تعيش الساحة السياسية المغربية اليوم غليانا و تسابقا لم يسبق لهما مثيل بعد خطاب التاسع من مارس الذي اعتبره البعض بمثابة وثيقة الماكنا كارتا في التاريخ البريطاني ، في الوقت الذي لازالت فيه مطالب الشباب الفايسبوكي مرفوعة وغير خاضعة للأدلجة السياسوية و متجاوزة بذلك كثيرا من التقديرات حول السقف المطلبي الذي ظلت تبتعد عنه الأحزاب السياسية نفسها ؛ هذه الأخيرة التي تحاول الالتفاف على مطالب الشباب و تبني خطاب يحاكي خطاب السلطة بعدما ابتعدت عن دورها في أن تكون قوة سياسية اقتراحية و قوة مناهضة لخطاب تمركز السلط كما هو معمول به في الدول الديمقراطية و هو منحى باتر في الممارسة السياسية كما عرفت منذ الإغريق و من تبعهم إلى يومنا هذا . مطالب الشباب التي تسعى التنظيمات الحزبية إلى تعويمها و احتوائها بقولها اليوم » ما وصلنا إليه يكفي » أحرجت الأحزاب السياسية أو اغلبها حتى لا نكون ظالمين للبعض و التي ظلت متخبطة في فردانيتها و غارقة في سياستها الخاصة و جعلتها تبقى مشدوهة أمام هذا الفتح الفايسبوكي الذي رفع سقف المطالب السياسية عاليا و أحرج من تسمي نفسها « أحزابا » و هي التي اقترنت مناسباتيا بالانتخابات فقط، و التي كانت إلى عهد قريب تعتبر أن المرور إلى بوابة السياسة لا بد أن يمر بالأساس من خنادقها و أي إصلاح لابد أن يكون بمشاورتها حتى وصلت إلى المغرب بوادر ما يقع في العالم العربي و بات المشهد السياسي المغربي الذي طبعه عزوف عن المشاركة في اللعبة التي ترسمها الدولة يغلي، و ما هو بعزوف في الحقيقة إذا سلمنا أنه نوع من التسيس الصامت و الفعال و رفض للمشاركة في لعبة تنتهي خيوطها في النهاية إلى يد نفس الوجوه لإدارة البلاد وفق ما تراه مناسبا للحفاظ على مصالح طبقة معينة. فالخطاب الذي أراد الشباب إيصاله اليوم اكتسب شرعيته الوجودية بعيدا عن أية أيديولوجية مادام يقارع تمركز السلط بلغة مطلبية جمعية بعيدة عن كل تدليس أو تبادل مصالح و بعيدة عن رائحة التحزب السياسي و التي ميعت النضال السياسي و أفقدته قيمته و أظهرت فعلا أن ما وقع في عديد من البلدان العربية لم يأت به حزب أو طائفة بقدر ما هو تعبير عن إرادة الشعب بلغة الشباب. فلتمتلك الأحزاب السياسية الشجاعة و لو هذه المرة و تنأى بنفسها عن محاولة الالتفاف حول مطالب الشباب الفايسبوكي الذي عصف فعلا بمصداقيتها و خلق لنفسه قاعدة عريضة تتجاوز الأعراف البيروقراطية التي أصيبت بها الأحزاب نفسها و أتلفت أجندتها إن كانت لها أجندات فعلا و تاهت عن خطها إن كان لها خط في الأساس. إنها قمة التناقض حين نسمع عن اختلاف بين حزب و شبيبته، و نسمع عن حزب آخر جمع ألفي شاب و جاء بهم إلى الرباط لإبراز حضوره في المشهد السياسي ، أين كنتم قبل اليوم ؟ هذا ضرب من العبث، لأن الحضور الحقيقي هو حين تكون في قلوب المغاربة و ليس في نشرة الأخبار التي تبثها الأولى. لم تعد الحيلة تنطلي على أحد مادام القطاع السمعي البصري نفسه لم يتحرر بعد من ربقة مخلفات إدريس البصري التي مازالت تعتبر الإعلام رافدا من روافد وزارة الداخلية منذ ألصق البصري وزارة الإعلام بدهاليز الداخلية في خطوة معروفة لتجميل صورة المغرب بالمفهوم « الداخلي » ( نسبة إلى الداخلية وليس إلى الداخل ) . المغرب اليوم ورش حقيقي على عدة أصعدة ، اقتصاديا و سياسيا و حقوقيا و اجتماعيا ، و حينما نقول ذلك فالأمر يتعلق ببناء تعاقدي جديد يكون فيه المواطن مخدوما وليس خادما و هي الأجرأة التي تحتاج إلى جرأة في الخطابات و إلى صدقية و تنوير حقيقيين و كرامة تأخذ بعين الاعتبار مركزية المواطن كإنسان و ليس ما يملكه من ضيعات و حسابات بنكية و الاستفادة المباشرة من الثروات مادام المواطن يدفع الضرائب و يساهم في بناء الاقتصاد الوطني. هذه مطالب شباب المغرب اليوم و التي لا تحتاج إلى مزايدة أو وصاية من أحد أو وساطة أو تأويل فقهي أو قانوني قد يجتهد البعض في تفسيره لأن زمن الوصاية السياسية قد ولى و زمن الخلط بين الانتخابات و النضال السياسي قد داست عليه مطالب الشباب اليوم، و كل ذلك لم يتحقق لأن هؤلاء الشباب لا يفهمون في السياسة كما كان يقال و لكن لأن ما يقومون به فعلا هي السياسة بشحمها و لحمها و هي الصدقية و الواقعية و الوضوح في الرؤية و الاتجاه المباشر في الخطابات بدل اللف و الدوران الذي يريد البعض اليوم اتخاذه سلاحا و ركوبه مطية للمزايدة على مطالب الشباب المغاربة و إفراغ تطلعاتهم من محتواها الحقيقي[/align]