ليس من الخواء أن تصنف مدينة الصويرة تراثا عالميا للحضارة الإنسانية، و ليس من العبث أن تكتسب شهرة عاصمة الموسيقى الكونية، حيث تقام مهرجانات تؤمها جماهير من كافة بقاع العالم، تستهويها كل الألوان من الموسيقى الأطلسية و الكلاسيكية و الكناوية، وما يلي ذلك من لقاءات و ندوات ثقافية تنظم على هامش الحدث السماعي. في سنة 1832 م قام الرسام العالمي ( دولاكروا) بزيارة للمغرب رفقة وفد دبلوماسي لمقابلة الملك مولاي عبد الرحمان، وفي حضرة ملك البلاد، صرح (دولاكروا):" إن ما أثار انتباهي عند زيارتي لمدينة الصويرة، وجود فرقة موسيقية [لموكادور] لم أشاهد أو اسمع مثيلها" فمن أين لحاضرة السلطان محمد بن عبد الله بهذا التشريف ربما أكثر من تكليف؟ البحث عن الجواب قادنا على سبيل الصدفة، أن نتوقف أمام بناية على شاكلة رياض تاريخي، يكمن بين أزقة مفروشة بتشكيلة من الزرابي والسجاد و منتجات الصناعة التقليدية المعروضة للبيع بين الأسوار العتيقة. المكان يعتليه العلم الوطني و يافطة كتب عليها (المعهد الموسيقي البلدي) افتتح منذ 24 سنة خلت، كان في الأصل مقر القنصلية الإسبانية في القرن الثامن عشر، تتخلله عدة حجرات دراسية، تستوعب أزيد من 100 تلميذة و تلميذ، يتوزعون بين السنة الأولى والسنة الخامسة و السنة الثامنة، وهذه الأخيرة تأهل فوجها الثامن لنيل الجائزة الوطنية الأولى من مختلف الأعمار و الشرائح الاجتماعية، يتلقون دروسا في جميع التخصصات الموسيقية حسب المناهج الأكاديمية الحديثة المعترف بها من قبل وزارة الثقافة تحت إشراف تسعة أساتذة ،سبعة منهم منتدبون بتكليف من وزارة الثقافة، و اثنين موظفان رسميان تابعان لبلدية الصويرة. الفضول الصحفي قادنا للقاء بمدير المعهد الموسيقي، وبعدما اهتدينا إلى مكتبه المتواضع لم نلمح سوى صانع يرمم آلة العود من نوع (الضويس) بأنامل وثرية، ولم يكن في الحقيقة سوى المدير المؤلف والباحث الموسيقي العصامي عبد الصمد اعمارة [42 سنة] الحائز على الجائزة التبريز الوطنية الأولى، التي تعتبر بمثابة الخروج من سم الإبرة، تحت إشراف وزير الثقافة شخصيا. بعد الأخذ و الرد و تجاذب أطراف الحديث، ترحم محاورنا على أرواح من سبقه من العازفين الصوريين أسياد الصنعة الموسيقية العربية في العزف و الإيقاع و الأداء، مستذكرا مكانة أعضاء الفرقة الوزارية لموكادور بداية القرن العشرين، تشكلت في عهد غابر من اليهود المغاربة و المسلمين ومن بينهم المؤذن بمسجد سيدي احماد و حامد المرحوم (بوجمعة الشلح) والد الفنان عبد الرحيم الصويري، والذي كان ملما بأمور الدين و حافظا لنوبات الطرب الأندلسي، كما كان الراحل يتمتع بصوت أخاذ، برفقة المعلم يوسف بالهتاك مغربي من الديانة اليهودية، كان حافظا متمكنا ومن أجله وفد إلى مدينة الصويرة أغلب أعلام الطرب الأندلسي من المغرب العربي ليحفظوا عنه النوبات التي ضيعها الزمن أو لم يعر لها أي اهتمام، كما عرف عليه عازفا على الكمان، وقد تتلمذ على يديه الأستاذ أحمد ألبرادعي الذي يعد مرجعا وثائقيا لكل باحث في مجال الموسيقى العربية اليهودية المغربية، وهو الأثر الذي أستحوذ على عقيرة المرحوم المطيري للتوجه إلى الصويرة قصد استمالة و التعاقد مع زمرة من العازفين و المنشدين. فمتى تسترجع موكادور مكناتها الموسيقية العربية والأندلسية، برد الاعتبار للمؤسسة الموسيقية العمومية التي تعتبر قاطرة لامتداد الإرث التاريخي الموسيقي للمدينة ذات الشهرة العالمية؟