي الدول الأروبية وأمريكا، ورغم تقدمها العلمي والاقتصادي، لا تزال بعيدة عن إنصاف المرأة طبقا لما تقره دساتيرها. أما شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط، التي تأثرت بالفكر القبلي العربي المتعصب الذي تسرب إليها في مرحلة أولى عبر نشر الدين الإسلامي، وفي مرحلة لاحقة من خلال عمليات التعريب الحديثة التي خططتها القومية العربية التي حاولت أن تجهز على الثقافات المحلية في الحواضر والبوادي على حد سواء، فإن دولها غير مصنفة حسب مؤشر التمييز بين الجنسين لأن المرأة لا تزال تعيش وضعا كارثيا وهشا لخصه الشاعر السوري الكبير نزار قباني في قوله ” كان أمامي عالم عربي، يتحكم فيه الإقطاع الاقتصادي، والجنسي، والسياسي، والخرافات، والشعوذة، والسحر، والتنجيم، والطب العربي … والقمع الجنسي، كالقمع السياسي، كالقمع الاجتماعي، كالقمع الاقتصادي، هو إحدى حلقات السلسلة الحديدية، إذن فنظرتنا المتخلفة الى الجنس هي وراء تخلفنا الاقتصادي، ووراء انقسام المجتمع العربي جنسيا الى قارتين منفصلتين…”. ولو حاول أي شخص أن يتبين هذا الأمر في مجتمعنا المغربي، فإنه سوف لن يحتاج إلى جهد كبير للوصول إلى الحقيقة المرة التي تتمثل في كون الرجل مصاب بمرض انفصام الشخصية فيما يخص علاقته بالمرأة، حيث يعتبر قريباته، كأمه وأخته على الخصوص، من المقدسات التي لا يجوز النظر إليهن كجسد جنسي قابل للوطء من طرف الغرباء، وفي نفس الوقت ينظر إلى باقي الإناث كأجساد جنسية مستباحة، لا يخجل من التحرش بهن ووصفهن بأقدح الأوصاف، ومضايقتهن في الشوارع والأماكن العمومية، واللجوء إلى أندل الممارسات لمضاجعة من يتمكن من هن، مبرزا فحولته المرضية، التي يفقدها بمجرد ”تورطه” في علاقة غير شرعية ينتج عنها فض بكرة أو حمل. ويكفي الإنصات لما يقال في الشوارع والمقاهي، وتصفح الجرائد والمجلات الإخبارية للوقوف على هول آثار التحرش والاغتصاب الجنسي في مجتمعنا، وما خفي في هذا المجال أعظم بكثير من المعلوم، وذلك نظرا لاعتبار موضوع الجنس من الطابوهات التي لا يمكن تناولها بالشفافية المطلوبة، وإلا نعت من تجرأ على ذلك بالوغد وبأقبح الأوصاف. وكم من امرأة تغتصب يوميا على فراش الزوجية، دون تمتعها بحقها في ممارسة الجنس حسب إرادتها مع من اختارته، أو اختير لها، شريكا لحياتها ؟ يستحيل الجواب على مثل هذا السؤال في استمرار ثقافة الصمت التي تلف موضوع الجنس في بلدنا كما تلف مواضيع حساسة أخرى.
ومما لا شك فيه أيضا، أن المشرع المغربي استغل الدين الإسلامي الحنيف لفرض أبوية المجتمع فرضا، مستدلا في ذلك بأراء الفقهاء الذين يؤولون ويفسرون آيات قرآنية أو أحاديث نبوية لفرض طاعة الزوجة ولو كان رب البيت سفيها، ويهددونها بنار جهنم لو بات زوجها غاضبا عليها ليلة واحدة أو قررت أن تتزوج بغير مسلم، تماما كما يفعلون لفرض طاعة الرعية للحكام حتى لو كانوا من السفاكين والسفهاء ! لا غرابة في هذا الأمر، فعندما نلاحظ أن نفس الآيات ونفس الأحاديث يمكن أن يتحول من يتدبرها بعاطفته وبعقله إلى إنسان متصوف، زاهد في الحياة، يسعى إلى التقرب من الله تعالى، ليس طمعا في قصور وحوريات وغلمان جنانه، ولكن محبة فيه بكل جوارحه، واعترافا له بنعمه في هذه الدار أولا، كما يمكن لمن يتدبرها بعاطفته وبعقل غيره أن يصل إلى حمل السيف لقطع الرؤوس ”الكافرة” أو يتحزم بحزام ناسف طمعا في دخول الجنة على حساب أرواح الأبرياء، وهو غير مبال بقوله تعالى ”من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا” صدق الله العظيم.
