استبعاد شخصيات ريفية من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال يثير الجدل    سعر صرف الدرهم يستقر مقابل الأورو ويتراجع مقابل الدولار    تصفيات "كان" 2025.. نفاذ تذاكر مباراة المغرب وإفريقيا الوسطى بعد يوم من طرحها    الآلاف يخرجون في مسيرة في الرباط تضامنا مع غزة وبيروت    قرار العدل الأوروبية.. البرتغال تؤكد على الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    غوتيريش يدعو إلى وقف "سفك الدماء" في غزة ولبنان    أنفوغرافيك | بالأرقام .. كيف هو حال إقتصاد غزة في الذكرى الأولى ل "طوفان الأقصى" ؟    المغرب يحاصر هجرة ممرضيّه إلى كندا حماية لقطاعه الصحي    انتخابات رئاسية باهتة في تونس يغيب عنها التنافس    نتانياهو يصف دعوة ماكرون للتوقف عن مد إسرائيل بالأسلحة "بالمخزية والعار    إنطلاق أكبر مسيرة وطنية في الرباط دعما لفلسطين ولبنان في الذكرى الأولى للسابع من اكتوبر (فيديو)    الجزائر تكشف تورطها في ملف الصحراء بدعم قرار محكمة العدل الأوروبية ضد المغرب    صدمة في البرنابيو.. كارفاخال يعاني من إصابة مروعة        ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس بالجديدة نهائي النسخة ال7 من الجائزة الكبرى للملك محمد السادس للتبوريدة    منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة…أسعار الغذاء تسجل أعلى زيادة شهرية    طقس الأحد.. زخات رعدية ببعض مناطق المملكة        افتتاح المسبح المغطى السومي أولمبي بتاوريرت    أمام "سكوت" القانون.. "طروتينيط" تغزو شوارع الحسيمة    الجامعة المغربية لحقوق المستهلك…تأكد صحة وثيقة تلوث مياه "عين أطلس"    23 قتيلا في غارات اسرائيلية على لبنان    التونسيون يصوتون في انتخابات الرئاسة وأبرز منافسي سعيد في السجن    جولة المفاجآت.. الكبار يسقطون تباعا وسطاد المغربي يتصدر الترتيب    معرض الفرس الدولي في نسخته 15.. غاب عن فعالياته رواق وعروض ال DGSN    ترامب يعود لمكان محاولة اغتياله: "لن أستسلم أبداً"    انطلاق برنامج الحملات الطبية المصغرة لفائدة الساكنة القروية بإقليم إفران    أمن طنجة يحقق مع سيدة هددت شابة بنشر فيديوهات جنسية لها    بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    مضيان يقود لائحة كبار المغادرين لقيادة حزب الاستقلال وأدمينو أبرز الملتحقين    التعادل يحسم مباراة الحسنية والوداد    عودة ليزلي إلى الساحة الموسيقية بعد 11 عامًا من الانقطاع    رغم تراجعه عن مطالبته بوقف تسليح إسرائيل.. نتنياهو يهاجم ماكرون: سننتصر معك أو من دونك وعارك سيستمر لوقت طويل (فيديو)    هكذا علقت هولندا على قرار المحكمة الأوروبية وعلاقتها بالمغرب    منتخب U20 يواجه فرنسا وديا استعدادا لدوري اتحاد شمال إفريقيا    "أندلسيات طنجة" يراهن على تعزيز التقارب الحضاري والثقافي بين الضفتين في أفق مونديال 2030    ENSAH.. الباحث إلياس أشوخي يناقش أطروحته للدكتوراه حول التلوث في البيئة البحرية    إنزال كبير لطلبة كليات الطب بالرباط في سياق الإضرابات المتواصلة -فيديو-    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    مصدر ل"برلمان.كوم": المغرب يواصل تنويع شراكاته ويمدد اتفاقية الصيد مع روسيا.. وقرار العدل الأوروبية عزلها دوليا    الفنانة المغربية نعيمة المشرقي تغادرنا إلى دار البقاء    في عمر ال81 سنة…الممثلة نعيمة المشرقي تغادر الحياة    وفاة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي بعد مسار فني حافل بالعطاء    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)            من قرية تامري شمال أكادير.. موطن "الموز البلدي" الذي يتميز بحلاوته وبسعره المنخفض نسبيا (صور)    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    قافلة المقاول الذاتي تصل الى اقليم الحسيمة    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″        وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملكية البرلمانية
نشر في السند يوم 11 - 04 - 2011

هل فتح الخطاب الملكي الطريق إلى إقرار هذا النظام؟ . ما هي السياقات التاريخية والسياسية التي انبثقت عنها الملكيات البرلمانية؟ . كيف تناولت مذكرات الأحزاب مطلب الملكية البرلمانية؟ اللجنة، هل هي مستقلة أم امتداد للجهاز التنفيذي؟ . الفصل 19 ونظام الحكم
الذي تطالب به القوى الديمقراطية.
من بين القضايا المثيرة للنقاش حاليا في إطار إعداد الدستور المقبل: الملكية البرلمانية، هل سيتم التنصيص عليها كنظام للحكم بالمغرب وبناء إختصاصات السلط طبقا لهذا الاختيار؟ أم أن الوثيقة المرتقبة «ستقترب» من هذا الشكل في الحكم وتقوى صلاحيات البرلمان والحكومة وبالتالي تفلص من صلاحيات الملك؟ هل ستصيغ اللجنة دستورا يتضمن أسسا تشكل لبنة في إتجاه الملكية البرلمانية؟ أم سنظل بعيدين عن تحقيق هذا المطلب الذي تتبناه أبرز القوى السياسية إلى جانب مطالب أخرى تهدف بناء مغرب ديمقراطي قوي.
