لكل مجتمع من المجتمعات قاعدة أساسية يرتكز عليها في الحفاظ على مقومات ثقافته الشعبية، وتخليد مكتسباته التراثية، وإن تعددت المنطلقات واختلفت، فإن الهدف يبقى واحدا، ذلك أن الرؤية تختلف باختلاف الأبعاد النظرية، والاستراتيجية، التي تعمل على إفرازها. وعمل كهذا يستهدف منه تخليد الوجود الذاتي ومحاولة تسجيل حضوره في اللحظة التاريخية. والمجتمع الصويري، في شكله المصغر داخل التركيبة الاجتماعية للمغرب ككل، هو، أيضا، له فلسفته في الحفاظ على ظواهره وعلى هيكله التقليدي/التراثي، التي تبرز مدى إصرار الذات الصويرية وتشبثها بمقومات تراثها. ذكر من بين هذه الظواهر الاجتماعية تلك الأكثر شهرة بين الأوساط، والأكثر دلالة على الواقع الصويري لعلاقتها بسياق هذا الموضوع، إنه “الحايك” الدلالة/ الرمز . في هذا السياق، تقول بهيجة صولا، مديرة مركز التأهيل المهني النسوي للاآمينة بالصويرة، في حديثها ل”المغربية”، إنه عادة ما يقترن ذكر الحايك بواقع الصويرة المحافظ، حتى أصبح، إلى حد ما، بطاقة مميزة له. وهذا شرف بالنسبة لهذا الواقع، أن يكتسب شهرة لا تخلو من الأهمية، فذلك ليس بالأمر الهين، إلا أن الأمر الذي لا يشرف، حسب بهيجة، هو أن تصبح الظاهرة مغلوطة في فهمها الحقيقي، وغامضة في مدلوليتها وفي رمزيتها، لدى الكثير من الزوار، الذين يتوافدون إلى الصويرة، والذين تبدو لهم ظاهرة الحايك غريبة ومدهشة، فيطرح بعضهم مجموعة تساؤلات لا يجد لها أجوبة مقنعة، في حين، يتجاوز البعض ذلك، فيجيب على أنها ارتكاب الجريمة/الفاحشة، ومحاولة التستر عليها مخافة أن يفتضح أمرها، وذلك باستعمال الحايك. وهذا طعن في شخصيات عديدة، أشرف مما تتصور ترتدي الحايك، وهو كذلك خطأ فادح في حق الحايك كظاهرة، وفي حق “الأنا” الصويرية كذات، بحكم تواجدها الفعلي، وعلاقتها المباشرة بالحايك. إن فهم ظاهرة الحايك، توضح رجاء دحمان، طالبة إعلاميات ومحاسبة بالصويرة، في معزل عن الإطار السوسيولوجي، الذي يؤطره والذي عمل على إفرازه، هو في حد ذاته فهم مغلوط، بما يساهم في بتر مدلوليته أي الحايك ومس برمزيته. لذا، تؤكد رجاء، أن فهم ظاهرة الحايك ينبغي ربطها بإطارها العام، وبشرطها التاريخي، الذي كان وراءها، و الذي تنتمي إليه في تاريخيتها وفي زمنيتها، وعمل كهذا من شأنه توضيح الرؤية، وتقريب الدلالة إلى منطق الفهم. سوسيولوجيا، يمكن فهم ظاهرة الحايك ودائما في إطارها العام على أنها أصالة تنبع من الحشمة والوقار، بحكم الواقع المعاش، الذي يجد مرتكزه الأساسي في القوقعة والانغلاق عن الذات، اتباعا لما تسنه التقاليد والعادات الصويرية. وللحايك بعده الرمزي لدى نسوة الصويرة، باعتباره قناعا وأداة تسترعن الرجل، تحجبه عن عدم ملامسته لجماليتها المعنوية والمادية. وقديما استعملت المرأة الصويرية الحايك تمثيلا لأوامر الإسلام، التي تدعو للحجاب. أما الطالبة كريمة الرفيعي، فترى ما تراه زميلتها فاطمة كريدة، في أن الحايك تراث صويري يختزل في ثناياه بعدا ثقافيا أكثر منه أي شئ آخر، وتمسك المرأة الصويرية به معناه تشبثها بتراثها التقليدي، وبأصالتها التي تضرب في جذور التاريخ. حتى أن بعض الصويريات أصبحن يجتنبن ارتداء الحايك لما علق به من نعوت خاطئة ونظرة قبيحة...، لكن الحايك من وجهة النظر هذه، هو أداة تصنيف أكثر منها أداة تقليدية تراثية. إن الواقع الصويري، تستطرد كريمة بمعية صديقتها فاطمة، بحكم تحفظه، يشترط في المرأة أن تكون كذلك بارتدائها الحايك، وجعله كقناع بينها وبين العالم المحيط بها، وقد تداخلت في تشكيله عدة عوامل دينية واجتماعية واقتصادية، وجعلت منه أن يتميز أهله بالحشمة والعفة والوقار. والحايك من مقومات ثقافتنا الشعبية، فالحفاظ عليه هو الحفاظ على تلك المقومات ومحاولة استمرارية وجودها الفعلي داخل الأوساط الاجتماعية الصويرية، فهو رمز صويري خالد، وتراث حضاري عريق، ينبغي حمايته، والبعض حين ينتقد ظاهرة الحايك إنما يريد أن يبعدنا عنها محاولا بذلك اقتلاع جذورنا وإسقاط مصداقيتنا، وإدماجنا في ما يسميه “الموضة”، التي تعني، في الأيام الأخيرة، “الميني جوب” و”الطاي باص”، و غيرها من الثياب، التي لا تخفي بقدر ما تظهر