لقد حان الوقت كي يتصدى المجتمع برمته، وعلى رأسه المؤسسات التربوية والتشريعية، لكل أشكال التمييز ضد المرأة، وذالك حتى يعي الرجل والمرأة على حد سواء بأنهما متكاملان بيولوجيا فقط، لا يجوز قبول أية مفاضلة بينهما في الحقوق والواجبات.
فعلى المستوى التربوي، واحتراما لما تضمنه الدستور الجديد على علته، يجب على الدولة المغربية أن تراجع برامجها التربوية، سواء تعلق الأمر بالمدرسة أو المسجد أو المؤسسة الإعلامية، لإزالة كل ما يدعو إلى التمييز بسبب الجنس بشكل مباشر أو غير مباشر، فلا يعقل مثلا أن ينص الفصل 19 من الدستور على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وفي نفس الوقت تستمر المدرسة في ممارسة التمييز من خلال المقررات الدراسية وكثير من الأنشطة التي تقام داخل الفضاءات المدرسية، ويستمر رحاب المسجد يحتوي على فضاء خاص بالنساء للتعبد، وبعقلية لا ترقى إلى مستوى المساواة المنصوص عليها في الدستور، مع العلم أنه في عهد الرسول ص الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لم يكن هذا الفصل قائما، وحتى إن احتلت النساء الصفوف الخلفية في الصلاة الجماعية داخل المسجد أو خارجه، فقد كان رأفة منهن على أشقائهن الرجال لتجنب نظرات أعينهم الزائغة التي لا تنقص من قيمتهن في شيء، وإنما تحتمل نقض الوضوء وإبطال الصلاة، وتستمر كذلك المؤسسة الإعلامية بكافة تمظهراتها المكتوبة والمسموعة والمرئية في تناول قضايا المرأة بعقل ذكوري لا يختلف كثيرا عن عقلية الديك المزهو بفحولته الذي يستبيح أية دجاجة وجدت في طريقه، وينساها بمجرد مضاجعتها، غير مبال بما ستبيض ولا بحماية فراخها. فما دام المال العام يصرف في ترويج هذه المفاهيم الهدامة والقيم البالية، التي ترسخ التمييز بسبب الجنس، فإن بلدنا سوف يبقى يحتل المرتبات الأخيرة في ترتيب الدول حسب مؤشرات التنمية البشرية، التي لا يمكن في غيابها تحقيق أية تنمية اقتصادية ولا اجتماعية ولا ثقافية ولا بيئية.
