لماذا تتجاوز الانتخابات التونسية كونها شأناً تونسياً إلى قضيةٍ تخصّ كل مواطن عربي مهموم بمآلات التغيير في منطقتنا المنكوبة بالطُغاة والفَشَلَة؟ تونس هي عروس ربيعنا، وكأنها ابنة « بروميثيوس » العربي، سارق النار، كي يضيء لنا، ومن ثم ليس من قبيل المبالغة القول إن كل عربي حر يتمنى لو أن له صوتاً في صناديق الاقتراع التونسية، لحراسة ما تبقّى مضيئاً لنا في محيطٍ معتمٍ من الانقلابات والثورات المضادة. في منتصف يناير/ كانون الثاني 2011، وبعد ساعات من إسقاط ثورة الياسمين الطاغية زين العابدين بن علي، كتبت: « لقد انطلق أذان التغيير بواسطة الشعب في تونس، وعلى السادة المستبدّين خارجها، مراعاة فروق التوقيت.. استقيموا واعتدلوا، والأفضل أن تستقيلوا.. يرحمكم الله ». وقتها اعتبرت أن التونسيين سيكونون أول شعب عربي يلتحق بالعصر، فيما لا يزال أشقاؤه الآخرون يعيشون في عصور مضت وصارت شيئاً من التاريخ، لكن الأهم أن الثورة الشعبية الخضراء ستدشّن واقعاً عربياً جديداً. وأكرر أنه ليست مصادفة أن الذي قال: « إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر » كان تونسياً، وكأن الشابي الذي توفي عام 1943، نهض من قبره ليكتب قصيدة رثاء في الشاب محمد البوعزيزي، يستنهض بها الشعب التونسي لمواصلة انتفاضته، طلباً للحرية والخبز وفرص العمل، وإنهاء الفساد الضارب في أطناب الدولة. كان زلزال الثورة التونسية قد وصل إلى القاهرة التي لم تجد وسيلة للتعامل معه إلا تصريحات بلهاء، تكسوها ابتسامات بلهاء لرموز نظام مبارك، تقول: « مصر مش تونس، ومبارك غير بن علي »، غير أن عشرة أيام فقط فصلت بين فرار بن علي واندلاع ثورة مصر أثبتت أن مصر هي تونس وأن مبارك توأم بن علي. كانت الثورة التونسية هي الشرارة التي عجّلت وأجّجت بركان الخامس والعشرين من يناير في مصر، وقد سجلت، يوم السادس عشر من يناير بعد الإعلان عن رحيل بن علي، أن التغيير في مصر على مرمى حجر، وقلت في مقال منشور ما يلي: « إذن رحل بن على بأسرع ممّا توقّع كثيرون، مؤكداً صحة المقولة الشهيرة « الدكتاتورية تسقط فى ربع الساعة الأخير »، لكن الأهم أن تطور ونضوج التجربة التونسية بهذا الشكل الدراماتيكي المثير أثبت أن التغيير ممكن وبأبسط الأدوات، المهم أن تتوافر الإرادة الشعبية المخلصة، وأن يكون هناك استعداد لدفع الثمن، وساعتها سيكون التغيير سهلاً وسلساً للغاية، أقرب إلى شكة دبوس أو وخز إبرة، مؤلم للحظات، إلا أنه ناجع لشفاء الأوطان من تيبّس الأطراف وتصلّب الشرايين. كل الحكاية 29 يوماً من الغضب الشعبي النبيل الذي تصاعد ذاتياً وعفوياً من دون زعماء أو منظّرين أو مُلهمين أو مناضلين عن بُعد.. تسعة وعشرون يوماً من الغضب أطاحت أربعة وعشرين عاماً من القمع والكبت. وبالمناسبة، متوسط دخل الفرد في تونس ثلاثة أضعاف نظيره في مصر ». وبالفعل، لم يخيّب ثوار مصر الظن فيهم، واستوعبوا الدرس التونسي، وقلت وقتها إن « الذي حدث، باختصار شديد، أن مصر استيقظت، وتوضّأت وأدّت صلاة الثورة والخلاص من كل ما تسبّب في تقزيمها وتراجعها، وفقدان جمالها الذي كان يخطف الأبصار والعقول.. ومن ثم فهي ليست انتفاضة ضد الفقر أو ضد الجوع فقط، كما أنها ليست ثورة من أجل التغيير والإصلاح السياسي فحسب، بل هي ثورة شاملة، لها هدف واحد جامع مانع هو استعادة مصر من خاطفيها ». احترقت ثورتا اليمن ومصر، وربما انقلبت، وانكفأت ثورة ليبيا، واغتُصِبَت ثورة سورية، وبقيت عروس الثورات تقاوم وحدها في تونس، وأظن أنها قادرة على استعادة الأمل لنا جميعاً مرة أخرى.. ولذا، قلوبنا في صناديق انتخابات الخضراء.