يبدو أن اللوبي الاسباني الاستعماري الذي كان يستغل خيرات الصحراء المغربية إلى حدود سنة 1975، والذي ما زال يعاكس الحق التاريخي المغربي في صحرائه بتواطؤ مع الجزائر ، وباستغلال بوابات حقوق الانسان للنفاذ إلى القناعات المؤيدة لأطروحاته، يبدو أنه فاته أن حقوقا مغربية مسلوبة ما زالت تحت سيطرته، وأن المغرب عاقد العزم على استردادها، وأنه لن يستطيع مغالطة التاريخ والجغرافية، وأن الجزائر لن تدوم له بما أن الغاز والبترول في طريق النفاد ... سبتة ومليلية مدينتان مطلتان على البحر الأبيض المتوسط، وهما من أقدمالمدن المغربية على عهد الفينيقيين والرومان... ومن أهم موانئ جنوب البحر الأبيض المتوسط،وتتميزان بتعددالتاريخ والحضارات والطوائفالدينية التي كانت تعيش فيها.وما زالالغموض يكتنف نشوء المدينتين إذ لم يستطع المؤرخون تحديد الفترة الزمية بدقة التي نشأتفيهما المدينتان، ولكن من المعروف ان سبتة تعدواحدة من أقدم المرافئالبحريةفي المتوسطومن بين أول من عرف ورش صناعة السفن. وفيخطة الغزو الأوروبي أصبحت المدينتان ضحية لهيمنة صليبيين وعنصريين إسبان يحاولونمسح طابعهما الحضاري التعددي المغربيالعربي الإسلامي. وتعتبر المدينتان والجزر القريبة منهماأراضي مغربية تاريخياوجغرافيا وديموغرافيا.وما تزالان تحت الاحتلال الأسبانيالمسنود منطرف "الشينغن" والحلف العسكريالأطلسيفي غياب مبادرات مغربية وعربية قوية ووازنة لتخليصهما من نيرالاستعمار الاسبانيالبغيض. ويندرج الاحتلالالأيبيري الأوروبيلهما ضمن مخلفات المجابهة بين العالم الإسلامي، وأوروبا الصليبية الكاثوليكية منجهة غرب البحرالأبيض المتوسط (المسيحية) المطلة على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط الإسلامية، من خلال الفتح الإسلامي الأول على عهد طارق ابن زياد الذي فتح الأندلس، ولاحقا الفتح الثاني على عهد السلطان المغربي يوسف بن تاشفين الذي قضى على فوضى ملوك الطوائف. ومن خلال انقلاب كفة المعادلة إبان فترة الحروب الصليبية في القرن الخامس عشر الميلادي، بحيث سقطت سبتة في يد البرتغال سنة 1410 ميلادية، ومليلية في يد الإسبان في سنة 1497 بعد طرد آخر العرب من غرناطة عام 1492 ، وقد ظلت سبته تحت الاحتلال البرتغالي حتى عام 1735 قبل أن تتسلمها اسبانيا وتزيد إليهما الجزر القريبة منهم، كما ضمت الصحراء الغربية المغربية، وطرفاية وسيدي إيفني بعد . مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906 وقد قام المغرب عبر كل مراحل التاريخ، بمحاولات لاسترداد هذه الجيوب المسلوبة من أراضيه والتي مازالت وصمة عار في جبين المغاربة الذين مازالوا يحسون بالمهانة والنقص وهم يرون مدنا في داخل التراب المغربي ما زالت محتلة، وليس المحتل سوى أسبانيا التي تقوت بالاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي وبالصليب، ومازالت تمعن في إذلالنا من خلال صور المهانة التي تبثها قنواتها عبر الفضائيات عن حالة المغاربة الدين يقتاتون من تجارة التهريب عبر اجتياز حواجز الخزي والعار والمهانة التي لا يمكن أن يتصورها العقل في انتهاك صارخ لأبسط حقوق الإنسان، ومن خلال الجثث الطافية في عرض المتوسط لمغاربة