بعد عطلة قصيرة للسائح في مدينة الرياح. ساعة واحدة داخل هذه المحطة، التي لا يوجد في المغرب مثلها، تنسيه متعة أيام العطلة في المدينة.يجيل الزائر بنظره في أرجاء المحطة فينسى، سريعا، كلّ ما سجلتْه عينه من مقاطع جمال طبيعي في المدينة. أول مكان يحط فيه زائر المدينة، بما في ذلك سياحها، رجله هو هذه المحطة، وهي آخر مكان يغادره، لذلك فأغلب من يزورون الصويرة يأخذون انطباعا سيّئا فور وصولهم إلى محطتها ويغادرونها بعد أن يقضوا ساعة جحيم حتمية قبل مغادرتها.فعند إقتراب اي عطلة عيد ونهايتها يقصد المحطة عددا كبيرا من المسافرين . لهذا يكون زوار المحطة الطرقية بالمئات. فرصة يتخذوها نصابون ومحتالون يختلطون ب«الكورتية» وبائعي تذاكر السفر وحتى بعض المستخدمين المحسوبين على شركات نقل طرقي معروفة، للاغتناء عن طريق التلاعب في تذاكر الحافلات وفي مواعيدها.محطة الصويرة غارقة في فوضاها كما العادة. ما إن يدخل إليها المسافر حتى يواجهه جمع من الناس، حاملين مفاتيحَ وبطاقات زيارات. «خاصّك شي بارْطما أ خويا؟».. عبارة قد يسمعها مائة مرة خلال خمس دقائق وهو في محطة الصويرة. النشالون والمحتالون هم أسياد المكان . يحاول المسافرون تجنّبهم والتوجه نحو شبيابيك شركات نقل معروفة.يتعلق الأمر، حسب أحد «الكورتية» الموجودين في محطة الصويرة، بإحدى عمليات التدليس التي يقوم بها مستخدمو شركات النقل في هذه المحطة، حيث يعمدون إلى بيع المسافرين تذاكر محررة بخط اليد ويتحرّون ألا ينتبه المسافرون إلى مواعيد السفر، وحينما يأتون في الموعد المتفق عليه مع مستخدم الشركة يخبرهم أنهم هم المخطئون، إذ لم يحضروا وقت السفر، وبالتالي «لا تقبل منهم شكاية» ولا يُرجع إليهم ثمن تذاكرهم»..أوضح هذا «الكورتي»، العارف بخبايا طرق الاحتيال على المسافرين في المحطة الطرقية للصويرة،أن مستخدمي شركات النقل يقومون، في الوقت نفسه، بالانتظار إلى حين التأكد من أن المسافرين الذين باعوهم تذاكر لن يأتوا في الموعد، وهذا أمر عادي، ثم يسجلونهم في سجلات تُرسَل إلى الشركة على أن المقاعد كانت مملوءة.. ولكنهم يعمدون إلى إركاب مسافرين آخرين يمنحونهم ثمن تذاكر مُفترَضة بشكل غير قانوني ولا تعلم به الشركة. «يتضاعف ثمن المقاعد لأن الأخيرة تكون كلها محجوزة ولأن المسافرين يكونون مضطرين إلى العودة إلى ديارهم، وهكذا يمكن لمقعد على متن حافلة متوجهة إلى الدارالبيضاء أن يصل إلى 200 درهم لا تحصل منها الشركة على شيء»، يُردف «الكورتي» ذاته.المحطمة مكتظة بالمسافرين وأشخاص كُثر لا يظهر على أن هدفهم السفر. عشرات الوسطاء وسماسرة الشقق والنشالين و»الكورتية» يجوبون أرجاء هذه المحطة، الضاجة والقذرة. يتعالى صراخ الجميع ويختلط مع سباب وصياح لأشخاص يتشاجرون. خلال أقل من 10 دقائق تحدث عدة مشاجرات عنيفة داخل المحطة. السبب نزاع بين مسافرين و»كورتية» ومستخدمي شركة نقل بسبب التلاعب في تذاكرهم ومواعيد الحافلات التي حجزوا مقاعد سفر فيها.شرطي و«مخزني» هما الوحيدان المكلفان بالسهر على أمن وسلامة زوار هذه المحطة.مسافرو محطة الصويرة تائهون في فوضى عارمة. ليس هناك أمن أو نظام على الإطلاق. يمكن أن يُسرق الناس أو حتى تُفعل بهم أمور أخرى دون أن يتحرك أحد.«إدارة المحطة»، هكذا كُتب فوق باب خلفه مكاتب استحوذت على مساحة كبيرة من مساحة المحطة. وهي مغلقة دائما لا تفتح بإنتظام , المحطة الطرقية في الصويرة مخيفة ليلا. الحركة الكثيفة والسريعة والظلام الدامس يخلقان في نفوس الزوار الغرباء رعبا تزيده حدة تحركاتٌ لأشخاص بجلابيب بالية ينظرون إلى الزوار بأعين متفحصة.لا مكان للجلوس داخل المحطة سوى مقاعد إسمنتية محتلة وكراسي «محلبة» محاذية لمدخل المحطة. الصبر ومدافعة الحاجات الطبيعية أفضل بكثير من دخول مرحاض المحطة، القذر، الأشبه بمجاري مهجورة تسكنها الجرذان..مسجد المحطة صغير جدا. لهذا الغرض يضطر مصلون إلى افتراش الأرض للصلاة.جل الحافلات الموجودة في المحطة متهالكة. الشجار دائما بين الركاب على المقاعد المُرقَّمة مألوف بالمحطة بسبب تلاعب «كورتية» في أرقام المقاعد. كراسٍ بلاستيكية صغيرة توضح على طول الممر المخترق للحافلة، بين المقاعد، كي يجلس عليها ركاب إضافيون بطريقة غير قانونية.. تنطلق الحافلات عبر الطرق المحاذية للصويرة، والتي تسجل أعلى أرقام لحوادث السير المميتة في المغرب. تتوقف الحافلات، مرارا، لنقل أشخاص جدد وإعطائهم تعليمات بالاختباء عند المرور بدورية للدرك الملكي.. هذه بداية مغامرة أخرى تُحوّل رحلة مسافرين إلى المجهول.