الحرية: تعقد حكومة نتنياهو آمالها على الإدارة الأميركية ورئيسها أوباما من أجل وضع حد للطموح الفلسطيني الذي يسعى إلى استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن يعترف بالدولة الفلسطينية وفك الارتباط بين هذا الهدف وبين مسلسل المفاوضات العبثية الذي ملأ المشهد السياسي خلال الفترة الماضية. ولا يجد بنيامين نتنياهو من وسيلةً لاستنهاض همة باراك أوباما في هذا الاتجاه سوى تكرار الحديث عن أن واشنطن ستسمع منه خطاباً مفصلياً يتضمن الإعلان عن مبادرة سياسية جديدة. واللافت هنا أنه حتى معظم المحللين السياسيين في إسرائيل يتساءلون: عن أي خطة يتحدث هذا؟!.. ولم يخف رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه في إطار الخطة المنظورة يكرر ثوابته المعروفة. لكنه في هذه المرة يضع شروطاً لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني تبدأ بالاعتراف المسبق بيهودية دولة إسرائيل ويعتبر هذا الأمر محورياً لضمان نجاح هذه المفاوضات. لكنه ينظر إلى موضوعة الاستيطان باعتبارها مسألة هامشية لا تستدعي أن تكون مفتاحاً لبدء المفاوضات بل هي أحدى القضايا التي يمكن نقاشها في جلسات التفاوض. يأتي ذلك في ظل تململ دولي تجاه الجمود السياسي على جبهة التسوية، ويتسع عدد الدول التي تلمح بأنها ليست بعيدة عن نقاش إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهو ما اعتبره نتنياهو بمثابة تسونامي سياسي في وجه إسرائيل. كما يترافق السعي الرسمي الإسرائيلي باتجاه واشنطن مع أصوات من داخل إسرائيل تقول بضرورة الاعتراف باستقلال الدولة الفلسطينية وهي مبادرة تنشط من أجلها عشرات الشخصيات العامة من أدباء وفنانين وغيرهم. إذاً يمكن القول إن المعادلة الرئيسية التي تتشكل حول موضوعه الاعتراف بالدولة الفلسطينية تتألف في جانب المؤيدين من التحرك الفلسطيني ومناصريه على المستويات العربية والإقليمية وفي إطار تكتلات دولية عدة، في حين تتركز الكتلة الصلبة المعادية لهذا التوجه من إسرائيل والولايات المتحدة وكل ما يمكن أن تشده إليها من الأطراف التي تتوزع على مدرات متباينة في فلك علاقات تل أبيب وواشنطن وتأثيراتهما أو بالمعنى الأدق الضغوط التي تنطلق من تقاطع مصالح هاتين العاصمتين. وهذا طبيعي من موقع توصيف ما يجري في المعركة متعددة المستويات التي تزداد وتيرتها مع اقتراب دورة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/ سبتمبر القادم. وهنا يتطلب الأمر الإشارة إلى ما يأتي: * ينبغي التمييز على المستوى الوطني الفلسطيني ما بين الدخول في معركة سياسية ودبلوماسية مفتوحة لتحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومابين الاتكاء على ما سمي بوعد أوباما عندما أشار في وقت سابق إلى أن المجتمع الدولي سيشهد ولادة دولة جديدة [يقصد الدولة الفلسطينية] في الشهر التاسع من العام 2011 الذي نحن فيه. وسبب هذا التمييز الضروري يتعلق ببساطة بجملة الوعود التي أطلقها أوباما وتراجع عنها منذ أن أدلى بخطابه الشهير في القاهرة في حزيران/ يونيو من العام 2009. ولو كان التزم بمضمونه ومارست بلاده الضغط الذي تستطيعه على إسرائيل لكان المراهنين على وعوده محقين في توقع قيام الدولة بناءً على تلك الوعود. ونعرف جمعنا أن هذه المواقف التي أعلنت سابقاً قد تآكلت بالتدريج حتى تلاشى أي مفعول متوقع لها في الوقت الحالي. * وبناء على، ذلك فإن الفلسطينيين أمام معركة سياسية يفترض خوضها بأسلحة