لقد تضمن الخطاب الملكي ليوم 9 مارس أسسا دستورية لمغرب الغد، كي يكون بالفعل مغرب العصر. وجاءت المحاور السبعة في هذا الخطاب لتفتح الباب من أجل هندسة جديدة للدستور، وخاصة المحور الرابع الذي إلى «توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها...» . وقراءة هذا المحور وتفرعاته الخمسة يجب أن تنطلق من دمقرطة المغرب بما تعنيه الديمقراطية، كما أصبح متعارف عليها دوليا .
أي مسار للملكية البرلمانية؟ ماهي الظروف والشروط السياسية والتاريخية التي صاغتها حتى أصبحت نظاما للحكم؟ هل تم تبنيها في إطار استمرار نفس النظام، أم في أعقاب تغيير نظام الحكم؟
و اللجنة التي تم تنصيبها؟ ماذا عن تركيبتها؟ منهجية عملها؟
محمد مدني أستاذ بكلية الحقوق بالرباط
حسن طارق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق بسطات.
{ لنبدأ من السؤال التالي: أي مسار للملكية البرلمانية؟ ماهي الظروف والشروط السياسية والتاريخية التي صاغتها حتى أصبحت نظاما للحكم؟ هل تم تبنيها في إطار استمرار نفس النظام ، أم في أعقاب تغيير نظام الحكم؟
حسن طارق:
المرحلة الثانية، والتي تعطينا صورة المؤسسات الملكية البرلمانية الكلاسيكية، هي بالضبط تقليص نفوذ المؤسسة الملكية في ما يتعلق بالسيادة ورمز الدولة وبعض السلط الدينية، ثم سلط دستورية محدودة ، كما هو الأمر ، مثلا، في الحق في تعيين الوزير الأول، وطبعا هو حق تقيده الأعراف الدستورية وتربطه بالحزب الفائز بالانتخابات، خاصة في نمط حزبي فيه ثنائية (أو ثلاثة أحزاب كما هو الاتجاه اليوم).
في ما يخص العلاقة بين الملكية البرلمانية وبين الديمقراطية، فإن المجال الوحيد والوجهة الوحيدة للدمقرطة في الأنظمة الملكية كانت عبر تعزيز سلطة البرلمان، وعبر تعزيز سلطة الحكومة المجسدة للأغلبية النيابية، لذلك فإن تطوير الطابع البرلماني للنظام السياسي هو مسار يتطابق مع مسار الدمقرطة، لأنه في حالات أخرى كان الاختيار الرئاسي أو الاختيار البرلماني في الملكيات، كان فيه تطابق بين الرغبة في الدمقرطة، ونذكر هنا الصراع الذي عرفته انجلترا حول صلاحيات مجلس العموم والصلاحيات المالية ( الميزانية ، التشريع الضريبي) ومسار الديمقراطية، لذلك فهذه الملكيات البرلمانية هي نموذج لتطور ديمقراطي يحتفظ بشكل الدولة بخصوصيتها ، برمزية المؤسسة الملكية، ولكن يعطي الصلاحيات لممثلي الأمة من خلال البرلمان والحكومة والوزير الأول.
محمد مدني:
وتعلمون أنه في بريطانيا، هناك سياق تاريخي معروف يتميز بالخصوص، بغياب دستور مكتوب.
إذن هناك مجموعة من الخصائص من بينها انتقال ديمقراطي حقيقي، وهذه مسألة أساسية. المسألة الثانية، وحتى لا نقول أنه يمكن أن تكون ملكية برلمانية على الطريقة المغربية ، وهذا لا يعني أي شيء، فإن الخصائص المتعارف عليها عالميا هي أولا: وجود محيط ديمقراطي أو انتقال ديمقراطي بما يترتب عنه من قطيعة، لأنه حتى في اسبانيا ،رغم وجود توافقات، فإن أول عملية تمت سنة 1977 ،هي حل المؤسسات الفرنكاوية، ثم الدعوة لانتخابات برلمانية، والتي أعطت نتائجها أغلبية يمينية، ولكن هذه النتيجة غيرت قواعد اللعبة، لأن الأساسي في الملكية البرلمانية لا يضمن أن قوى التغيير أو القوى التي تدافع عنها ، هي التي ستحظى بالأغلبية ، هذا غير مضمون ، ولكن المضمون أنها تحدد قوانين اللعبة التي يتفق عليها الجميع ، أو على الأقل الأطراف السياسية الأساسية.
إن الدور المحوري للبرلمان في العملية التأسيسية وفي العملية السياسية ، معناه أن مركز الحياة السياسية ينتقل من القصر إلى الاحزاب السياسية، وهنا أريد أن أوكد أنه سواء في تجربة الانجليز أو تجربة الاسبان، تبين أنه ليس هناك شعب ناضح أو غير ناضح للملكية البرلمانية، والوقائع تبين أن أي شعب يمكنه أن يتعامل معها في سياقات معينة.
