هي خبايا كثيرة تبدأ بإدانة رجل الأعمال برادة ماو بالمساس بسمعة الجيش، بسنة سجنا نافذة والعفو عنه من طرف الملك الراحل الحسن الثاني 24 ساعة، قبل انقضاء مدة العقوبة الحبسية، وهي أسرار تمر عبر ليبيا وتونس والسعودية لشركة تربعت على عرش الألوان، بعد أن هزمت أقوى الشركات الأجنبية، وهي رحلة بين قصص الحب التي تعاهد فيها أكثر من طرف على أن يعشق الآخر إلى الأبد. «قبل ليلتين من يوم السبت 5 يناير 2013، رأيت كابوسا في منامي. فجأة تحولت كل نوافذ بيتنا (تشير السيدة جوسي أم فريد إلى نوافذ إحدى الصالات التي كنا نجلس فيها) إلى إسمنت مسلح يحجب الرؤية في الصالة التي كنا نجتمع فيها وولدي فريد وباقي أفراد العائلة. جفَّ حلقي واختنقت وأنا أفتح عيني يومها على ملامح ولدي وزوجته وأحفادي... كنت أريد أن يعودوا بلهفة أكثر من المعهود. ليتهم يكونون في سلام الآن»... قبل أن تواصل الأم جوسي كلامها والدمع يتدفق في عينيها، عانقتها عائشة الشنا أو «تيريزا المغرب» التي حرصت على زيارة العائلة المكلومة للمرة الثانية، والتي تعرف أفراد أسرتي فريد وزينب منذ سنوات.
4 دقائق قبل انفجار الطائرة حصل فريد على رخصة سياقة الطائرة سنة 95، أي قبل سنتين من زواجه بزينب، وتطور عشقه للطيران من الهواية إلى احتراف قيادة طائرته للتنقل اليومي كرجل أعمال يتناول فطوره في الدارالبيضاء ويتغدى في باريس، وقد يتناول عشاءه في بني ملال، دون أن يتقيد بمواعيد شركات الطيران، أو بتوفر بعض المدن المغربية على مطارات من عدمه. مؤخرا، اقتنى فريد طائرة متطورة، على أساس أنها تعد أكثر أمانا وآخر طراز في صيحات الطائرات الصغيرة. وكما جرت العادة، دأب فريد على أن يخضع طائرته لأدق تفاصيل الفحص التقني. يأخذ كل وقته. «هو أبعد ما يكون عن التهور، عرف بالرزانة، والسرعة لا تستهويه»، هكذا يصف والد الراحلة زينب زوج ابنته. وكلما نكئ جرح الفاجعة، تذكر والد زينب آخر مكالمة جمعت بينه وبين ابنته «اتصلت بي على الساعة الحادية عشرة من صباح السبت، قالت إنهم سيركبون الطائرة بعد لحظات، وإنهم يعتزمون المبيت في إسبانيا ثم النزول في تطوان من أجل التزود بالفيول، على أساس أن يصلوا إلى المغرب يوم الأحد...».
خطأ إنساني أم عطب تقني؟ يرفض والد زينب اختزال بعض العناوين الصحافية سبب الحادث في الخطأ البشري، ففي الوقت الذي اعتبر الوكيل العام بفرنسا أن خطأ في القيادة هو الذي تسبب في تفجير الطائرة، يؤكد والد زينب أن مكتب الأبحاث والتحليلات في حوادث الطيران رجح أن عطبا تقنيا في الطائرة وراء الحادث. ويكشف والد زينب ل«فبراير.كوم» أن «التحريات الأولية تؤكد أنه قبيل أربع دقائق من تفجير الطائرة، ثمة فرضيتان مرجحتان، إما أن يكون فريد قد فقد السيطرة لسبب من الأسباب، أو أن يكون عطب في محرك الطائرة وراء الانفجار، ولهذا فالرسالة التي توصلت بها تؤكد أنه لابد من تعميق البحث». ما يعقد مهمة المحققين، والحالة هذه، أنه في مثل هذه الطائرات الصغيرة والخاصة لا وجود لعلبة سوداء تذلل الطريق وتفتح الكثير من الأبواب للتقصي والتحري. فمن يكون فريد برادة؟ وما أسرار أسرة هلك كل أفرادها في حادثة مفجعة، والتي رثاها كل من تتبع مشاهد الطائرة المتفحمة على القنوات الفرنسية، وشغلت أخبارها حيزا مهما في الصحافة الدولية والوطنية؟ كثير من الحرج والتردد جعل الكثير من أسئلتنا معطلة، لاسيما أن الوجع لم ولن يلتئم بالنظر إلى حجم المصاب، وبالتالي فإن السؤال عن المسار الدراسي لفريد أو زوجته أو سبب حضور مليكة أوفقير قد يبدو في الكثير من الأحيان سؤالا في غير محله وخارجا عن سياق الجو الجنائزي... لكن تفهم الكثير من الأسماء والشخصيات واستقبالهم ل«فبراير.كوم» سهل علينا رسم مسار عائلة عرفت كل أسرار الحب والنجاح. «فبراير.كوم» زارت عائلتي زينب وفريد، وجالست الأصهار والأقارب والأصدقاء، وتروي لكم أسرار عائلة تحول عزاؤها إلى جنازة مشت فيها ابنة الجنرال الانقلابي أوفقير ومستشارو الملك ورئيس الحكومة ووزراء الداخلية والأوقاف والسكنى، وسبقتها رسالة الملك التي رثت العائلة، وجمعت أصغر عامل في شركة كولورادو بأكبر رجال المال والأعمال. فريد هو ابن أمه جوسي: بشرة بلون الثلج وملامح أجنبية. هي الفرنسية التي من فرط ما عاشرت آل برادة، بعد زواجها من المحامي برادة ماو، باتت نصف فرنسية ونصف فاسية. ترتدي جلبابا أبيض فاتحا، وتنتعل «شربيلا» فاسيا. عاد ابنها فريد من جامعة السوربون وفي يده دبلوم في علوم الاقتصاد والتسيير، ومن باريس إلى لوس أنجلس، سيعود هذه المرة ليستقر في المغرب، بعد أن حصل على دبلوم متخصص في تسيير وتدبير المقاولات. حينما سينخرط فريد في الشركة العائلية سنة 94، لم يكن رقم معاملات شركة «كولورادو»، المتخصصة في إنتاج الصباغة، يتعدى عشرة ملايين درهم، لكن حين بدأت تظهر بصمات الابن في المجال، والذي كان له طموح التربع على عرش أجود الطلاءات في المغرب، فاق رقم معاملات الشركة سنة 2011، 650 مليون درهم. لكل شركة أسرارها، وهناك من يعتقد أن لهذه الشركة أكثر من سر، وأن فريد أحد مفاتيحها. بدأ كل شيء حينما كنا على أبواب المغربة، وأغلب أصحاب الشركات الأجنبية شرعوا في بيعها ومغادرة المغرب سنة 73. ففي سنة 1972 بالضبط، سيبيع فرنسيون شركة صباغة أهملوها لكل من الشقيقين، محمد وعثمان. ولأن فريد كان ينظر بعيدا، فقد ربط لدى عودته إلى المغرب علاقات مع ليبيا ثم تونس والسعودية، وعرف كيف ينسج علاقات مع أسواق جعلت طلاءه مطلوبا في معامل داخل وخارج المملكة المغربية. صعود نجم فريد في وقت محدود، وحصده نتائج مرضية، جعل الأخوين محمد وعثمان يجلسان إلى الطاولة، وإذا بعثمان يقترح على أخيه الأكبر محمد تخريجة فوت بموجبها لعثمان إقامة الزرقطوني، وهي واحدة من العمارات الشاهقة بأكبر شارع في العاصمة الاقتصادية التي شيدها الأخوان في بداية مسارهما في عالم المال والأعمال. ومن التوسع خارج المغرب إلى الحصول على علامة الجودة «إيزو»، ومن ثم دخول البورصة، برز اسم الشركة التي باتت تحتل المرتبة الأولى في سوق الصباغة بعد أن كانت تحتل المرتبة السادسة.
يقود طائرته وغذاؤه سردين معلب عادة ما كان يقود طائرته مبكرا باتجاه مدينة بني ملال ويحط بأحد جبالها، وهناك يجد بانتظاره أحد مستخدميه الذي روى لنا أنهم كانوا يحارون كيف يستضيفونه والوجبة التي تليق بمقامه: هل يُذبح له خروف أم يشوى دجاج؟ أما هو، فقد كان يدس يده في كيس ورقي ويسحب منه علبة السردين ويقول: «شكرا لكم. وجبتي خفيفة لا تزعجوا أنفسكم، لدي اجتماع في الدارالبيضاء.. علي أن أعود بسرعة». يسوق طائرته الخاصة وغذاؤه قد يقتصر أحيانا على قطعة خبز محشوة بالسردين المعلب، هي صورة رسمها أحد عماله الذي أصرّ على الانتقال من مدينة بني ملال إلى الدارالبيضاء ليرثي الباطرون الذي قال إنه كان استثنائيا بكل المقاييس، كما يروي شقيق الراحل فريد ل«فبراير.كوم».