مجهولي الهوية والذين فضلوا المقامرة مع البحر بقوارب الموت، على الموت البطيء بسبب البطالة والمحسوبية واللوبيات الحكومية العائلية المعروفة لدى القاصي والداني، كل هذا يحدث في بلد من أغنى بلدان العالمْ. وللمزيد في الإمعان في إذلالنا تقام فيهما الاحتفالات الرسمية بمناسبة سقوطهما في يد الاحتلال الإسباني. وتبعا لكل هذا جاءت ندوة الدولية في موضوع : سبته ومليلية والجزر المحاذية( جذور الاحتلال ومظاهر الأسبنة وآفاق التحرير واستكمال الوحدة الترابية للمغرب) وذلك 26 أبريل 2008 بكلية الحقوق -25- في أيام 24 بوجدة. وهي ندوة دولية سياسية شارك فيها المجلس العلمي المحلي بوجدة، ومركز الدراسات والبحوث الإنسانية بوجدة، والمجلس الأعلى للجالية المغربية. وتعد هذه الندوة مبادرة خاصة في هذا الظرف بالذات والعويص الذي يجتازه المغرب العربي، والعالم العربي. بعد حملة الحرب على الإرهاب، والتي انكشفت على أنها حرب على العرب لتقزيمهم وتفتيتهم إلى طوائف متناحرة وهو ما خططت وتخطط له إسبانيا في شمال الريف المغربي، بدعمها للمطالب الواهية لأمازيغ الريف بالانفصال عن الحكم المغربي. مع العلم أن التخلف البنيوي واللغوي والاقتصادي الذي ورثه المغرب في شماله سببه المستعمر الإسباني لشمال الريف. وهي نفس البصمات والاختلالات التي تركتها "الإيزابيلا" في أمريكا الجنوبية. وكان من المفروض على إسبانيا أن تتصالح مع التاريخ وتقدم اعتذارا رسميا للمغرب، وخاصة لأمريكا الجنوبية التي نهبت ذهبها وأتلفت فيها المآثر التاريخية لأعرق الحضارات الإنسانية والتي هي مع الأسف الأنكا والأزتيك، وهو جرم تاريخي لم ولن ينسى مهما تقادمت الذاكرة. ورغم ما يشهده الواقع الاقتصادي الإسباني في المغرب، على مستوى العلاقات التجارية، وفي ميدان الاستثمار، حيث تعد إسبانيا الشريك الثاني للمغرب بعد فرنسا، إلا أن هذا لا يرقى إلى مستوى العلاقات السياسية، بسبب سبتة ومليلية وكما حدث مع جزيرة ليلى، وخلال الزيارة الأخيرة للملك الإسباني المجانية لسبتة وهي حركة تنم عن الماضي الدفين للكنيسة الكاثوليكية، التي كانت تمنع المسلمين واليهود من الإعمار والتضييق عليهم في كل الأمور الحياتية الأخرى، في مقابل تشجيع الهجرة الإسبانية، واليهودية فيما بعد. مع التذكير أن إسبانيا نفسها مازالت لم تسترجع صخرة . جبل طارق الذي تحتله بريطانيا منذ سنة 1713 وكثيرا ما ربطت إرجاع المدينتين السليبتين للمغرب باسترجاعها لجبل طارق، وهي محاولة لإطالة بقائها في جزء من التراب المغربي، لأنها تعي أن بريطانيا سوف لن تسلمها جبل طارق هكذا بين عشية وضحاها، كما أن إستراتيجية الغرب والحلف الأطلسي تقضي ببقاء اسبانيا في سبتة ومليلية وهو ما يخيف المغرب ويجعل استقراره في مهب الريح، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن إسبانيا جعلت منهما قواعد متقدمة لمحاربة ما يسمى بالإرهاب ولأغراض أخرى. لقد تحاشى المغرب لحد الآن تسجيل قضية سبتة ومليلية لدى لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، معتبرا أن المدينتين جزء لا يتجزأ من ترابه، جانحا نحو الحل السلمي عبر آليات التفاوض الثنائي المباشر مع إسبانيا، إلا أن غياب