المسألة الثانية وهي التمييز بين شخص الملك وبين التاج، شخص الملك هو شخص طبيعي، يموت، يمرض، أما التاج فهو وظيفة متميزة ، وغالبا الدساتير تركز على التاج، والنقاش يجب أن يدور حول وضعية الوظيفة، لأن هذه مستمرة.
في ما يخص الديمقراطية كمؤسسات ومفاهيم وقيم، صارت اليوم حاجة ملحة للشعوب، هي مثل الأدوية اليوم، بمعنى أنه لا يمكننا أن نقول إن هذا الشعب كان يعالج نفسه عن طريق الفقهاء وعن طريق الأعشاب، واليوم لا يمكنه أن ينتقل فجأة إلى العلاج بواسطة البنسلين و... و... الذين يقولون، إننا نحتاج إلى قرون، كما احتاجت بريطانيا الى قرون طويلة، هؤلاء الناس لا يعيشون العصر. الديمقراطية اليوم صارت حقاً من حقوق الشعوب ولا تنكرها حتى أعتى اليكتاتوريات.
إذن الديمقراطية حقيقة تطورت عبر القرون، ولكن حينما وصلنا الآن إلى القرن 21 ، مثلا، ملك إسبانيا كان يمكنه أن يخول لنفسه نصف ملكية تنفيذية ، ولكنه اختار الملكية البرلمانية، لأنه رأى العصر، وأراد أن يكون منسجماً مع روح العصر.
إذن الأطراف السياسية هي التي تتوافق على الدستور، وبعد ذلك، عرض على الشعب للاستفتاء، ومنذ ذلك اليوم، تتقدم اسبانيا، ولكن أريد أن ألح على استيعاب روح العصر وعلى دور الملك ودور الطبقات السياسية والعمالية، دور المعتدلين الذين قدموا تنازلات لبعضهم البعض ، هو الذي عجل بإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي في اسبانيا. وأنا لا أرى أن المغرب عاجز عن أن يتقدم خطوات كبيرة في هذا الاتجاه.
{ دون شك، كان لمنظومة الحقوق التي تحققت بفضل نضالات مجتمعات الملكيات البرلمانية، دور في بناء أنظمة الحكم على أسس صلبة...
سعيد بكري:
يعتبر مناضلو حقوق الإنسان أن حق المواطن في تدبير الشأن العام يعطيه سلطة في اختيار من يمثله في تدبير هذا الشأن العام، ويكون هذا الاختيار مترجما في الأجهزة التي تشكلها الدولة.
بطبيعة الحال، يطرح الموضوع على مستوى آخر، أي علاقة هذه السلط بسلطة الملك، وفي المغرب، فإن نظام الحكم لا يفتح المجال للسلطة التنفيذية، أي الحكومة، لتمارس بشكل واسع هذا الحق، وحتى المواطن من خلال ممارسته حق الانتخاب، فإن نتائج الاقتراع لم تعرف النزاهة والشفافية المطلوبة التي تعكس هذا الحق.
نعتبر في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن الديمقراطية هي أساس كل تطور وكل تقدم وكل تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية. لقد قطع المغرب شوطاً كبيراً في مجال الحقوق المدنية والسياسية مع بعض التعثرات التي أكدتها هيأة الإنصاف والمصالحة، والتوصيات الصادرة عنها، وهي التوصيات التي يؤكد الجميع على أهميتها ويطالب بإعمالها...
إن أي تقدم نحو الديمقراطية يجب أن يمر من خلال سلطة الناخب التي يفوضها لمن يمثله في تدبير الشأن العام حتى يسائله ويحاسبه، ودون ذلك، لا تعتبره المنظمة المغربية لحقوق الإنسان شكلا من أشكال الديمقراطية.
إن الوضع الذي نعيشه اليوم بالمغرب يبدو وكأن الحكومة لا تمارس أية سلطة، لأنها غير منبثقة من ديمقراطية حقيقية، والانتخابات التي أفرزت نخباً بالبرلمان، هي انتخابات غير نزيهة، وأذكر هنا بأن تقارير المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ، بشأن الانتخابات، بينت وجود خلل كبير في ما يتعلق بالنزاهة، وبالتالي تزييف الإرادة الشعبية، وهو ما ترتب عنه وجود حكومة بدون مصداقية.
عبد العزيز النويضي
ثم هناك ثلاثة حقوق إذا مورست جيدا ، وهي موجودة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي صدق عليه المغرب سنة 1979 : الحق في تكوين الجمعيات والاحزاب والنقابات والعمل في إطار تكافؤ الفرص بينها، الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في انتخابات حرة ونزيهة، إذا ما طبقت هذه الحقوق بشكل سليم، فإنها تنتج لنا نظاما ديمقراطيا، والحالة ، مع الأسف، رأينا أن هناك في المغرب تدخلا في حرية تأسيس الاحزاب والنقابات والجمعيات، ورأينا أن هناك تدخلا في الانتخابات وفي الاعلام الذي لايزال لحد الآن تحت الوصاية، لهذا فإن هناك عراقيل، و مساسا بالديمقراطية التي التزم بها المغرب، وإذا أردنا أن نضيف لهذه الحقوق ، هناك الحق في التنمية الذي يعني حق الشعوب والأفراد في المشاركة في سياسات ومسلسل التنمية وفي التمتع بثمارها..
