بالتأكيد هو سلوك مشين ومدان، أن يرغم مسؤول، كيفما كان منصبه في هرم الدولة، من المقدم أو الشيخ ناقل الأخبار فيها، إلى رئيسها حامي حماها ورمز سيادتها، أن يرغم مواطن على تقبيل حذائه، فقط لأن هناك خلاف وقع بين الطرفين، أو حتى والمواطن مذنب بجرم أو مخالفة... لكن بالتأكيد أيضا، أن نائب وكيل الملك بمدينة ميدلت الجبلية، يستغرب كل هذه الضجة الكبيرة المفتعلة اتجاه سلوك يراه عاديا في منظومة مخزنية تربى عليها، ترمي أساسا إلى إخضاع الآخر المنفلت، الجَسُور الذي صدق بغباء كل هذا النقاش الدائر بالدم والأرواح مند بداية استقلال المغرب، والذي يهدف إلى جعل كرامة المواطن فوق أي اعتبار... ليطرح السؤال الجوهري: هل حصل بالفعل التحول المنشود في البنية الذهنية للمواطن المغربي؟ بمعنى هل المواطن المغربي يتمثل كل هذه المنظومة التي تستعمر المجال العمومي، من حرية تعبير وتربية على احترام حقوق الإنسان، ومفهوم المسؤولية بمعناها الجديد في تدبير الشأن العام، وغيرها من الخطابات التي نبتت كالفطر منذ إعلان السكتة القلبية التي كادت أن تصيب البلد أو قبلها بكثير، إلى حدود اعتماد الدستور الجديد مرورا بالمفهوم الجديد للسلطة وما تلاها من إحداث مؤسسات تعني بالتربية على حقوق الإنسان وغيرها... في جانبها العملي، يبدو هذا التحول موجها إلى الخارج لا غير، في ارتباط بما أصبح يسمى السيادة النسبية للدولة على مجالها السياسي، والذي يسمح للمنظومة الأممية بالتدخل بشكل مباشر، عبر مجلس الأمن أو هيئات أخرى في مجال خرق حق من حقوق الإنسان، ونتذكر هنا واقعة طرد المواطنة آمنتو حيدر، وكيف أرغم المغرب على إرجاعها بفعل الضغوطات الدولية، أو عبر آليات اقتصادية، تهم الشراكات والقروض والتعامل التجاري بشكل عام.... دون ذلك، تبقى الممارسات في الداخل تثير الكثير من الريبة والتساؤل، فبالإضافة للعنف الذي تمارسه الدولة بشكل علني ضد الاحتجاجات الفئوية هنا وهناك، والذي يدينها المجتمع الدولي دائما، وتجد هي لها مبررات كيفما اتفق، لكنها في الأخير يكون له (أي العنف) أثر في تصنيفات المغرب في التقارير الدولية بما يسيء كثيرا حتى إلى مجهود التجميل الخارجي الذي يمارسه، تبقى سلوكات وعقليات الكثير من رجال السلطة موضع تساؤل بل حتى موضع اتهام... فالمواطنون الذي يصطدمون برجال السلطة، في مراتب مختلفة، قضائية أو إدارية، يعانون من ثبات سلوكهم المخزني العتيق، ومن لغة يمتحونها من قاموس مجتمع العبيد، مقرونة بعنف لفظي وجسدي مهين ومحط من الكرامة، ولنا في واقعة تعنيف برلماني العدالة والتنمية أكبر مثال على مدى تشبع رجال السلطة، المباشرين للشأن العام في العاصمة، وأعني به باشا المدينة، بالفكر الحقوقي، من خلال ترسانة السب والشتم التي وجهها إلى النائب البرلماني، دون الحديث عن مسؤولين في مناطق أخرى إذ يكفي الاستماع للمواطنين الذين يرتادون مخافر الشرطة، أو مقرات الدرك الملكي خاصة في المناطق المهمشة والنائية، حيث تتفشى الأمية والجهل، لنقف على فظاعة الممارسات القروسطوية التي ينهجها رجال السلطة ضد المواطنين... في ظل كل هذا، يبقى سلوك نائب وكيل العام بميدلت عاديا، وربما مُشَجَعاً عليه، فقط كونه لم يلتزم بما تقتضيه عملية التجميل من مهارة التوظيف، مما سيجعله ضحية لهذه المهارة، وسيتم التضحية به ليس لأنه اقترف جرما في حق كرامة مواطن، وخرق قانونا محملا على وثيقة تعتبر أسمى وثيقة في البلد، وهي الدستور، بل لأنه لم يتخذ الحيطة والحذر في ممارسة سلوكه العادي الذي تربى عليه، وهو تربية المطال الجسور دون حضور شهود عيان.... سيقول له من سيقرر في مصيره: لا نعاقبك من أجل الرعاع الذين انتفضوا ضد سلوكك، فهم يستحقون.... سنعاقبك لأنك لم تعرف كيف تحفظ هيبتنا دون شهود....