آليات المجتمع المدني أو تغييبها من طرف الدبلوماسية المغربية كما حدث في الصحراء الغربية المغربية كما حدث في حكومة الوزير الأول عبد اللطيف الفاسي الفيلالي على عهد الملك الحسن الثاني، في مقابل حضور مكثف للآليات الإسبانية والجزائرية الرسمية والغير الرسمية... وهو ما وفر سندا قويا للبوليساريو وسط المجتمع الأوروبي والإفريقي والأمريكي، وبفضل مساندة الجزائر القوية، حتي أن الجزائر وقفت إلى الجانب الإسباني في قضية جزيرة ليلى من دون كل العرب. وهي جملة من الأخطاء ارتكبتها الدبلوماسية المغربية في قضية المطالبة بسبتة ومليلية وهو ما ظهر جليا خلال زيارة الملك خوان كارلوس . للمدينتين بتاريخ 6 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 لكن لماذا ثار المغاربة هذه المرة بشدة على زيارة الملك، ولم يبالوا بزيارة الوزير خوسي ماريا أثنار؟ أولا: لأن زيارة الملك لها رمزية للإمتدادات الإييزابيلية الكاثوليكية الصليبية الممجدة للاحتلال الصليبي، ودلالة على أن الملك يحيي ويثني على أمجاد الملكة إيزابيلا الحديدية التي طردت المسلمين من الأندلس بل ولاحقتهم إلى عقر دارهم. ثانيا: المغرب تفادى الاحتجاج على زيارة رئيس الحكومة والذي ينتمي إلى الحزب الشعبي الفاشي الفرنكوي، في وقت كانت إسبانيا تستعد لتنظيم الانتخابات التشريعية لمارس 2004 ، لأن ذلك كان سيصب في صالح أثنار وحزبه المعادي بشدة للحق المغربي في صحرائه وفي سبتة ومليلية. إلا أن أحداث 11 مارس-آذار 2004 في قطارات مدريد أسقطت حكومة أثنار وخففت بعض الضغط من الجانب الإسباني الرسمي في الحزب الشعبي المتحالف مع الموقف الجزائري. إن تحرير الثغور المغربية والجزر المحادية لها أصبح يرتبط بقضايا أخرى متشعبة من قبيل الهجرة السرية ومكافحة الإرهاب وترسيم الحدود البحرية قبالة السواحل الأطلسية لجنوب المغرب، والحملات الإنتخابية، وتجديد اتفاقات الصيد البحري التي ما زال المغرب لا يوظفها بشكل كامل لصالحه، مثلما تفعل الجزائر بالغاز كورقة ضغط في السياسة الخارجية لمعاكسة الحق المغربي في صحرائه. كما أن المغرب لا يمكنه أن يلجأ إلى الحرب، لأن جل الدول الأوروبية ستساند إسبانيا كما حدث في حرب "الفوكلاند" عندما اجتاحت القوات الأرجنتينية جزر "المالوين" التي تحتلها بريطانيا، فكان أن ساندت أوروبا وأمريكا حكومة تاتشير وطرت الأرجنتين من جزرها. كل ما تمخضت عنه الندوة من توصيات أو مؤسسة (CENTER) هو تأسيس مركز تتولى تنظيم الندوات ،(FOUNDATION) التحسيسية لإثارة موضوع سبتة ومليلية إلى جانب يقظة المجتمع المدني، وهو ما ظهر جليا في زيارة الملك الإسباني للمدن المغربية المغتصبة. إلا أن المغاربة ما زالوا غير واثقين في الدبلوماسية المغربية بخصوص سبتة ومليلية والجزر، خاصة في حكومة الفاسيين الذين لهم مصالح متشعبة مع الإسبان وغالبة على التضحية الوطنية وعلى الحس الوطني والقومي. ورأى المغاربة كيف كادت أن تطيرا لصحراء من المغرب على عهد الوزير الفاسي عبد اللطيف الفيلالي، والذي فر من المغرب مباشرة بعد موت الحسن الثاني. * صحافي مغربي 29 TMaà› Saturday 2008/6/ السبت 7 عن جريدة العرب الأسبوعي اللندنية بقلم : محمد سعدوني