محمد مدني:
وبالاضافة إلى ذلك، كان خلق اقتصاد سوق حقيقي مسألة أساسية .معنى ذلك أن السوق مبني على المنافسة، أي أن الليبرالية السياسية التي هي منافسة بين الأحزاب بناء على قواعد انتخابية حقيقية ، وبناء على قواعد سياسية حقيقية، توازيها على المستوى الاقتصادي منافسة حقيقية، وهذا يتطلب محاربة الاحتكار، رغم أننا نعلم أن الاحتكار هو تطور طبيعي داخل الرأسماليات، إلى جانب ذلك ، هناك أيضا خلق ما يمكن تسميته بالاقتصاد التضامني، الذي يسمح بالتنافس وخلق اقتصاد للسوق، وذلك في نفس الوقت دون تهميش قطاعات تصوت لكي لا تبيع صوتها.
عبد العزيز النويضي:
بدون شك، لماذا؟ ليس فقط في اطار الملكيات، بل في جميع التجارب السياسية الحديثة، رأينا أن الطبقات التي كانت تحرص على الاستئثار بالثروات غالبا ما كانت تميل نحو احتكار السلطة، وذلك عبر تهميش كل من يعارضها، ورأينا في أمريكا اللاتينية طبقات الملاك الكبار تحالفت مع الجيش عندما قام بانقلابات على حكومات مدنية منتخبة ديمقراطيا، كما رأينا في حالة الشيلي في بداية السبعينات، والبرازيل في منتصف الخمسينات وفي دول أخرى. إن مسألة الثروة تعد من العراقيل ، فعندما تكون الطبقات التي في السلطة مستحوذة على الثروات، فإنها تقاوم الانتقال الديمقراطي، وأعتقد أنه يجب أن تكون هناك تسويات وترتيبات حتى تسمح لمن يريد الاحتفاظ بالثروات، وأن يمارس الأعمال في الميدان الاقتصادي، أن يبتعد عن السياسة. ولكن الخلط بين ممارسة السياسة وممارسة الأعمال من شأنه أن يدفع الناس الذين يمارسون السياسة لاتخاذ قرارات لصالحهم أيضاً في المجال الاقتصادي، وبالتالي تحدث منافسة غير مشروعة وغير شريفة، وتضارب في المصالح لا يمكن أن يشجع على الديمقراطية.
سعيد بكري:
إن الحق في ممارسة التجارة أو تكوين الثروة يجب أن يكون في إطاره المشروع، وأن لا تكون هناك علاقة جدلية بين أصحاب المال مع السلطة، لأن تداخل هذين الطرفين يفسد العملية
محمد مدني:
هذا المشكل أساسي، لأنه حتى في الحالة التي يكون فيها للبرلمان حق شكلي في وضع الضريبة وفي التصويت عليها، نجد في الواقع ، في دول مثل المغرب مثلا، البرلمان لا يتحكم في سيرورة وضع الضريبة، لأنها نفسها مرتبطة بالانتخاب، مرتبطة بالأحزاب السياسية، وبالعلاقة بين هذه الأخيرة والحكومة، ودور وزارة المالية ووزارة الداخلية، النقص في الموارد البشرية.إلخ... تجعل أن حتى ذلك الاختصاص المخول للبرلمان هو اختصاص ناقص، إن لم يكن شكليا.
إضافة إلى ذلك، هناك جانب أوسع من الجانب المالي، ويتعلق بما إذا كان هناك اقتصاد متمركز أو غير متمركز، وغالباً ما نناقش اللامركزية من الزاوية الادارية. لكن اللامركزية الحقيقية هي على مستوى الاقتصاد. إذا كان الاقتصاد مشكلا من أقطاب متكافئة نسبياً، في جميع الأحوال، كما قلت سابقا، فإن قانون التوجه نحو الاحتكار هو مسألة مرتبطة، ولا يمكن التخلي عنه، ولكن الديمقراطية البرلمانية أوجدت وسائل لكي لا يصبح هذا الاحتكار خطراً على النسق الاقتصادي والاجتماعي.
إضافة إلى ما أشار إليه الأستاذ محمد مدني، هناك ما يتعلق بعلاقة مناقشة الميزانيات بالملكيات البرلمانية. كان الاختصاص المالي للبرلمان هو العنصر الأول في الصراع بين تشكيلات اجتماعية لديها تمثيلات مختلفة إما داخل العائلات الملكية أو داخل البرلمانات ومجالس العموم... كان هناك صراع حول الاختصاصات المالية، هذا من جانب، الجانب الثاني متعلق بالنقاش النظري حول الديمقراطية أو الدمقرطة، والذي اعتبره الكثيرون بمثابة هندسة للمصالح الاقتصادية داخل مجتمع من المجتمعات، وبالتالي فرز لقوى اقتصادية متقابلة وليست لديها هيمنة مطلقة لهيأة أو لفئة اقتصادية معينة. هذا التوازن المادي والاقتصادي، في لحظة من اللحظات، يخلق الحاجة الى قواعد لعب و حياد موضوعي للدولة تجاه الفاعلين الاقتصاديين، وهذا كان جزءا من نقاش كبير حول الاقتصاد السياسي للديمقراطية، أو كيف يمكن أن يكون هناك تحول ديمقراطي بالنظر للمعطيات الاقتصادية.
طبعاً اليوم هناك سقوط لهذه الشرطيات، الشرطية الثقافية والعلاقة بين الاسلام والديمقراطية ،وما طوره المنظرون الأمريكيون، الذين اعتبروا ، مثلا، أن الموجة الرابعة هي موجة مسيحية يصعب تصورها في مجتمعات اسلامية.