وأدوات ملموسة ومنظورة، قبضتها الأساسية بيد الحالة الفلسطينية من خلال تأكيد الخيار الاستراتيجي الحاسم الذي يقول بأن الوصول إلى الدولة المستقلة يمر في طريق المواجهة المفتوحة مع الاحتلال سياسياً ودبلوماسياً وفي السياق ذلك كله وكأساس له المقاومة الشعبية الفلسطينية بكافة مستوياتها الميدانية في مواجهة التوسعية الإسرائيلية. وهذا الخيار له أكلافه المعروفة على المستوى السياسي والجماهيري. لذلك فإن المهمة الأولى أمام الحركة السياسية الفلسطينية على مستوى السلطة ومنظمة التحرير وباقي القوى والفصائل هي تمكين الشعب الفلسطيني وتعزيز قدرته على خوض هذه المعركة إذا كان الأمر مطروحاً على المستوى الذي يستحقه من الجدية والعمل الوطني الدؤوب. وإلا تم الدخول في معركة خاسرة قبل بدايتها. ويعزز من قناعتنا بهذا الطرح أن حكومة نتنياهو وفي الوقت الذي تراهن فيه على دور واشنطن في تمرير مناوراتها فإنها لم تفقد الأمل على ما يبدو في حدوث تراجع في الموقف الفلسطيني تجاه مسألة المفاوضات, وتستند في ذلك إلى تأكيدات أوباما نفسه الذي يربط ما بين قيام الدولة الفلسطينية ومسار المفاوضات بين الجانبيين الفلسطيني والإسرائيلي، مع أنهما يفتقدان الدور التي كانت تلعبه لجنة المتابعة العربية في الانضمام إلى سيل الضغوط على الحالة الفلسطينية لأجل إحداث هذا التراجع وهذا يتم بفضل ما حصل على مستوى الشارع العربي من تطورات عاصفة. ومع ذلك، لا تزال في جعبة المصالح الأميركية الإسرائيلية المشتركة الكثير مما يدفع واشنطن وتل أبيب لمحاولة استعادة المبادرة في سياق السعي لإعادة مشهد المفاوضات المتوقفة إلى صدارة الحراك السياسي المتصل بالصراع القائم. فبنيامين نتنياهو متضرر من توقف المفاوضات لأن ذلك يسلط الأنظار في إسرائيل على الأوضاع الداخلية التي تتفاعل ملفات كثيرة في إطارها لغير صالح الائتلاف الحكومي لما تشكله طبيعة هذا الائتلاف من إغراق في اليمينية والتطرف الذي يستمد قوته من شعارات نتنياهو التفاوضية والتي يحاول من خلالها تقديم نفسه كمدافع عن الصهيونية وهو الذي أخذ على عاتقه في خطاب بار أيلان 2009 مهمة إعادة الاعتبار للصهيونية. وبذلك يواصل هو وائتلافه الحاكم حصد المزيد من التأييد من قبل الناخب الإسرائيلي في ظل تنامي مؤشرات اليمين والتطرف والعنصرية ضد الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي. وباراك أوباما وحزبه الديمقراطي لا يريد أن تأتي الانتخابات الرئاسية في العام القادم على صورة الانتخابات النصفية التي جرت في خريف العام الماضي وخسر الحزب الحاكم الأغلبية التي كان يتمتع بها في مجلس النواب. ومن الطبيعي أن تكون التعقيدات التي شهدتها جهوده في التسوية الإسرائيلية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أحد أسباب هذا التراجع دون إهمال الملفات الأخرى على المستويين الخارجي والداخلي. من هذه الزاوية، ربما يجد أوباما نفسه معنياً أكثر في إعادة تحريك جهود التسوية في مسرب المفاوضات الثنائية وربما يتم التلميح إلى نية واشنطن ممارسة بعض الضغوط على حكومة نتنياهو من أجل إثارة شهية المفاوض الفلسطيني نحو المفاوضات. وهنا لا تبتعد التسريبات التي تقول عن سوء العلاقات بين نتنياهو وأوباما عن هذا المسعى. المعركة واضحة ومعادلتها صريحة وماثلة أمام من يريد أن يقرأ السياسة بحروفها السليمة التي أشبعت بالنقاط التي وضعها السلوك السياسي الأميركي تجاه التسوية.. وتبقى العبرة بالاتعاظ من كل ذلك!