برادة وتهمة المس بالجيش فريد ابن والده برادة ماو، الذي قاده مقال بجريدة «لوبنيون» عن صفقة عن الجيش في مغرب ما بعد الاستقلال إلى المتابعة بتهمة المس بالأمن ومعنويات الجيش والاعتقال لمدة 364 يوما، بعد أن أدين بسنة حبسا نافذا، على اعتبار أن الملك الراحل الحسن الثاني كان قرر العفو عنه 24 ساعة قبل أن يتم عقوبته الحبسية. لماذا ينعتونه ببرادة «ماو»؟ كان ثمة أكثر من طالب يحمل اسم برادة في الجامعة التي يدرس بها في فرنسا، وبما أنه كان يساريا، فقد أطلق عليه بعض زملاء الدراسة اسم برادة ماو، ليميزوه عن باقي «البراردة»، إنها الرواية التي أكدها ل«فبراير.كوم» العديد من أصدقائه الذين يحرصون على التدقيق: «الراحل برادة كان رجل أعمال أكثر منه محاميا، والجميع يتذكر أنه بدأ وشقيقه بتشييد عمارة الزرقطوني».
قصة حب جميلة سيتعثر فريد في السنوات الأولى من اشتغاله مع والده في أول قصة حب ولدت من أول نظرة في «سيتي بنك» حيث كانت تشتغل زينب، كما روى لنا السي بوشعيب والد الراحلة زينب. لعل أكثر ما أثار إعجاب فريد هو قوة شخصية زينب.. دبلومان في الجيب، الأول حصلت عليه في أمريكا والثاني في إسبانيا، وتتقن أربع لغات: العربية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية. شابة جميلة تقتسم مع فريد الكثير من طموحاته وحبه للحياة وعشقه للسفر، أولى أبنائهم سيطلق عليها والد فريد محمد برادة: يطو (13 سنة). ومع ولادة إدريس زادت وشائج الحب ارتباطا، وحينما ولد أمين أصغر أبنائهما، قرر الزوجان أن تقدم زينب استقالتها من البنك المغربي للتجارة الخارجية، وأن تتفرغ لرعاية أولادها، لاسيما أنهما لمسا أن ابنتهما يطو، التي التحقت بالقسم الخامس في ثانوية يطو، مؤهلات تفوق كل التوقعات، وكذلك إدريس الذي كان يستعد للالتحاق بالفصل نفسه، مما يحتاج من الأبوين المزيد من العناية والدعم. حصلت يطو على النقطة الأولى في الرياضيات هذه السنة، وتألقت في العزف على البيانو والرسم واللعب بالريشة والألوان وإتقان اللغتين الإنجليزية والإسبانية، وبرز شقيقها إدريس في كل المواد الدراسية، وأغرم برياضات الريكبي وكرة القدم و«السورف»، دون أن يغفل اللغات وحب الطبيعة... وعلى الخطى نفسها كان يسير آخر العنقود، أمين... وكانت كل أسباب السعادة مرسومة في الطريق الذي يمر منه الزوجان وأبناؤهم الثلاثة. وكأنهما تعاهدا على ألا يفترقا إلى الأبد، حينما حان موعد الموت لم يترك أحدهما الآخر وراءه، حيث غادرا قطار الحياة رفقة أبنائهم الثلاثة. قبل أن نغادر بيت عائلة فريد، فتحت إحدى المقربات من العائلة جرحا غائرا، وهي تقول:»قرأت اليوم رسالة أحدهم الذي كتب على موقع ويكاند.اف ار»أنه عثر على أغراض شخصية لعائلة فريد التي تحطمت في غرنوبل، هل أجيبه في رأيكم؟ وتناسلت الأسئلة: لماذا لم يأخذهم إلى الشرطة؟ وكيف عثر عليه هو ولم تجدهم عناصر الأمن؟ وسرت فجأة موجة ارتباك ونزيف عزاء لم يتوقف. عائشة الشنا رجت العائلة أن تكتب رسالة تطلب منه أن يسلمها إلى الشرطة مشككة في بعض الفضوليين الذين يدعون أشياء من خيالهم، وهي تترجل مرددة: «الله يصبركم. أنا أتساءل من الأولى بالرثاء أنتم المفجوعون ام الموتى الذين فارقوا الحياة؟لماذا أوفقير في جنازة آل برادة?حينما ذابت ابنة الجنرال أوفقير وسط الجموع السائرة في جنازة فريد برادة وأسرته، لا أحد كان يعلم أن الراحل برادة ماو جمعته علاقة صداقة قديمة بعائلة الجنرال بُعيد اعتقال عائلة أوفقير ومحاسبتها بذنب لم ترتكبه. أحد أقارب العائلتين يوضح ل«فبراير.كوم»: «كل ما في الأمر أن المحامي برادة ماو تعرف عن قرب على أفراد عائلة أوفقير بعد خروجهم من المعتقل، ومع مرور الوقت تطورت علاقة صداقة بين أبناء أوفقير وأبناء المحامي ورجل الأعمال