إن علاقة الاقتصاد بالسياسة يجب أن تطرح بقوة الآن بالمغرب لمناقشتها وإيجاد حلول بشأنها.
اليوم، نلاحظ أن هناك أشخاصاً في حركة 20 فبراير جاؤوا من العالم الاقتصادي، هل يعني هذا أن هناك مسلسلا لاستقلالية فئات بورجوازية ترى أن نشاطها الاقتصادي مرتبط بوضع سياسي معين قائم على مبدأ التثمين القانوني والدستوري لمبدأ المنافسة؟
سأتناول الموضوع من زاوية العلاقة بين السلطة والثروة، هناك عالم اجتماعي اسمه إليكيا مبوكدو ELIKIA M›BOKDO ، يقول إنه في دول خرجت من فترة الاستعمار ، ومنها المغرب مثلا، أهم استثمار يقود إلى الثروة، ليس هو الخبرة والمعرفة ورأس المال ، بل هو السلطة، فعندما تكون في السلطة فإنك تستطيع أن تنجح في عالم الأعمال، وأن تراكم الثروات، وهذا يتضح لنا من خلال مثال بسيط، هو أنه في سنة 1996 عندما تم إقرار الغرفة الثانية (مجلس المستشارين) رفعنا من درجة الرشوة في الانتخابات، إذ أن عددا من الأشخاص في المجالس الجماعية مثلا، أصبحت لهم إمكانيات لبيع أصواتهم في عدة مراحل، وبالتالي تتأكد فرضية أن موقع الشخص في التدبير أو في السلطة، يوفر له إمكانية الاغتناء، فما بالك إن كان الموقع أكبر من هذا المستوى؟
{ وردت في الخطاب الملكي ليوم تاسع مارس، سبعة محاور تتضمن مقترحات للبناء الدستوري المقبل، هل تعبد هذه المحاور الطريق لنظام ملكية برلمانية بالمغرب؟
إن المحاور السبعة الواردة في الخطاب الملكي تفتح الباب ليس لتعديلات بسيطة، بل إنها تفتح المجال، إذا ما أعطيناها تأويلات ديمقراطية وبرلمانية، لتغيير هندسة وتوزيع السلط داخل المنظومة الدستورية المغربية. إن الأمر متعلق بتدبيرنا وقراءتنا لهذا النص.
إذن دور اللجنة لا أعطيه قيمة كبرى في التحليل، طبعا هذه اللجنة، في تاريخ النزاع الشكلي أوالمسطري ، تشكل خطوة إيجابية، لأننا ، على كل حال، مررنا من مرحلة التنازع حول المسطرة ، مثل إنشاء المجلس التأسيسي، والتي كانت أيضا تعبر عن نزاع وصراع حول المشروعيات، لذلك فالنقاش حول المسطرة يسميه الأستاذ محمد مدني، نقاشا ما قبل دستوري ،لأن المغاربة تصارعوا حول الشكل قبل حتى الصراع حول المضمون، والصراع حول الشكل صراع سياسي يعبر عن التشكيك في مشروعية الدولة في لحظة من اللحظات، ثم انتقلنا من الصراع في الستينيات حول الشكل وحول المسطرة، تحولنا في التسعينيات إلى ما يمكن تسميته بمحاورة ثنائية ما بين الكتلة الديمقراطية ومابين المؤسسة الملكية، كانت فيها المذكرات كصيغة، وكانت فيها تقاليد الكتمان،وكانت لديها حدود. كانت الدولة إما تتجاوب وإما تلتف على بعض المطالب، مثل مطلب إلغاء الثلث غير المباشر، حيث تم تحويله إلى غرفة ثانية، أو تتجاهل مطالب أخرى، وكانت لديها حدود كذلك في ما يتعلق بالشكل. إن الملك الراحل مثلا كان يرفض إطلاع قادة أحزاب الكتلة على مشروع الدستور قبل عرضه على الاستفتاء.
إذن دستور 2011 ستكتبه هذه الدينامية السياسية، وهذا التفاعل ما بين الاحزاب السياسية وما بين الفاعلين.
ثانيا تأكيد الخطاب الملكي على فصل السلط. هناك نظرية الديمقراطية الحسنية التي تعتبر أن فصل السلط يهم فقط السلط التي هي دون المؤسسة الملكية. بمعنى أن المؤسسة الملكية غير معنية بأي فصل للسلط، فإلى أي مدى ستقدم لنا الوثيقة الدستورية تجسيدا لفصل السلط المتعارف عليه؟
محمد مدني
النوع الثاني من اللجان هي لجان منتخبة،وهذه لا تطرح مشكل مشروعيتها، المشكل المطروح في المغرب هي لجان تمثل في الواقع استمرارا مرنا للسلطة التنفيذية، أي أنها من الوسائل الجديدة لتحرك السلطة التنفيذية، وهو ما يطرح مشاكل حول الاستقلالية وحول طريقة العمل أو حول التمثيلية والمشروعية.
الحدث الثاني لم يتم النطق بعبارة « ملكية برلمانية ».
لتقييم هذه المرحلة نتوفر على ثلاث أدوات لمعرفة ماهي أهمية حدث معين.