أما على مستوى التشريع، فلو شغل المشرع عقله بشكل منطقي واستعان بالفقهاء المتنورين الذين يسعون إلى إرضاء الله سبحانه وتعالى وحده، بعيدا عن النموذج النمطي الذي ورثه المجتمع المغربي عن الفكر العربي القبلي المتعصب الذي فرض أبوية المجتمع، لوجد في نفس الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث والسنة النبوية الشريفة ما يبرر به خروجه عن النموذج الذكوري الأبوي المتسلط، خاصة فيما يتعلق بقضية النسب التي تعتبر العقدة المركزية لدى الرجل الذي يريد حفظ عرضه ونسبه، ووظف الشريعة الإسلامية لتحقيق مبتغاه بالقاعدة الفقهية ”الولد للفراش”، أي اكتساب النسب بالزواج الشرعي، ولو أتى الولد من ماء زان لم يقر بفعله ولم يتم إشهاد أربعة شهود على عملية الإيلاج بين الزاني والزانية وليس فقط ضبطهما في خلوة أو في وضعية مخلة بالأخلاق المتعارف عليها، بل واكتساب النسب بما يعرف في الفقه بالاستلحاق عن طريق الشبهة أو إقرار الأب، ولو على فراش الموت، دون ضرورة البحث عن أم الولد إذا كانت مجهولة، ولا التدقيق في طبيعة العلاقة الجنسية التي جاء الولد نتيجتها إلى الدنيا. ولو تمت قراءة الرسالة الإلاهية العظيمة التي أراد أن يبلغها للبشرية من خلال حرمان الرسول العظيم محمد ص الله عليه وسلم من أولاده الذكور، لتم الإقرار بالنسب للأم عوض الأب، ولتمكن اليوم دعاة لقب ”الشريف” من إثبات سريان دم الرسول في شريانهم من خلال شجرة الأم التي يثبت نسب الولد إليها بشكل قطعي بواقعة الولادة، على الأقل إلى حد العصر الحالي، حيث فقدت الأم كذلك هذه الخاصية بسبب التقدم العلمي وصار بإمكانها إعارة رحمها لحمل جنين تم الحصول عليه بتخصيب بويضة امرأة أخرى في أنبوب الاختبار. فكم من ”شريف” يمكنه الجزم بحقيقة انتمائه إلى السلالة النبوية المحمدية بشكل قطعي بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرن على وفاة الرسول ؟ فأمام هذه الحقائق التي يعرفها الفقهاء أحق المعرفة، ويحجبونها عن عقول المؤمنين، درءا للفتنة كما يقولون لتعليل مواقفهم الداعمة للسلطة الحاكمة، لا يسع المواطنات والمواطنين التواقين إلى بناء مغرب آخر يتسع لجميع أبنائه وبناته على قدم المساواة أن يطالبوا بمراجعة القوانين، خاصة مدونة الأسرة ومنظومة القانون الجنائي، لتعديل جميع القواعد الآمرة التي تكرس التمييز بين الرجل والمرأة، ولوضع شروط دقيقة للقواعد التي تهدف إلى الحفاظ على النظام العام دون المساس بالحقوق والحريات الفرضية، ولسن قواعد زجرية لمعاقبة كل مغتصب لبراءة المرأة، وكل متنصل من تحمل مسؤوليته عندما تؤدي العلاقة الجنسية إلى حمل، سواء عن طريق الاغتصاب أو برضا الأنثى التي تثق في الكلام المعسول وتسقط في فخ عشيقها. إنها فعلا كارثة عظمى أن تتحمل المرأة وحدها وزر علاقة طبيعية تدخل في مجال الحقوق والحريات الفردية، وأن يتمكن الجاني الحقيقي من الإفلات من العقاب. فإذا كان المشرع المغربي إلى حد العصر الحالي يبرر هذا الخلل في العدالة بسبب عدم توفر وسائل الإثبات، فإنه أصبح اليوم من العار عليه، بل من التقصير في الواجب، الاستمرار في ظلم نصف المجتمع بسبب عقليته الأبوية المرضية، من خلال تحكيمه للسلطة التقديرية للقاضي في إثبات النسب، وتجاهله الخبرة الطبية في ظل ما توفره البصمة الجينية من دليل قطعي لتحديد علاقة الولد بأبيه البيولوجي.
وخلاصة القول، إن قضية المساواة بين المرأة والرجل لا يمكن أن تتحقق في غياب الإرادة الثابتة، لدى الطبقة المحافظة المستفيدة من ثروات الوطن، في تفعيل آليات الانتقال الديمقراطي الحقيقي، الذي لا يمكن بدونه أن نتحدث عن عدالة انتقالية تنصف المرأة والرجل على حد سواء. فما دام يوجد في البلد من يحكم دون خضوعه للمساءلة، ومن يعتبر نفسه مواطنا من الدرجة الأولى لا يٌطبق عليه القانون، ولا يٌرفض له طلب، فإنه من المستحيل أن يتم إصلاح أحوال الشعب المغربي بصفة عامة، ووضعية المرأة بصفة خاصة. لكن الأمل في بناء المغرب الذي نحلم به لن يغادرنا أبدا لأن تاريخ البشرية علمنا أن الاستبداد مهما بلغ أشده ومهما طال الزمن، فإنه زائل لا محالة، ومصير المستبدين يكون دائما، وفي أحسن الأحوال، مزبلة التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.