الوقائق بعد الخطاب، هناك اللجنة، وتحدثنا عنها وعن المخاوف التي تثيرها. هناك استعمال الفصل 19 الذي يطرح مشاكل حول الاعلان، حتى إذا أولنا أن الخطاب يسير نحو الملكية البرلمانية، هذه الممارسات تطرح اشكاليات.
الواقع الآخر هو التعامل مع الاحتجاجات بشكل عنيف. هذه كلها وقائع تجعل المرحلة ما بين الاعلان واتخاذ القرار تدفعنا نحو خلاصة معينة، وهي ان الاصلاح ليس بالشكل الذي نتصوره، بل سيكون عملية صعبة قبل عملية القرار.
إن من العناصر الايجابية في الخطاب الملكي، هو ربط السلطة بالمسؤولية، إذ هذا في الحقيقة يفتح آفاقا كثيرة للتوجه نحو دمقرطة أعظم للنظام وحد أكبر من سلطات الملك. اللجنة لن أطيل في الحديث عنها ، وإن كان ما يصدر أحيانا عن بعض أعضائها يدفع إلى التساؤلات ، مثل ما صدر عن الاستاذ محمد الطوزي الذي قال بأن الطبقة السياسية بالمغرب غير ناضجة للملكية البرلمانية، وهذا تصريح خطير، إذا كان قد استقاه وأوحي إليه بأن يصرح به ،فهو خطير، وإذا كانت هذا وجهة نظره الشخصية فإنه تجاوز واجب التحفظ الذي يجب أن يطبع عمل اللجنة.
ما سيصدر ، كما قال صديقي محمد مدني، هناك مؤشرات ولكني أرى أن ما سيحسم النتيجة هو مجموعة من العناصر، وهي عناصر متراكمة ويتأثر بعضها ببعض.
العنصر الثاني: ما يقوم به الاعلام، لأن الاعلام يلعب دورا أساسيا، لقد سمعت بأن بعض المنشطين لبعض البرامج الترفيهية (مثل نغمة وتاي) أو بعض البرامج «الاجتماعية» (الخيط الأبيض) دخلوا على الخط، ولا يمكن أن يفعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم في اتجاه يعطي تفسيرات من شأنها أن تُعلّب الأفئدة والعقول البسيطة في اتجاه لا علاقة له بنقاش حر ومفتوح.
ما سيؤثر كذلك هو الشارع، فإلى أي حد ستستمر حركة 20 فبراير وتأطيرها.. الخ.؟ وأنا أرى أن هذه الحركة تتأثر بما يجري في العالم، والخطاب الملكي لم يأت فقط نتيجة حركة 20 فبراير، بل نتيجة للنتائج التي جاءت بها حركات 25 يناير (مصر) و14 يناير (تونس)، وما يقع في ليبيا وفي اليمن وغيرهما، أعتقد أن كل هذه العناصر سوف تتداخل لتعطينا النتيجة، ولكن في هذه المرحلة أعتقد أن على الديمقراطيين أن يبقوا يقظين، وقد أسس عدد منهم حركة تسمى «يقظة».إن على القوى الديمقراطية ان تبقى حاضرة حتى تدفع في اتجاه تفسير يؤدي بنا إلى ملكية برلمانية ، وكما قال الأستاذ محمد الطوزي نفسه ، إن الملكية التنفيذية بالشكل الذي تمارس به اليوم هي خطر على الملكية، وهي ضارة، وهو قال فكرة أتفق معه فيها، قال إن المغاربة يحكمون على الملكية بدرجة نفعيتها، وأن مشروعيتها التاريخية، وأنا أضيف مشروعيتها الدينية، لم تعد تلعب دورا ، خصوصا إذا استغلت للإبقاء على ملكية تنفيذية يستظل بظلها عدد من الأشخاص للهيمنة على الحقل السياسي والهيمنة على الحقل الاقتصادي. وأعتقد أن كل هذه المحددات ستؤثر في القرار، وهي تدعونا إلى اليقظة، خاصة إزاء الاعلام الرسمي، وخاصة تجاه ما ستقوم به وزارة الداخلية من سلوكات لتأطير الاستفتاء وعملية الاستفتاء.
سعيد بكري:
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه، هل هذه المبادئ ستعطينا دستورا ممنوحا؟ هل هذه المبادئ التي وردت في الخطاب هي التي ستأخذ بها اللجنة، وهي لجنة معينة، أم أن خبراء اللجنة سيضعون دستورا يجمع ويأخذ بعين الاعتبار آراء وأفكار كافة المواطنين؟
هناك بعض الوقائع لم تحدث قطيعة معها بالرغم من أن مضمون الخطاب قد قطع معها، وهي الممارسة السياسية التقنوقراطية، هذا ما يهمني في النقاش.
أعتقد ، وبشكل عام، أن قضية الملكية البرلمانية أصبحت مهيكلة للنقاش. يعني أنها هي التي تحدد التقاطبات، لذلك فإن الرأي العام والمتتبعين يعتبرون هذه المذكرة مع الملكية البرلمانية، وهذه دون الملكية البرلمانية، وهذه في أفق الملكية البرلمانية.
لقد رأينا العديد من التطورات ووجهات النظر، وهذه القضية أعطت لنا ما يعرف بالمجالات، المجال المحفوظ، ما الذي سيبقى حكرا على المؤسسة الملكية؟ هناك من اعتبر أن السلطة الدينية وحدها تبقى، وهناك من اعتبر أنه بالاضافة إلى السلطة الدينية، يبقى جزء من السلط والوظائف السياسية.
إذن اعتقد أن هذه القضايا الثلاث هي القضايا الأساسية، نحن في منطق النقاش حول الملكية البرلمانية، جزئيا هذا النقاش انحاز الى السلطة التنفيذية، أي كيفية تقسيم هذه السلطة بين الملك والحكومة، وثالثا الهندسة الدستورية لهذه المجالات.ما هو المجال المحفوظ للملك، وما هو المجال المشترك؟ وما هو المجال الحصري الذي تمارس فيه الحكومة السيادة الكاملة كجزء من السلطة التنفيذية. وهنا عندما نعود الى خطاب 9 مارس، هناك في المحور الرابع من المحاور المعلن عنها ، تقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية (دون ال «التعريف»).
هناك في الخطاب الملكي ل 9 مارس، مبدآن اثنان يمكن أن يفسرا في اتجاه الملكية البرلمانية، فالعبارات التي تقول إن الوزير الأول يتوفر على سلطة تنفيذية حقيقية. بطبيعة الحال مع التحفظ ومع النقاش المشروع حول استعمال العبارات، ولكن إذا أضفنا الى ذلك ربط السلطة بالمحاسبة والمسؤولية، فهذا الربط يدفع في اتجاه توسيع سلطات الوزير الأول أو رئيس الحكومة.. وإن كان يجب أن نبقى حذرين في نفس الوقت بالنظر الى أن من بين الثوابت الخمسة التي جاءت في بداية الخطاب كانت هناك اشارة الى إمارة المؤمنين، واشارة الى الإسلام، وجعل الخيار الديمقراطي في أسفل القائمة.
هناك مجال آخر أرى أن أغلب المذكرات تتفق عليه وهو احتفاظ الملك بصفة القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتعيين في المناصب العسكرية. وأعتقد أن هذه المقتضيات جاءت لتطمئن الملك على أن وسائل مهمة جدا لممارسة السلطة والتحكيم ولحماية المؤسسة نفسها عند الاقتضاء تتطلب بأن يحتفظ الملك بقيادة الجيش.
في ما يتعلق بالتنصيص في الدستور على أن الديمقراطية من الثوابت ، هذا ليس بالجديد، ففي الدستور الحالي هناك تنصيص على أن نظام الحكم في المغرب، نظام ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية، مامعنى الثوابت في الدستور؟ هي الفصول التي لا تقبل المراجعة، هذا هو معناها الدستوري. من الفصول التي لا تقبل المراجعة هناك الشكل الملكي للدولة، أي كملكية دستورية ديمقراطية...
عبد العزيز النويضي
هناك مذكرات طالبت بتضمين الدستورالطبيعة الديمقراطية للدولة...
محمد مدني
في ما يخص النقاش حول السلطة التنفيذية هناك جانبان، جانب يمكن التنصيص عليه في الدستور، وكيف يتم التنصيص عليه ؟ مثلا قد نتفق على أنه في الدستور يتم التنصيص على السلطة الدينية للملك، هذا لا يطرح مشاكل، ولكن المشكل في ممارسة السلطة الدينية، مثلا عندما نأخذ مثال النظام البرلماني الانجليزي، فإن وضعية الملكية الاعتبارية هي رئيسة الكنيسة الانجليكانية. إذن فمجالها الديني هو من اختصاصها التاريخي. و لكن من الناحية الاجرائية كيف يمارس هذا الاختصاص التاريخي؟ يمارس بعد استشارة الوزير الأول. رغم أنها هي قائدة الكنيسة. ويتم تعيين الاساقفة، أي القيادات الكبرى الدينية وتقابلها عندنا المجالس العلمية بناء على لائحة تقدمها لجنة اكليروسية.
إذن، لاأحد يمكن أن يجادل في هذا الاختصاص الديني، لكن النقاش يطرح حول طريقة تنفيذه وعلاقته بالسلطة التنفيذية. إن المشكل المطروح على مستوى المسؤولية هو مشكل التدبير اليومي، أما الوضع الاعتباري للملك فيحتاج الى أن يبتعد عن التسيير الديني بما فيه السياسي اليومي الديني لأن فيه مشاكل ونقاش وأخذ ورد ، وهذا ما قد يتعاضر مع الدور التحكيمي للملك.
إن التحكيم يجب أن يكون تحكيما ديمقراطيا، أي ينبني على قواعد ديمقراطية واضحة.
سعيد يكري
إذن التنصيص علي الديمقراطية بالرغم من انها وردت في الرتبة الرابعة وهذا ليس بمهم، لكن المهم أن الخطاب الملكي اعتبرها من التوابث التي لا يمكن تصور نظام سياسي بدونها.. أي نظام ديمقراطي يفتح المجال أكثر فأكثر لفصل السلط ولعدم هيمنة سلطة على سلطة، واعتبار سلطة القضاء سلطة مستقلة وأعلى من جميع السلط، وهنا يطرح السؤال: هل اعتبار سلطة الفضاء سلطة مستقلة بما تحمله من مضمون قوي يجعلها فوق جميع السلط التنفيذية والتشريعية.
ان المشكل ليس في وجود دستور غير مكتوب، وقد يكون الدستور غير المكتوب يتضمن أعرافا ديمقراطية لا تطرح أي إشكال .المشكل ليس في الثنائية في المكتوب وما هو غير مكتوب .لا أعتقد أن هناك عدة دساتير، هناك نص واحد معروف. هذا النص وكما هو الشأن بالنسبة لكل النصوص، قابل لتأويلات متعددة. لكن في الواقع هناك تأويل مورس وأصبح تأويلا رسميا ولا يمكن لك أن تقول أن هناك تأويلات متعددة. هذا التأويل هو الذي فرض نفسه في حالة الاستثناء وهذا معطى أساسي .في حالة الاستثناء ثم تأويل الدستور تأويلا تيولوجيا يقول هكذا ينبغي أن يطبق الدستور . وهذا التأويل أعطته المؤسسة الملكية كفاعل سياسي. وهناك تأويل القضاء، فالقضاء في مجموعة من الاحكام سار منذ حالة الاستثناء في الاتجاه التيولوجي المتعلق بوضعية الملك ووضعية الظهائر وأن القضاء من مشمولات الإمامة.. والفصل 19 لا يمكن فصله عن الظهير. لقد عادت الظهائر سنة 1969، من قبل كان المرسوم الملكي. اذن هذه المنظومة التيولوجية هي نتاج لحالة الاستثناء ولا تزال مستمرة الى اليوم وهي التي تطرح مشاكل. لأنه لا يمكن أن نقرأ النص بغض النظر عن هذا التأويل السائد. وهذا يطرح اشكالا حول وضعية الفصل 19 والظهير والقضاء ووضعية تمثيل الأمة، لأن الفصل 19 أضيفت اليه أن الملك «الممثل الأسمى للأمة». إذن تم تأويل التمثيل تأويلا تيولوجيا يجعل أن هناك ممثلا أسمى ، وبالتالي هناك تمثيل عادي، الاول مقدس والثاني «مدنس» ، هذا التأويل لايزال حاضرا ولم تتم القطيعة معه، لأن القطيعة ليست التأويلات التي يعطيها أساتذة، فهذه التأويلات لا تلزم إلا أصحابها..
حسن طارق
إن مشكلة الفصل 19 متعلقة بالاستناد إليه للتشريع في مجال يهم مجال القانون، إذ كانت هناك ظهائر صدرت في مجال هي من مشمولات القانون وفي أوقات عادية. هنا الفصل 19 يتحول إلى أداة تحل بمقتضاها سلطة محل السلطة التشريعية.
إذن في هذه المرحلة، يجب إعادة إدخال الفصول التي كانت تسمح بتأويل فوق دستوري، إدخالها الى الدستور وأن تصبح خاضعة لشكلانية النص الدستوري.
سعيد بكري:
أريد أن أتطرق إلى الفصل 19 واستغلاله في التاريخ الدستوري في المغرب لربطه أيضاً بوجود ما يسمى بوزارات السيادة، وخاصة الأمانة العامة للحكومة. إنني أعتقد أنه في بعض الأحيان الملك نفسه قد لا تكون له رغبة في خرق الدستور، وفي استعمال الفصل 19 للاعتداء على اختصاصات السلطات الأخرى. مثلا في سنة 2002 لعب الأمين العام للحكومة دوراً أساسياً في اغتصاب السلطة. كنا آنذاك بصدد وضع مجموعة من القوانين تهم إصلاح الاعلام السمعي البصري، بما في ذلك إصلاح وكالة المغرب العربي للأنباء والهاكا وإصدار قانون الوسيط. هذا يدخل في مجال القانون، في مجال الحريات العامة، في مجال الصحافة إلخ... لكن تم اغتصاب هذا الحق. كذلك فإن بعض المسؤولين وبعض الوزراء يهيئون بعض الخطابات الملكية ، مما يؤدي إلى إفراغ بعض بنود الدستور من محتواها، مثلا في سنة 2004 وعلى إثر احتجاج مجموعة من القضاة، وكون بعضهم كانوا أعضاء في الجمعية المغربية لاستقلال القضاء وتوقيع عريضة يقولون فيها، إنهم لا يجدون منبراً يتظلمون إليه إلخ... جاء خطاب ملكي في أبريل 2004 يقول للقضاة: عليكم أن تعملوا فقط داخل الودادية الحسنية للقضاة وداخل المجلس الأعلى للقضاء وداخل جمعية الأعمال الاجتماعية، وهل يستطيع القضاة أن يخالفوا هذا؟ هنا يطرح السؤال: من المسؤول؟
هناك كذلك ما قاله الأخ محمد مدني حول تأويل القضاء، وكل ذلك يتعلق بمؤسسة أساسية هي مؤسسة البيعة، إذ كان هناك حرص على أن تبقى هذه المؤسسة حتى يبقى هذا التأويل ممكناً، لأن مؤسسة البيعة معناها أنني أحكم لأن لدي في أعناقكم عهداً على الطاعة والولاء، وأنه انطلاقاً من هذا العهد، وإذا لم يكفني الدستور، فسوف ألجأ إلى تفسير موسع للدستور وخارج الدستور.
أود أن أشيرإلى نقطة أخرى تتعلق باختصاص الملك بالحقل الديني ، لا أرى لها مبرراً، في نظام ديمقراطي يؤمن بالمبادىء العالمية لحقوق الإنسان، فما معنى الملك أمير المؤمنين في دولة تؤمن بحرية المعتقد، بالنسبة لي فهو أمير المؤمنين للمسلمين وللمسيحيين وغيرهم...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.